« فهرست دروس
الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

46/10/17

بسم الله الرحمن الرحيم

 المانع الخاصّ الأوّل عن جريان البراءة في المقام/ دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء /الأصول العملية

 

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء / المانع الخاصّ الأوّل عن جريان البراءة في المقام

1- المانع الخاصّ الأوّل: وهو يختصّ بما إذا وجب إتمام الواجب

في خصوص الأعمال التي لا يجوز قطعها وعبّرنا عنها بـ«فيما يجب إتمامه» كالصلاة، قلنا بأنّه قد يقال بوجود مانع عن جريان البراءة عن الجزء الزائد المحتمل. وكان بيان ذلك بأنّه عندما يبدأ المكلّف بالصلاة ولم يقرأ السورة حتّى بلغ الركوع يحصل عنده علم إجماليّ بأنّه إمّا يجب عليه الاستمرار والإتمام على ما هو عليه بدون السورة أو استئناف صلاة جديدة مع السورة. وهذا العلم الإجماليّ حجّة يعني أنّ المكلّف لا يجوز له الاكتفاء بهذه الصلاة التي أتى بها بلا سورة وهذا يعني أنّه لا تجري البراءة عن الجزء الزائد.

فهذا العلم الإجماليّ هو الذي يمنع عن جريان البراءة وهو الذي يحصل له بعد وصوله إلى الركوع.

وقد أجاب المحقّق العراقيّ رضوان الله تعالى عليه عن هذا البيان بجوابين، كان الكلام في الجواب الثاني ودرسناه، وبقي الإيراد عليه من قبل أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه.

1.1- الجواب الثاني

الجواب الثاني الذي ذكره المحقّق العراقي رضوان الله تعالى عليه كان عبارة عن أنّ هذا العلم الإجماليّ لا يصلح للتنجيز؛ لأنّه يوجد منجّز سابق عليه، والمنجّز لا ينجّز مرّة ثانية، فإنّه يوجد طرف مشترك بين هذا العلم الإجماليّ الذي يحصل بعد البلوغ إلى الركوع وبين العلم الإجماليّ الذي له قبل الوصول إلى الركوع، وهذا الطرف المشترك لا يمكن أن ينجّز بمنجّزين في رأي المحقّق العراقيّ؛ لأنّ المنجّز لا ينجّز. فهذا العلم الإجماليّ لا قيمة له وبالتالي يرتفع المانع عن جريان البراءة.

1.1.1- الردّ على الجواب الثاني

وأستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه يورد على هذا الجواب الثاني ويبدو أنّ حاصل إيراده هو أنّ تطبيق فكرة «المنجّز لا ينجّز» في ما نحن فيه ينتهي في الحقيقة إلى الانحلال الحكميّ لهذا العلم الإجماليّ؛ لأنّه إذا كان أحد طرفي هذا العلم الإجماليّ منجّزاً الآن بمنجّز سابق – لأنّه مشترك في أحد الطرفين – ينحلّ هذا العلم الإجماليّ الحاصل بعد بلوغ المكلّف للركوع وهذا الانحلال ليس انحلالاً حقيقيّاً بل انحلالاً حكميّاً. فلنتأمل في مباني المحقّق العراقيّ في حصول الانحلال الحكميّ، فالمحقّق العراقي رضوان الله تعالى عليه يبدو أنّه لا يؤمن بالانحلال الحكميّ إلّا بطريقة «المنجّز لا ينجز» ويقول: متى ما كان هناك انحلال حكميّ فإنّما يحصل هذا الانحلال الحكميّ بسبب أنّ المنجّز لا ينجّز، فلا بدّ أن يكون هذا العلم الإجماليّ منجّزاً من قبلُ حتّى يمكن التمسّك بـ«ـأنّ المنجّز لا ينجّز» ويحصل الانحلال، فالانحلال الحكميّ يحصل دائماً على أساس أن المنجّز لا ينجّز.

أستاذنا الشهيد يقول هنا بأنّه لا بدّ من التفريق بين تنجّز ذلك قبل الوصول إلى الركوع بعلم تفصيليّ أو بعلم إجماليّ سابق، فإن كان بعلم تفصيليّ صحّ ما يقوله المحقّق العراقيّ على مبناه من أنّ هذا منجّز ثان والمنجّز لا ينجّز، أمّا إذا كان التنجيز الموجود سابقاً بعلم إجماليّ – كما صار المحقّق العراقيّ على ذلك في المقام – لا يتمّ الانحلال الحكميّ على مباني المحقّق العراقي نفسه؛ لأنّه إذا كان بعلمٍ إجماليّ سابق وهذا علم إجماليّ جديد لا تأتي عنده قاعدة أن المنجّز لا ينجز وإنّما العلمان الإجماليّين أحدهما يريد أن ينجّز بوجوده البقائي والآخر بوجوده الحدوثيّ يريد أن ينجّز فالعلم الإجماليّ السابق بوجوده البقائي لا قبل حصول الركوع يبقى مستمرّاً إلى حين يبلغ الركوع، وعندئذ يأتي العلم الإجماليّ الثاني فعند وجوده الحدوثيّ لهذا العلم الإجماليّ الثاني يجتمع التنجيزان، فهنا ليس من مورد قاعدة «أنّ المنجّز لا ينجّز». بخلاف ما إذا كان المنجّز السابق علماً تفصيليّاً فهذا العلم التفصيلي لم يبق إلى حين مجيء هذا العلم الإجماليّ وإنّما العلم التفصيلي يزول وبعد بلوغه إلى الركوع لا يبقى عنده علم تفصيليّ بوجوب البقاء وحرمة الترك وإنّما هذا العلم التفصيلي ينقلب إلى علم إجماليّ جديد، وبأنّه إمّا يستمرّ بدون سورة أو يستأنف صلاة مع السورة فإذا كان المنجّز السابق علماً تفصيليّاً لا ينتهي إلى أنّ المنجّز لا ينجّز.

وبالتالي يقول: إذا كان علمه السابق علماً تفصيليّاً يختلف حاله عمّا إذا كان علماً إجماليّاً، فإذا كان علمه السابق تفصيليّاً ينتهي إلى أن المنجّز لا ينجّز، وبالتالي هذا العلم الإجماليّ الجديد ينحلّ انحلالاً حكميّاً، وأمّا إذا كان علماً إجماليّاً فالمفروض ألّا ينتهي إلى ما انتهى إليه المحقّق العراقي من قوله أنّه يصطدم بأنّ المنجّز لا ينجّز. إذاً فما انتهى إليه المحقّق العراقيّ من أنّه بما أنّ أحد طرفي هذا العلم الإجماليّ منجّز سابقاً بعلم إجماليّ آخر هذا الكلام غير صحيح وغير تامّ وإنّما يتمّ في ما إذا كان علمه السابق تفصيليّاً، أمّا إذا كان علمه السابق إجماليّاً فلا يصحّ، وإنّما تصحّ قاعدة أخرى وهي قاعدة أن المنجّز السابق ببقائه ينجز والمنجّز الثاني بحدوثه ينجّز وهذا لا يعني اجتماع منجّزين طوليّين أحدهما بعد الآخر حتّى يقول بأنّ المنجّز لا ينجّز.

 

logo