46/10/20
المانع الخاصّ الأوّل عن جريان البراءة في المقام/ دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء /الأصول العملية
محتويات
1- المانع الخاصّ الأوّل: وهو يختصّ بما إذا وجب إتمام الواجب1.1- الجواب الثاني
1.2- الرد على الجواب الثاني

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء / المانع الخاصّ الأوّل عن جريان البراءة في المقام
قلنا إنّ الموانع عن جريان البراءة عن الجزء الزائد في موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء على قسمين: القسم الأول الموانع العامّة التي تجري في كلّ الموارد والحالات، والقسم الثاني الموانع التي تجري في حالات خاصّة. وانتهينا من القسم الأول وبدأنا بالقسم الثاني وهو البحث عن الموانع التي قد تّدعى في موارد خاصة.
1- المانع الخاصّ الأوّل: وهو يختصّ بما إذا وجب إتمام الواجب
المورد الأوّل من الموارد التي قد يدّعى فيها وجود مانع عن جريان البراءة هو ما إذا كان الفعل المردّد بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء واجب الإتمام مثل الصلاة، ففي مثلها يقال بوجود مانع خاصّ لكونه يجب إتمامه وهو أنّه بعد أن يصل المكلّف إلى الركوع بدون أن يقرأ السورة يحصل عنده علم إجماليّ جديد بأنّه إمّا يجب إتمام هذه الصلاة على ما هي عليها من دون السورة، وإمّا يجب عليه استئناف صلاة جديدة مع السورة، وهذا العلم الإجماليّ يجب الاحتياط في طرفيه وبالتالي لا تجري البراءة؛ لأنّ أحد طرفيه هو أن يستأنف صلاة جديدة مع السورة.
والمحقّق العراقيّ رضوان الله تعالى عليه حاول الإجابة عن ذلك بجوابين: الجواب الأوّل أكملناه مع الردّ عليه.
1.1- الجواب الثاني
والجواب الثاني للمحقّق العراقيّ – الذي كان يبتني على مبناه في ما يقوله من أنّ المنجّز لا ينجّز مرّة ثانية – فهو أنّه كان عنده منجّز لإتمام هذه الصلاة قبل أن يصل إلى الركوع وإن كان لا يعرف بأنّه هل يجب إتمامها مع السورة أو بدونها، فكان يجب عليه إتمام هذه الصلاة إجمالاً، وبعد أن وصل إلى الركوع لا يمكن أن ينجّز هذا العلم الإجماليّ الجديد الذي يحصل له؛ لأنّه يصطدم بفكرة أنّ المنجّز لا ينجّز، فكان من المنجّز عليه قبل هذه المرحلة أن يتمّ الصلاة بشكلين؛ لأنّه لا يدري واجبه الواقعيّ هل هو مع السورة أو بدونها؟ فهذا التنجيز كان موجوداً قبل الوصول إلى الركوع وبعد أن يصل إلى الركوع لو قلنا بأنّ هذا العلم الإجماليّ الجديد يكون منجّزاً يصير تنجيزاً بعد التنجيز وهذا غير مقبول حسب مباني المحقّق العراقيّ رضوان الله تعالى عليه.
1.2- الرد على الجواب الثاني
وهذا الجواب الثاني أستاذنا الشهيد يحاول الردّ عليه وذكرناه في الدرس الماضي ولكن لم يتّضح بشكل كامل والآن نعيده فنقول: ردّ أستاذنا الشهيد على هذا الجواب الثاني هو أنّ هذا العلم الإجماليّ الثاني بحسب مباني نفس المحقّق العراقيّ رضوان الله تعالى عليه يؤثّر ويمنع عن جريان البراءة؛ لأنّ المحقّق العراقيّ يفصّل – وإن كنّا لا ندري سبب التفصيل ولا بدّ أن يكون مبحوثا في محلّه - بين أن يكون المنجّز السابق زماناً علماً تفصيّلياً أو علماً إجماليّاً، فإن كان علماً تفصيليّاً فيقول بأنّ المنجّز لا ينجّز ولكن إذا كان المنجّز السابق زماناً علماً إجماليّاً والمنجّز المتأخّر زماناً أيضاً علماً إجماليّاً فهنا لا يقول بفكرة أنّ المنجّز لا ينجّز، وذلك لأنّ العلم الإجماليّ السابق يندمج بشكل من الأشكال مع العلم الإجماليّ الجديد.
توضيح ذلك فيما نحن فيه أنّ هذا العلم الإجماليّ السابق زماناً قد سقط أحد طرفيه بالمخالفة، ولكن تنجيز هذا العلم الإجماليّ الجديد يبقى، فبالإمكان تشبيه ما نحن فيه بالعلم الإجماليّ بأنّ أحد الإناءين الموجودين أمام المكلّف خمر، فلو أنّ المكلّف شرب أحدهما حصلت المخالفة لأحد الطرفين. وهنا يوجد كلام في أنّ المخالفة للتكليف هل يسقط فعليّة الحكم أم فاعليّة الحكم؟ وأستاذنا الشهيد يؤمن بأنّه يسقط فاعليّة الحكم وليس فعليّته، ولكن سواء قلنا بأيّ منها سقطت هذا الحكم [أي حرمة شرب الإناء الأوّل] بالمخالفة، فهل تجري البراءة في الطرف الآخر؟
لا؛ لأنّ هذا الطرف الآخر قد تنجّز بطرفيّته لهذا العلم الإجماليّ ولا مشكل فيه، ولكنّه يبقى الطرف الآخر منجّزاً لا تجري البراءة عنه، فلا يجوز له أن يشرب الإناء الآخر، ويقول ما نحن فيه من هذا القبيل، ففي ما نحن فيه وإن صحّ أنّه كان يعلم إجمالاً قبل أن يركع بأنّه إمّا هذه الصلاة التي بدأ بها يجب عليه إتمامها بدون سورة أو أن يستأنفها بصلاة جديدة مع السورة، فهذا كان يوجب التنجيز عليه؛ لأنّه بين الأقلّ والأكثر، فالأقلّ يكون واجباً والأكثر تجري البراءة عنه بحسب القواعد، ولكن عندما ركع تدخل في الحساب أنّه لا يحقّ له أن يرجع مرّة أخرى ولا بدّ أن يحتاط؛ لأنّه يوجد علم إجماليّ جديد بأنّه إمّا يجب إتمام نفس ما بدأ به وإن كان بدون سورة على فرض أنّ السورة غير واجب، أو يجب عليه أن يستأنف صلاة جديدة ولا يمكنه أن يصحّح نفس هذه الصلاة بقراءة سورة؛ لأنّه وصل إلى الركوع ولا يمكنه الرجوع؛ لأنّه وصل إلى الركن فيجب عليه الاستئناف، فهذا علم إجماليّ جديد، لكن في مقابله علم إجماليّ سابق وليس علماً تفصيليّاً، وفي هذه الموارد لا يقول المحقّق العراقيّ بأنّ المنجّز لا ينجّز حسب مبانيه، وإنّما هذا العلم الإجماليّ السابق يندكّ مع العلم الإجماليّ الجديد؛ لأنّه قلنا يوجد طرف مشترك بين هذين العلمين الإجماليّين، وهذا الطرف المشترك يتنجّز بكلا العلمين الإجماليّين دفعة واحدة، فالعلم الإجماليّ السابق بوجوده البقائي والعلم الإجماليّ الثاني بوجوده الحدوثي يندكّان وينجّزان في عرضٍ واحد وفي زمانٍ واحد، فيستمرّ ذاك الطرف المشترك الذي وضّحناه في الدروس الماضية ويبقى منجّزاً بهذا العلم الإجماليّ السابق إلى حين حصول العلم الإجماليّ الجديد، وعندما حصل العلم الإجماليّ الجديد يندكّ ذاك المنجّز السابق مع هذا المنجّز الجديد ويصيران في عرضٍ واحد وفي زمانٍ واحد، ولا يبقى بعدُ منجّز جديد بعد منجّز سابق حتّى تأتي فكرة أنّ المنجّز لا ينجّز.
فلا تجري هذه القاعدة وهذا العلم الإجماليّ الجديد يعمل عمله ولا يسقط بفكرة أن المنجّز لا ينجّز كما ادّعاه المحقّق العراقيّ في بحثنا هذا، وإنّما هذا العلم الإجماليّ الجديد مع العلم الإجماليّ الأول يندكّان وينجّزان ذاك الطرف المشترك وهو استئناف صلاة جديدة مع السورة. فهذا الطرف المشترك يبقى منجّزاً بمنجّزين في عرض واحد مندكّين أحدهما في الآخر، وبالتالي هذا العلم الإجماليّ الجديد يعمل عمله ويمنع عن جريان البراءة.
هذا ردّ أستاذنا الشهيد على جواب الثاني للمحقّق العراقيّ، ولكن يشير بالأخير إلى أنّ هذه تتمّ على مباني المحقّق العراقيّ الذي يقول بأنّ العلم الإجماليّ علّة تامّة للتنجيز، بينما نحن لا نقول به بل نقول إذا تنجّز أحد طرفين العلم الإجماليّ تجري البراءة في الطرف الآخر [بلا معارض]، وبهذا ينتهي ردّ أستاذنا الشهيد على المحقّق العراقيّ رضوان الله تعالى عليهما وعلى جميع علمائنا الماضين.