46/11/01
محاورات حول ما جاء في الكفاية/ دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء /الأصول العملية
محتويات
1- محاورات حول ما جاء في الكفاية1.1- الأمر الثاني: التفصيل بين البراءة العقليّة والبراءة الشرعيّة في موارد الشكّ بين الأقلّ والأكثر
1.1.1- الوجه الأوّل
1.1.2- الوجه الثاني

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء / محاورات حول ما جاء في الكفاية
1- محاورات حول ما جاء في الكفاية
قلنا إن لنا محاورات مع صاحب الكفاية رضوان الله تعالى عليه في عدة أمور جاءت في الكفاية.
1.1- الأمر الثاني: التفصيل بين البراءة العقليّة والبراءة الشرعيّة في موارد الشكّ بين الأقلّ والأكثر
أكملنا الأمر الأول من الأمور التي جاءت في الكفاية ونحن ناقشناها وبحثناها، والآن نأتي إلى الأمر الثاني وهي بحاجة إلى بحث وتحقيق وهو التفصيل بين البراءة العقليّة والبراءة الشرعيّة في موارد الشكّ بين الأقلّ والأكثر، فصاحب الكفاية رضوان الله تعالى عليه قال في هذه الموارد بأنّ البراءة العقليّة لا تجري وإنّما تجري البراءة الشرعيّة واعتمد في كلامه هذا على وجهين.
1.1.1- الوجه الأوّل
اعتمد في الوجه الأوّل على الكلام حول الغرض والملاك الذي يكون خلف كلّ تكليف، على أنّ الشكّ في الغرض لا بدّ من تحصيله كما أنّ نفس الفعل لا بدّ من تحصيله.
فهذا الغرض يكون الشكّ فيه مرجعه إلى الشكّ في المحصّل؛ لأنّه لا يدري أنّ هذا الغرض هل يحصل بتسعة أجزاء مثلاً أو بعشرة أجزاء، فيكون الشكّ في الغرض مرجعه إلى الشكّ في المحصّل والشكّ في المحصّل كما تعرفون مجرى للاحتياط لا مجرى للبراءة.
إذاً فمراعاةً للغرض لا بدّ أن يحصّل العلم بالامتثال وهو أن يؤدّي الجزء الزائد حتّى يحصل له اليقين بالامتثال، فإذا أدّى الجزء الزائد فسواء كان التكليف الذي أمر بها الله تبارك وتعالى في علم الله هو تسعة أجزاء أو عشرة أجزاء فقد امتثل.
هذا الوجه الأول الذي اعتمد عليه صاحب الكفاية في التفصيل الذي قال به، ولا بدّ من شرحه وتفصيله أنّه لماذا هذا الوجه الأول يؤدّي إلى عدم جريان البراءة العقليّة و[يبني على] جريان البراءة الشرعيّة فقط؟
1.1.2- الوجه الثاني
والوجه الثاني أن الشكّ في الأقلّ والأكثر إذا قلنا بانحلاله بالعلم التفصيليّ بالأقلّ يؤدّي إلى الخلف والتهافت.
أمّا الوجه الأول يعني بناء على الاعتماد على الغرض وعلى ضرورة امتثال أو تحقيق الغرض من كلّ تكليف، وبالتالي يكون الشكّ في الغرض شكّاً في المحصّل، فلا تجري براءة العقليّة.
طبعاً نحن عندما نبحث عن البراءة العقليّة اعتماداً على رأي الأصحاب، أمّا نحن كأستاذنا الشهيد فأساساً لا نقبل بها، ولكن تسليماً برأي الأصحاب الذين يؤمنون بالبراءة العقليّة بصورة عامّة فنقول بأنّ صاحب الكفاية هنا قال لا تجري البراءة العقليّة، وتجري البراءة الشرعيّة فقط والأصحاب المتأخّرين مستشكلون عليه وقائلون بأنّ المانع الذي يمنع عندك عن جريان البراءة العقليّة لابدّ أن يمنع عن جريان البراءة الشرعيّة أيضاً، واللطيف أنّ صاحب الكفاية هو رفع اليد عن هذا التفصيل في تعليقته على كفايته وقال لا تجري البراءة العقليّة ولا البراءة الشرعيّة.
المهمّ أنّه على أيّ أساس يقول لا تجري البراءة العقليّة وتجري البراءة الشرعيّة فقط؟ فيقول بأنّه في باب الغرض يتدخل العقل ويرى بأنّ الغرض، الشكّ فيه يؤدّي إلى الشكّ في المحصّل وبالتالي يمنع العقل عن جريان البراءة ويرى أنّ البراءة العقليّة لا تجري باعتبار أنّه شكّ في المحصل.
ولكن من الناحية الشرعيّة يقول بأنّه أيّ شيء بها؟ أنّ الشارع يرفع يده عن الغرض رغم أنّ الشكّ في الغرض شكّ في المحصّل ولكن هو الشارع يستطيع أن يرفع يده عن هذا الغرض، هذا هو التفصيل الذي ذكره صاحب الكفاية.
العلماء المتأخّرون اعترضوا عليه ومن جملتهم السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه وقال: يا صاحب الكفاية إذا كنت تمنع عن جريان البراءة العقليّة بسبب أنّ الشكّ في الغرض شكّ في المحصّل فهذا السبب مشترك بين البراءة العقليّة والبراءة الشرعيّة، فالغرض على كلا التقديرين يبقى واجب الامتثال وواجب التحقيق والتحصيل، فإذا كان الشكّ في الغرض شكّاً في المحصّل فلا يجري لا البراءة العقلية ولا البراءة الشرعية.
أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه عنده نوع من الإيراد على كلام أستاذه بأنّ السيّد الخوئيّ يبدو من كلامه هذا أنّه لا يقبل بجريان البراءة بلحاظ الغرض، فيقول إذا كان هذا هو السبب في إنكاره لجريان البراءة في الغرض فهو مشترك بين البراءة العقليّة والشرعيّة، فإذاً عند الشكّ في الغرض إذا قبلنا هذا السبب للشكّ في عدم جريان البراءة بلحاظ الغرض فهذا لا فرق فيه بين البراءة العقليّة والشرعيّة.
أستاذنا الشهيد يقول إيراداً على كلام أستاذه: إذا كانت البراءة لا تجري (لا البراءة العقلية ولا البراءة الشرعية) بلحاظ الغرض إذاً فماذا تقول في الشبهات البدويّة؟ ففي الشكّ البدويّ أيضاً عندنا شكّ في الغرض، الشكّ البدوي بالنسبة إلى بعض الأمور فيها حرمة أو لا، كشرب التتن فيها حرمة أو لا؟ هو شكّ بدوي فالمفروض هنا أيضاً أن تقول بأنّ هذا يؤدّي إلى الشكّ في الغرض، أنّ هذا الغرض موجود أو لا؟ وبالتالي لا بدّ من الاحتياط في الغرض؛ لأنّ غرض المولى يحصل أو ما يحصل؟ فالمفروض أن تقولوا بالاحتياط وعدم جريان البراءة، فإذا قلنا بالتفصيل بين البراءة العقليّة والبراءة الشرعيّة فالبراءة الشرعيّة لا تجري إلّا بالانضمام إلى البراءة العقليّة وهذا يعني أن البراءة الشرعيّة تصبح لغواً؛ لأنّها بحاجة دائما – حتّى في الشبهات البدويّة – إلى انضمام البراءة العقليّة إليه، إذاً فالبراءة الشرعيّة كضمّ الحجر إلى جنب الإنسان، وتصبح البراءة الشرعيّة لغواً، هذا إيراد أستاذنا الشهيد على أستاذه السيّد الخوئي رضوان الله تعالى عليه.
السيّد الخوئي رضوان الله تعالى عليه قال بأنّه نقبل بهذا الإيراد فقط في حدود موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر لا في موارد الشكّ البدويّ؛ لأنّ دليل البراءة الشرعيّة دلالته تكون بدلالة الاقتضاء، فبالدلالة الالتزامية تدلّ على الغرض؛ لأنّه يصبح لغوا، فلكي لا يكون لغواً نلتزم بأنّ في الغرض أيضاً نجري البراءة، فإجراء البراءة في الغرض يكون بالدلالة الالتزامية وهذه الدلالة الالتزامية لا إطلاق فيها، وهذا في محله مبحوث في علم الأصول بأنّ دلالة الاقتضاء لو شككنا في حدودها سعة وضيقاً هل يمكن فيها التمسك بالإطلاق أو لا؟
وعادةً يقولون بأنّ دلالة الاقتضاء لا إطلاق فيها، فلا يمكن التمسك بإطلاقها، فلا يمكن الالتزام بالإطلاق في ما نحن فيه؛ لأنّه بالدلالة الالتزاميّة تدلّ على الغرض في جانب الغرض وبعد ذلك هناك جواب للسيد الأستاذ على هذا الإشكال، ثمّ إشكال ثان للسيّد الخوئيّ على هذا الجواب وسنبحث إن شاء الله في الدرس القادم