« فهرست دروس
الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

47/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الشرائط/ دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر /الأصول العملية

 

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الشرائط

 

1- دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الشرائط

تحوّلنا إلى بحث دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الشرائط، كالطهارة في الصلاة التي نشكّ أنّها يُشترط فيها الطهارة أو لا يُشترط فيها الطهارة.

1.1- تقسيمات البحث

قلنا بأنّ هذا على نحوين؛ لأنّه تارةً نحتمل شرطيّة شيءٍ يكون – على تقدير شرطيّته – دخيلاً في المتعلّق المباشر للتكليف. وتارةً أخرى يكون – على تقدير شرطيّته – دخيلاً في متعلّق المتعلّق للتكليف، لا المتعلّق المباشر. ووضّحنا ذلك ضمن مثال الرقبة: اشتراط الإيمان في الرقبة في الكفّارات التي يجب فيها عتق الرقبة، فالوجوب – وهو التكليف – يتعلّق بالعتق، والعتق يتعلّق بالرقبة، وبالتالي يقع الشكّ في هذه الرقبة التي هي متعلّق المتعلّق للتكليف: نشكّ في أنّها هل يُشترط فيها الإيمان، أن تكون هذه الرقبة مؤمنةً، أو لا؟

ومن ناحية أخرى أيضاً قلنا بأنّه يكون احتمال الشرط الزائد على نحوين أيضاً، لكن من زاوية أخرى؛ وذلك من زاوية أن يكون هذا الشرط المشكوك كونه دخيلاً في المتعلّق أن يكون أمراً مستقلّاً، كالطهارة. أمرٌ مستقلّ، إذا شككنا في شرطيّة الطهارة فقد شككنا في شرطيّة أمرٍ مستقلّ، لأنّ الإنسان يمكنه أن يتطهّر ولا يصلّي. ويمكنه أن يتطهّر ولكن لا يصلّي بهذا الوضوء. وتارةً أخرى يكون أمراً غير مستقلّ، مثل شرط التأنّي؛ التأنّي لا بمعنى مضيّ الزمان، بل بمعنى أن يؤدّي الصلاة في حالةٍ مثل الخشوع. فهذه حالة أخرى قد نحتمل شرطيّة التأنّي بمثل الخشوع.

1.2- الموانع العامّة عن جريان البراءة في المقام

وبعد ذلك تكلّم أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه في الموانع التي عُرضت سابقاً عن إجراء البراءة في باب الأجزاء. والموانع الرئيسيّة في باب الأجزاء عن جريان البراءة كانت ثلاثة:

المانع الأوّل: العلم الإجماليّ المانع عن البراءة، بدعوى رجوعه إلى المتباينين. يُدّعى أنّ هذا دوران للأمر بين متباينين، ولهذا يكون علماً إجماليّاً يجب الاحتياط فيه، بخلاف ما إذا لم يرجع إلى المتباينين بل كان بين الأقلّ والأكثر. فيقول القائل بأنّ الأقلّ قطعيّ، والأكثر مشكوك، تجري فيه البراءة. فبدعوى إرجاع الأقلّ والأكثر إلى المتباينين، يُدّعى كون العلم الإجماليّ مانعاً عن جريان البراءة.

المانع الثاني: وجود العلم التفصيليّ بالأقلّ، إمّا استقلالاً أو ضمناً. لأنّه كنّا نقول: إنّ الأقلّ – وهو تسعة أجزاء بحسب مثالنا القديم: أنّ الصلاة هل هي مشتملة على تسعة أجزاء أو عشرة أجزاء؟ – فالتسعة أجزاء على كلّ حال واجبة، إمّا وجوباً مستقلّاً أو وجوباً ضمن الأكثر. فالعلم التفصيليّ بوجوب الأقلّ، إمّا استقلالاً أو ضمناً، هذا العلم يكون مانعاً عن جريان البراءة. وذلك لأنّ العلم الإجماليّ يجعلنا لا نتأكّد من امتثال الأقلّ إلّا بامتثال الأكثر، إذ قد يكون ضمن الأكثر واجباً وقد يكون مستقلّاً واجباً، ولا نعلم. فإذا أردنا أن نجزم بامتثال الأقلّ لابدّ وأن نؤدّي الأكثر حتّى نجزم بامتثال الأقلّ. وبالتالي هذا الأقلّ لا تجري عنه البراءة، لأنّه تجري قاعدة «الاشتغال اليقينيّ يستدعي الفراغ اليقينيّ». فإذا كان لابدّ له أن يؤدّي الأكثر، فلا تجري البراءة عن هذا الأكثر.

المانع الثالث: وجود العلم بالغرض، والغرض يكون الشكّ فيه شكّاً في المحصِّل. والشكّ في المحصِّل مجرى للاحتياط، وليس مجرى للبراءة. فإذاً البراءة لا تجري بحسب عالم الأغراض.

فهذه أمور ثلاثة عرضناها سابقاً لعدم جريان البراءة في باب دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء. ونفس هذه الأمور الثلاثة أو الموانع الثلاثة يمكن عرضها في باب الشرائط. ولكن أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه يقول: إنّ بعض هذه الموانع عن جريان البراءة يكون في تطبيقه على باب الشرائط نقطة ضعف، وبعضها يكون تطبيقه على باب الشرائط فيه نقطة قوّة.

ما هو المانع عن جريان البراءة الذي يكون في تطبيقه على باب الشرائط نقطة ضعف؟ أي يكون خفيّاً، أخفى منه في باب الأجزاء؟ هذا هو المانع المتوسّط من هذه الموانع الثلاثة: مانعيّة العلم التفصيليّ بالأقلّ، إمّا استقلالاً أو ضمناً، عن جريان البراءة. هذا المانع قلنا هناك بأنّه يكون مانعاً، أمّا هنا فيمكن عرضه في باب الشرائط، ولكنّه أخفى منه في باب الأجزاء.

وجه الخفاء: أنّه في باب الشرائط يكون احتمال الشرط الزائد على أساس احتمال قيدٍ زائد في المتعلّق. بينما في باب الأجزاء يكون على أساس احتمال وجوب أمرٍ زائد، كالجزء الزائد، كالسورة. والشكّ في الجزء الزائد الذي هو أمر مستقلّ أصعب وأقوى من الشكّ في قيد من القيود. ولهذا يكون الشكّ في الشرط الزائد أخفى من الشكّ في الجزء الزائد.

فإذاً هذا يُعتبر نقطة ضعف في تطبيق بعض هذه الموانع ـ وهو مانعيّة العلم التفصيليّ بالأقلّ ـ على باب الشرائط، إذ يكون أخفى منه في باب الأجزاء.

وأمّا البعض الآخر من هذه الموانع الذي يكون تطبيقه على باب الشرائط أقوى وأوضح منه، فهذا ما سيأتي في الدرس القادم إن شاء الله.

 

logo