« فهرست دروس
الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

46/11/19

بسم الله الرحمن الرحيم

 محاورات حول ما جاء في الكفاية/ دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء /الأصول العملية

 

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء / محاورات حول ما جاء في الكفاية

1- محاورات حول ما جاء في الكفاية

1.1- الأمر الثاني: التفصيل بين البراءة العقليّة والبراءة الشرعيّة في موارد الشكّ بين الأقلّ والأكثر

قلنا إنّ صاحب الكفاية (رحمه الله) ذكر في كفايته أنّه في موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر، البراءة العقليّة لا تجري، ولكنّ البراءة الشّرعية تجري. ولقد صرنا بصدد مناقشة هذا الكلام.

وقلنا بأنّ مناقشة هذا الكلام تارةً تكون على أساس الوجه الأوّل من الوجهين اللّذين اعتمد عليهما صاحب الكفاية في المنع عن جريان البراءة العقليّة، وتارةً أخرى تكون بناءً على الوجه الثّاني.

أمّا الوجه الأوّل، فقد اعتمد فيه على كون الشكّ في الغرض شكّاً في المحصّل، وهذا ما بحثناه وأكملناه. وأمّا الوجه الثّاني، فهو وجود العلم الإجماليّ بين كون الواجب تسعة أجزاء أو عشرة أجزاء، وهذا العلم الإجماليّ غير منحلٍّ عنده، لأنّه لا ينحلّ بالعلم التّفصيليّ بأحد الطّرفين. وقد مضى بحث هذا بالتّفصيل أيضاً.

1.1.1- مناقشة الوجه الثّاني: العلم الإجماليّ وعدم انحلاله

والآن نأتي إلى مناقشة رأي صاحب الكفاية بناءً على الوجه الثّاني. كان الوجه الثّاني الذي اعتمد عليه صاحب الكفاية في المنع عن جريان البراءة العقليّة هو وجود العلم الإجماليّ بين الأقلّ والأكثر، وعدم انحلال هذا العلم الإجماليّ عنده. فقال بأنّ هذا العلم الإجماليّ يمنع عن جريان البراءة العقليّة.

وهنا يُقال: لماذا لا يمنع هذا العلم الإجماليّ عن جريان البراءة الشّرعية أيضاً؟ لماذا تقول بأنّ العقليّة لا تجري ولكنّ الشّرعية تجري؟ هذا الكلام غريب.

1.1.1.1- رأي الشّيخ النّائيني والسّيد الخوئي: جريان البراءة الشّرعية منوط بإثبات الطرف الآخر

أجاب السيّد الخوئي والشيخ النائيني (رضوان الله تعالى عليهما) عن هذا التّساؤل بأنّ إمكان جريان البراءة الشرعيّة منوط ومتفرّع على أن نرى هل أنّ البراءة عن أحد طرفي هذا العلم الإجماليّ (وهو كون السورة جزءاً من الصلاة) تثبت الطرف الآخر أم لا؟

فإذا جرت البراءة عن كون الصلاة ذات عشرة أجزاء، هل تثبت هذه البراءة، ولو ظاهراً، أنّ الصلاة هي ذات تسعة أجزاء أم لا؟

إنّ عدم كون الصلاة ذات عشرة أجزاء، وكونها ذات تسعة أجزاء، هما حكمان متلازمان على مستوى الواقع. ولكن على مستوى الحكم الظاهريّ، قد يثبت أحدهما دون الآخر، كما هو ثابت في محلّه. فالحكمان المتلازمان واقعاً، ليسا متلازمين ظاهراً. مثال ذلك: لو كان هناك ثوب مستصحب النجاسة، غُسل بماء طاهر غير مستصحب النجاسة، فإنّنا نحكم بنجاسة الثّوب ظاهراً (للاستصحاب) وطهارة الماء ظاهراً (لأصالة الطهارة)، مع أنّ الحكمين متلازمان واقعاً.

وعليه، فيما نحن فيه، قال السيد الخوئي والشيخ النّائينيّ:

إذا قلنا إنّ البراءة عن الجزء العاشر لا تثبت أنّ الواجب هو تسعة أجزاء، فإنّ هذا العلم الإجماليّ ينهدم، لأنّنا بعد إجراء البراءة لم نثبت الطرف الآخر، فيتعارض الأصلان (البراءة عن الأقلّ والبراءة عن الأكثر) ويتساقطان، فلا تجري البراءة الشرعيّة.

وأمّا إذا قلنا إنّ البراءة عن الجزء العاشر تثبت أنّ الواجب هو تسعة أجزاء، فإنّ هذه البراءة قد أثبتت صحّة الطرف الآخر، فلا يبقى مجال للبراءة عن الطرف الآخر حتّى يتعارضا، وعليه تجري البراءة الشرعية.

وهذا هو مبنى السيد الخوئي والشيخ النّائينيّ. يبقى أن نرى رأي أستاذنا الشهيد في ذلك، وهذا ما سنبحثه في الدرس القادم إن شاء الله.

logo