46/10/23
محاورات حول ما جاء في الكفاية/ دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء /الأصول العملية
محتويات
1- محاورات حول ما جاء في الكفاية1.1- استلزام انحلال العلم الإجمالي بين الأقلّ والأكثر للخلف والتهافت

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء / محاورات حول ما جاء في الكفاية
1- محاورات حول ما جاء في الكفاية
هناك أمور عديدة يتعلّق ببحث دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر جاءت في كتاب الكفاية وأستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه يبحثها.
1.1- استلزام انحلال العلم الإجمالي بين الأقلّ والأكثر للخلف والتهافت
الأمر الأوّل أنّ صاحب الكفاية رحمه الله برهن حسب رأيه وتصوّره على عدم انحلال العلم الإجماليّ بين الأقلّ والأكثر بالعلم التفصيليّ بالأقلّ والشكّ البدويّ في الزائد، ويبرهن على ذلك بأنّ هذا الانحلال يستلزم الخلف أو التهافت.
ولأجل توضيح ذلك يقدّم أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه مقدّمتين.
المقدّمة الأولى: أنّ هناك ما يبني صاحب الكفاية على كونه أمراً مفروغاً عنه ومسلّماً وحاصله: أنّ الواجب الارتباطيّ لا يمكن تبعيضه في التنجّز، أي التنجيز العقليّ لا يتبعّض في الواجب الارتباطيّ، فإمّا يتنجّز الكلّ، أو لا يتنجّز شيء منه.
والمقدمة الثانية: أنّ انحلال العلم الإجماليّ بالعلم التفصيليّ والشكّ البدويّ في الطرف الآخر يكون بأحد أنحاء ثلاثة:
الأوّل: الانحلال الحقيقيّ بلحاظ تمام ما في الواقع حتىّ حدود الحكم، مثلاً أنّ الأقلّ بحده الأقلّي والأكثر بحدّه الأكثريّ مع لحاظ حدود الحكم، هذا هو النحو الأوّل من الانحلال.
الثاني: الانحلال الحقيقيّ بقطع النظر عن حدود الحكم، بل نفس الحكم لا بحدّه الأكثريّ وبحدّه الأقلّي؛ لأنّ الحدود ليست مطلوباً في الأحكام أن يحقّقها المكلّف، وإنّما المُطالَب به دائماً هو ذات ما يجب وما يتعلّق به الحكم، لا حدّه.
والثالث: الانحلال الحكميّ بلحاظ عالم التنجيز.
وأنتم تعرفون أنّ الفرق بين الانحلال الحقيقيّ والحكميّ يكون دائماً في أنّه هل أن العلم الإجماليّ يزول وينتهي حقيقةً، أو موجود لا يزال ولكن يتعلّق تنجيز بأحد طرفيه؟ مثل ما إذا كنّا نعلم إجمالاً بنجاسة ما في هذا الإناء أو ما في ذاك الإناء فتنجّز أحدهما تنجيزاً مسلّماً، فهذا الطرف الذي تنجّز تنجيزاً مسلّماً لا بالعلم التفصيليّ بل بمنجّز كإخبار ثقة وخبر عدلين أو بأيّ نحو، فإذا تنجّز أحد طرفيه بمنجّز يبقى الطرف الثاني قابلاً لجريان البراءة بدون معارض.
فهذا هو الانحلال الحكميّ بخلاف ما إذا جاء علم تفصيليّ تعلّق بأحد طرفيه فينحلّ انحلالاً حقيقيّاً ولا يبقى علم إجماليّ ويتحوّل إلى علم تفصيليّ وشكّ بدويّ.
هذه أنحاء ثلاثة يمكن أن نصوّر الانحلال بها، والعلم الإجماليّ بالأقلّ أو الأكثر في ما نحن فيه يمكن تصويره بكلّ من هذه الأنحاء الثلاثة، فهذا العلم الإجماليّ بين الأقلّ والأكثر هل ينحلّ بالعلم التفصيليّ مثلاً بالأقلّ والشكّ البدويّ بالجزء الزائد المحتمل؟
نقول تارةً يراد دعوى انحلاله بالنحو الأوّل من الأنحاء التي ذكرناها وتارة بالنحو الثاني وثالثة بالنحو الثالث.
أمّا انحلاله بالنحو الأوّل: فنقول لا يمكن تصوير الانحلال عليه؛ لأنّه ينافي كون الأقلّ والأكثر ارتباطيّين، فإذا قلنا إنّه ينحلّ انحلالاً حقيقيّاً مع ملاحظة حدود الحكم فيه – أي أنّ الأقلّ بما هو أقلّ وبحدّ أقليّته والأكثر بما هو أكثر وبحد أكثريّته ينحلّان – فيصير حاله حال الانحلال في الأقلّ والأكثر الاستقلاليّين ولا يبقى الارتباطيّة بينهما وهو خارج عن محلّ الكلام.
وأمّا تصويره على النحو الثاني: بأن لا ندخل الحدود في الانحلال، فذات الواجب ينحلّ إلى أقلٍّ مسلّم وزائدٍ مشكوك، فهذا الانحلال يدّعى أيضاً أنّه حقيقيّ لا على مستوى التنجيز فحسب، ولكن بقطع النظر عن الحدود (حدّ الأكثريّة وحدّ الأقلّيّة)، وهذا يستدعي عدم دخول حدود الأقلّ والأكثر في هذا الانحلال.
وأمّا تصوير الانحلال في المقام على النحو الثالث: يعني الانحلال الحكميّ على مستوى التنجيز لا على مستوى دخول علم تفصيليّ في حساب أحد طرفيه، فيمكن أن يقال بأنّه في موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيّين كما في مثال الشكّ في أنّ الصلاة هل هي متشكّلة من تسعة أجزاء أو عشرة أجزاء قد تنجّز علينا الأقلّ بتنجيز عقليّ وبقي الجزء الزائد المحتمل مشكوكاً بالشكّ البدويّ، فعند ما تنجّز الأقلّ بقي تنجّز الأكثر صالحاً للبراءة بدون معارض.
وبهذا تنتهي المقدمة الثانية.
والآن يجب أن ندخل في صميم البحث مع صاحب الكفاية وتوضيح مراده بأنّه يستلزم التهافت والخلف ونكتفي بهذا المقدار.