« فهرست دروس
الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

46/10/22

بسم الله الرحمن الرحيم

 المانع الخاصّ الثاني عن جريان البراءة في المقام/ دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء /الأصول العملية

 

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء / المانع الخاصّ الثاني عن جريان البراءة في المقام

قلنا إنّ المورد الأوّل من الموانع الخاصّة عن جريان البراءة في موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر هو الذي يأتي في ما يجب إتمامه وهذا ما بحثناه وأكملناه، والمانع الثاني كان في خصوص العبادات وكان ذلك بتطبيق الفكرة التي طرحها صاحب العروة رضوان الله تعالى عليه في مسألة ما إذا قصد المكلّف في عبادة مثل الصلاة خصوصيّة خاصّة كالمسجديّة ولم يكن مسجداً في الواقع ففصّل صاحب العروة بين ما إذا كان قصده باشتباه في التطبيق وبين ما إذا كان بنحو التقييد في عمله، ففي الأوّل لا يبطل العمل وفي الثاني يكون عمله باطلاً.

1- المانع الخاصّ الثاني: وهو يختصّ بالعبادات، والجواب عنه

وبتطبيق هذا الذي ذكره صاحب العروة في تلك المسألة على ما نحن فيه يظهر علم إجماليّ يمنع عن جريان البراءة عن الجزء الزائد المحتمل، وهذا بحثناه في الدروس الماضية وبأن نعتبر جزئيّة السورة المحتملة من الخصوصيّات الزائدة كخصوصيّة المسجديّة فإذا قصد هذه الخصوصيّة نطبّق تلك الفكرة بأنّه إما يقصد ذلك بنحو اشتباه في التطبيق وتارة بنحو التقييد.

وأستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه يعلّق على هذا الكلام أخيراً ما لم نذكره في الدرس الماضي من أنّ الجواب عن ذلك يكون جوابا مبنائيّاً وبحثُه في الفقه، ونحن لا نؤمن من زاوية البحث الفقهيّ بأنّ الخصوصيّة التي يقصدها المكلّف تارة يكون على نحو الاشتباه في التطبيق وتارة يكون على نحو التقييد ولهذا نحن في غنى عن هذا البحث مبنائيّاً.

وبهذا ينتهي البحث عن المانع الثاني من الموانع الخاصة وهو في خصوص العبادات.

2- المانع الخاص الثالث: في فرض مبطليّة الزيادة بقصد الجزئيّة

والآن نأتي إلى الحالة الثالثة الخاصّة التي يقال فيها بعدم جريان البراءة بوجود المانع وهي في فرض مبطليّة الزيادة بقصد الجزئيّة، وهذا الفرض عبارة عمّا كان العمل الذي نشكّ فيه بين الزائد والناقص في دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر، فإذا كان عملاً وقصدتَ الجزئيّة في الجزء الزائد المحتمل لكان موجباً لبطلان ذلك العمل. وقد يقال إنّ الصلاة من هذا القبيل وإنّه إذا كنت شاكّاً في الأقلّ والأكثر مثل جزئيّة السورة مثلاً فعلى أيّ أساس تقصد الجزئيّة؟ فما دام أنّك شاكّ في جزئيّة السورة فلو قصد وأتى بالسورة بقصد الجزئيّة لكان عمله باطلاً.

ففي هذه الفرضية أيضاً يوجد مانع عن جريان البراءة عن الجزء الزائد، وهو عبارة عن جريان علم إجماليّ بين المتباينين، ولا بدّ من الاحتياط في طرفي هذا العلم الإجماليّ، وهذا العلم الإجماليّ يكون بأنّني أعلم إمّا بوجوب السورة وإمّا ببطلان الصلاة عند الإتيان بها بقصد الجزئية، هذان طرفان للعلم الإجماليّ وهما متباينان.

وهذا العلم الإجماليّ لا بدّ من الاحتياط في طرفيه ولا تجري البراءة لا في هذا الطرف ولا في ذاك، كما في كلّ علم إجماليّ نقول بتعارض البراءتين في طرفي العلم الإجماليّ ولا يمكن إجراء البراءة عن طرفيه معاً؛ لأنّه يؤدي إلى ضياع المعلوم بالإجمال أو بأيّ سبب آخر مبحوث في محله.

فلا تجري البراءة عن الطرف الأوّل الذي هو جزئيّة السورة وهذا يعني المانع عن جريان البراءة عن الجزء الزائد المحتمل.

2.1- الجواب عن هذا المانع

وأستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه يردّ هذا البيان بأنّ هذا العلم الإجماليّ منحلّ، وبعد انحلاله يمكن جريان البراءة في أحد طرفيه، فهو منحلّ بعلم تفصيليّ بالطرف الثاني، فتجري البراءة عن الطرف الأوّل.

كيف يوجد علم تفصيلي بالطرف الثاني؟ ألم يكن الطرف الثاني عبارة عن بطلان الصلاة عند الإتيان بها بقصد الجزئيّة؟ يقول هذه الصلاة ستبطل حتماً بالعلم التفصيليّ عند الاتيان بها بقصد الجزئيّة؛ لأنّه هذا تشريع على الأقلّ.

فإنّ التشريع كما تعلمون ليس دائماً عند العلم بمخالفته للشريعة، فلو أنّ الإنسان قال تشريعاً: شرب التتن حرام، فهذا تشريعٌ حرامٌ سواء علم بعدم حرمته أو شكّ في ذلك، ففي حال الشكّ أيضاً يكون تشريعاً فلو شكّ أن شربه حرام أو حلال ومع ذلك نسب إلى الله تبارك وتعالى أنّ شرب التتن حرام شرعاً فهذا تشريع أيضاً؛ لأنّه لا يختصّ بحالة العلم بأنّ ما ينسبه إلى الله ليس من الله.

إذاً فالطرف الثاني في ما نحن فيه لهذا العلم الإجماليّ مقطوع به بالعلم التفصيليّ ولو على أساس حرمة التشريع، وإذا كان كذلك فالطرف الأوّل – وهو أنّ السورة واجبة – يكون مشكوكاً بالشكّ البدويّ بعد انحلال هذا العلم الإجماليّ بالعلم التفصيلي، وبالتالي تجري البراءة عن وجوب السورة. هذا هو الجواب الذي يذكره أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه عن وجود المانع عن البراءة في هذا الفرض الثالث، وهو فرض مبطليّة الزيادة بقصد الجزئيّة.

وبهذا ينتهي البحث عن الأقلّ والأكثر في الأجزاء، وبعد هذا يكون حوار مع صاحب الكفاية في عدّة أمور فيه أبحاث بعض الأبحاث المهمّة.

 

logo