46/11/23
محاورات حول ما جاء في الكفاية/ دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء /الأصول العملية
محتويات
1- محاورات حول ما جاء في الكفاية1.1- الأمر الثالث: جريان البراءة الشرعيّة عن الجزئيّة لا عن الجزء
1.1.1- تصوير الجواب المشترك
1.1.2- إيرادات أُستاذنا الشهيد على هذا الجواب:

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء / محاورات حول ما جاء في الكفاية
1- محاورات حول ما جاء في الكفاية
1.1- الأمر الثالث: جريان البراءة الشرعيّة عن الجزئيّة لا عن الجزء
قلنا: إنَّ الأمر الثالث من الأُمور التي طُرحت في الكفاية ويحتاج إلى بحث وتحقيق، هو أنَّ صاحب الكفاية قال: إنَّ البراءة الشرعيَّة التي هو يؤمّن بجريانها – دون البراءة العقليَّة – إنَّما تجري عن الجزئيَّة، ولم يقل تجري عن الجزء الزائد المشكوك، بل عبَّر بالجزئيَّة.
فالسؤال: لماذا عدل صاحب الكفاية عن التعبير بالجزء إلى التعبير بالجزئيَّة؟
أُستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه طرح جواباً على هذا التساؤل، وقال: إنَّ هذا الجواب لو تمّ، يصلح أيضاً جواباً عن تساؤل آخر مرتبط بالبحث السابق، وهو: ما وجه التفصيل بين البراءتين، بكون العلم الإجمالي مانعاً عن جريان البراءة العقليَّة وغير مانع عن جريان البراءة الشرعيَّة؟
إذن عندنا تساؤلان، والجواب الذي اقترحه أُستاذنا الشهيد لو صحَّ لكان جواباً مشتركاً عنهما.
1.1.1- تصوير الجواب المشترك
إنَّ البراءة عن الأكثر والبراءة عن الأقلّ تتعارضان وتتساقطان؛ لأنَّنا نعلم بوجوب إمَّا الأقل أو الأكثر. فالأصل الجاري عن ذات الجزء يتساقط مع الأصل الجاري عن الأقلّ. وبعد سقوطهما تصل النوبة إلى الأصل الطوليّ، وهو أصالة البراءة عن الجزئيَّة.
كما هو الحال في موارد الأصول الطوليَّة: إذا سقط الأصل السابق بمعارض، يحيا الأصل الطوليّ، مثل ما إذا تساقط الاستصحاب بمعارض، تصل النوبة إلى البراءة. وهنا أيضاً بعد تساقط البراءة عن ذات الجزء مع البراءة عن الأقلّ، تصل النوبة إلى البراءة عن الجزئيَّة.
فبهذا يكون الجواب:
• من ناحية، يفسِّر عدول صاحب الكفاية عن التعبير بالجزء إلى التعبير بالجزئيَّة.
• ومن ناحية ثانية، يفسِّر التفصيل بين البراءتين، بأنَّ البراءة الشرعيَّة عن الجزئيَّة تجري حتّى مع وجود العلم الإجمالي، بخلاف البراءة العقليَّة.
1.1.2- إيرادات أُستاذنا الشهيد على هذا الجواب:
الإيراد الأوَّل: هذا الجواب يتمّ على مبنى الاقتضاء، ولا يتمّ على مبنى العلِّيَّة. وصاحب الكفاية كالمحقِّق العراقي يقول بالعلِّيَّة، بمعنى أنَّ العلم الإجمالي علَّة تامَّة للتنجُّز ووجوب الاحتياط. وعلى هذا المبنى لا حاجة إلى تصوير تساقط بين البراءتين، بل نفس العلم الإجمالي يكفي لإيجاب الاحتياط، سواء جرت البراءة في أحد الطرفين أو لم تجرِ.
الإيراد الثاني: لا توجد طوليّة بين أصالة البراءة عن الجزئيَّة وأصالة البراءة عن ذات الأكثر. لأنَّ الجزئيَّة أمر انتزاعي عقليّ من وجوب الأكثر، وليست من لوازمه الشرعيَّة. والأصول العمليَّة لا تثبت لوازمها العقليَّة، بخلاف الأمارات. فدعوى أنّ البراءة عن الجزئيَّة في طول البراءة عن الجزء غير صحيحة.
الإيراد الثالث: البراءة الظاهريَّة عن الجزئيَّة لا معنى لها دون أصل الجزء. لأنَّ الجزئيَّة ليست مورداً للتنجُّز والتعذير، فلا تصلح لأن تكون مصبّاً للبراءة. البراءة إنَّما تعطي المعذريَّة فيما يكون قابلاً للتنجُّز والتعذّر، وهو أصل وجوب الشيء، لا جزئيَّته. فالقول بجريان البراءة عن الجزئيَّة لغو.
وأمَّا الإيراد الرابع فسنتعرَّض له لاحقاً إن شاء الله تعالى.