« فهرست دروس
الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

46/10/28

بسم الله الرحمن الرحيم

 محاورات حول ما جاء في الكفاية/ دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء /الأصول العملية

 

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء / محاورات حول ما جاء في الكفاية

1- محاورات حول ما جاء في الكفاية

1.1- استلزام انحلال العلم الإجمالي بين الأقلّ والأكثر للخلف والتهافت

قلنا إنّ صاحب الكفاية رضوان الله تعالى عليه قال بأنّ الانحلال الحكمي في العلم الإجماليّ بين الأقلّ والأكثر بالعلم التفصيليّ بالأقلّ يؤدّي إلى الخلف والتهافت، وذكرنا تقريبين لتوضيح مراده وأبطلنا كلا التقريبين.

وأستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه يقول بأنّه لا يمكن قياس التنجّز بنفس الوجوب، الواجب الارتباطيّ كلّ جزء منه تعلّق به الوجوب وتعلّق به التنجّز، وكلامنا هنا في التنجّز، ولكن لقائلٍ أن يقول أو لمتوهّم أن يتوهّم (أو لعلّ صاحب الكفاية توهّم) أنّه يمكن قياس التنجّز بنفس الوجوب، وكما أنّ الوجوب واحد وهذه الأجزاء كلّها داخلة في متعلّق ذلك الوجوب الواحدة، كذلك يقاس عليه التنجّز ويقال بأنّ التنجّز حاله حال الوجوب، فكما أنّ الوجوب لا يتبعّض بأن يكون وجوب هذا الجزء غير وجوب ذاك الجزء – كما في الأقلّ والأكثر الاستقلاليّ – فالوجوب واحد تعلّق بمجموع الأجزاء، فقد يتخيّل أحدٌ قياس التنجّز بالوجوب، فكما أنّ الوجوب غير متعددّ فكذلك التنجّز أيضاً غير متعدّد وكما أنّه لا يمكن التبعيض في الوجوب كذلك لا يمكن التبعيض في التنجّز.

فيقول أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه هذا قياس باطل ومع الفارق؛ وذلك لأنّ الوجوب ملاكه الجعل والجعل في علم الله واحد سواء تعلّق بما فيه الجزء الزائد المشكوك كالسورة مثلاً أو تعلّق بالأقلّ، فالوجوب على كلا التقديرين واحد ولا يمكن التبعيض، ولكنّ التنجّز ملاكه ليس هو الجعل بل ملاكه الوصول إلى المكلّف، فيتنجز بالمقدار الذي يعلم ويتمّ الوصول إليه وبالمقدار الذي لا يعلم لا يتمّ الوصول إليه ولا يتنجّز، فيمكن إذاً التبعيض في التنجّز؛ لأن ملاكه الوصول ويمكن في الواجب الارتباطيّ أن يعلم بدخول بعض الأجزاء في الواجب لتعلّق الوجوب عليه لكونه جزءاً من الواجب، وبعض الأجزاء لا يعلم ولا يصل إليه ويشكّ فيه، فإذا كان الواجب في علم الله هو الأكثر فالسورة وإن كان في الواقع جزءاً من الواجب الارتباطي ولكن لم يصل إلى المكلّف فلم يتنجّز لعدم وصوله إليه، ولكنّه جزء من الواجب في علم الله، والأقلّ وهو الأجزاء التسعة مثلاً فواجبة وتنجّزت لحصول الوصول. فلا يمكن أن نقيس التنجّز بالوجوب.

ثمّ ينبّه أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه أنّ التقريب الثاني لتوضيح مراد صاحب الكفاية يؤدّي إلى مشكلة لا بدّ له من حلّه حتّى على صاحب الكفاية. والتقريب الثاني كان عبارة عن أنّه لو افترضنا أنّ الواجب في علم الله تعلّق بالأكثر ولكنّ المكلّف عصى رأساً ولم يصلّ لا بالأكثر ولا بالأقلّ وهو يعلم بأنّه إمّا الأكثر واجب أو الأقلّ، إما الصلاة واجبة مع السورة أو واجبة بلا سورة، فبمَ تتحقّق المعصية؟ فهو يسحق العقاب قطعاً ولا يمكن القول بعدم استحقاقه للعقاب، وإن كان يحصل على استحقاق العقاب وهو الصحيح نطرح السؤال: عقاب على ما؟ هل يعاقب على ترك الأقلّ عقابَ المعصية وليس عقاب التجري؟ أو يعاقب عقاب المعصية على تركه للأكثر؟

إن قلنا بأنّه يعاقب على تركه للأقلّ يرد علينا أنّه قلنا لم يتعلّق الأمر في علم الله بالأقلّ بل بالأكثر فهذا ليس عقاباً على المعصية، قد يكون عقاب التجري.

وإن قلنا إنّه يعاقب على الأكثر فكنّا نقول بأنّ الانحلال يؤدّي في رأي صاحب الكفاية إلى عدم الانحلال وأنّ التنجز يتمّ حتّى على الأكثر، فلا يحصل الانحلال.

والآن يكمل أستاذنا الشهيد هذا التقريب الثاني حتّى يجعله إشكالاً حتّى على صاحب الكفاية ويقول له إنّ هذا التقريب الثاني يؤدّي إلى مشكلة علميّة حتّى تبتلي بها أنت، وهذا بأنّه عندما نطرح السؤال بأنّه هل يعاقب على الأقلّ أو على الأكثر، أمّا عقابه على الأقلّ خلاف المصادرة التي يؤمن بها صاحب الكفاية، وهو أنّه لا يمكن التبعيض في التنجز، فهو إذا يعاقب على الأقلّ يعاقب على الأكثر أيضاً حسب تصوّره، وإن قلنا بأنّه يعاقب على الأكثر فهذا يؤدّي إلى تقييد قاعدة قبح العقاب بلا بيان لهم؛ لأنّه يعني عقاباً على ما لا يتمّ البيان عليه فلم يتمّ البيان على الجزء الزائد، فإذا قلنا يعاقب على الأكثر بما فيه الجزء الزائد فهذا ينافي قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وهذا استثناء وتقييد على هذه القاعدة وهذا غير معقول في تصورّهم حتّى صاحب الكفاية فلا بدّ من أن يحلّ هذه المشكلة التي تقول كيف تنجّز لكلّ الواجب الارتباطي بما فيه الجزء الزائد الذي هو في علم الله جزء لمتعلّق الوجود ولكنّ المكلّف لا يدري، كيف تنجز ذلك عليه؟

وهذه المشكلة يبتلي بها صاحب الكفاية، وبهذا يبطل حتّى التقريب الثاني لتوضيح مراد صاحب الكفاية.

 

logo