« فهرست دروس
الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

46/10/13

بسم الله الرحمن الرحيم

 المانع الخاصّ الأوّل عن جريان البراءة في المقام/ دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء /الأصول العملية

 

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء / المانع الخاصّ الأوّل عن جريان البراءة في المقام

1- خلاصة البحث السابق في الموانع العامّة عن جريان البراءة في المقام

كان بحثنا في دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء وكنّا نبحث عن الموانع عن جريان البراءة عن الجزء الزائد المحتمل. كانت هناك موانع ذكرت عن جريان البراءة وهذه الموانع على شكلين: موانع عامّة وموانع خاصّة ببعض الحالات.

الموانع العامّة أكملناها مع الردّ عليها، والآن لا بدّ أن نتحول إلى بيان الموانع الخاصة عن جريان البراءة عن الجزء الزائد المحتمل عند دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر، فهناك مواضع أو حالات خاصّة ذكرت أنّ البراءة هل يمكن جريانها أو لا؟

أوّل حالة من حالات التي يبحث فيها عن وجود مانع خاصّ هي حالة «ما إذا يجب إتمام ذاك الواجب ولا يجوز قطعه بلا سبب»، مثل الصلاة، فيوجد فيها ما قد يعتبر مانعاً عن جريان البراءة في هذه الحالة.

2- المانع الخاصّ الأوّل: وهو يختصّ بما إذا وجب إتمام الواجب

المانع الأول هو ما ذكره المحقّق العراقي رضوان الله تعالى عليه، فذكر بياناً لتوضيح ما قد يقال من عدم جريان البراءة عن الجزء المحتمل في خصوص حالة العبادات التي يجب إتمامها. وأستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه ذكر بيان المحقق العراقي بتغيير يسير في صيغة العبارة وذكر السبب في هذا التغيير اليسير، ونحن نذكر الصيغة التي جاءت على لسان أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه ولا يوجد داعٍ أن نذكر الصياغتين؛ لأنّ التفاوت بينهما يسير.

هذه الصياغة التي تبنّاها أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه هي أنّه في الحالات التي يجب إتمام العمل كالصلاة، إذا شككنا فيه بين الأقلّ والأكثر حصل لنا علم إجماليّ يستدعي الاحتياط في طرفي هذا العلم الإجماليّ، والعلم الإجماليّ الذي قد يحصل هو أنّه لو أتى بالصلاة بدون هذا الجزء المحتمل الوجوب حتّى ركع – ولا يمكنه الاستئناف لأنّه وصل إلى ركن وإذا وصل إلى ركن بعد لا يمكنه أن يرجع ويؤدّي مع السورة – فإذا لم يأتي بالسورة يحصل له علم إجماليّ بأنّه:

إمّا يجب إتمام الصلاة على ما هو عليه بدون سورة، وهذا الطرف من العلم الإجمالي صادق فيما إذا كانت السورة غير واجبة فلا بدّ من إكمال الصلاة على ما هو عليه بدون سورة إذا كانت السورة غير واجبة.

وإمّا يجب أن يستأنف الصلاة بالإتيان بها مع السورة، وهذا هو الطرف الثاني من العلم الإجمالي.

فإذا لم يأت بالسورة حتى ركع يحصل عند ذلك علم إجماليّ إمّا بأنّ الصلاة صحيحة فيجب عليه إكمالها ولا يجوز قطعها أو يجب عليها أن يستأنف صلاةً جديدة إن كانت باطلة؛ لأنّها صارت بلا سورة وكانت السورة جزءاً في الحقيقة فيجب عليه أن يستأنف صلاةً جديدة مع السورة، هذا علم إجماليّ بين هذين الموقفين.

وهذا العلم الإجمالي يستدعي الاحتياط بين طرفيه ككلّ علم إجماليّ عاديّ، فلابدّ من الاحتياط في الطرفين. والاحتياط في هذين الطرفين يستدعي أن يصلّي شكلين، فإنّه إذا أراد أن يعمل بطرفي هذا العلم الإجمالي كان عليه إكمال هذه الصلاة التي صلّاها بدون سورة، وكذلك أن يصلّي شكلاً آخر مع سورة حتّى يكون قد عمل بطرفي هذا العلم الإجمالي.

وهذا يعني أنّه لا يمكن إجراء البراءة؛ لأنّ هذه البراءة تصطدم بهذا العلم الإجماليّ ولو أجرى البراءة عن السورة يعني أنّه لا يعمل بهذا العلم الإجماليّ يعني لا يحتاط بهذا العلم الإجمالي، إذاً فلأجل الاحتياط في طرفي هذا العلم الإجمالي يضطرّ أن لا يجري البراءة فهذا هو المانع عن جريان البراءة عن الجزء المحتمل.

هذا هو المانع الخاصّ بموارد حالة كون العمل يجب إتمامه، وكلّ عمل يجب إتمامه يبتلى بهذا العلم الإجماليّ وهذا العلم الإجمالي يمنع عن جريان البراءة.

هذا هو المانع الخاصّ الأوّل خاصاً بهذه الحالة ولكن هذا المانع الخاص إنّما يتمّ (لو تمّ) في ما إذا لم يكن المورد من موارد جريان حديث «لا تعاد الصلاة إلّا في خمس» فأنتم تعرفون أنّه عندنا حديث مطلق في كثير من الحالات يتمسّكون به وهو حديث «لا تعاد الصلاة إلّا في خمس: الطهارة وكذا وكذا» خمسة أمور تعدّ في هذا الحديث لو أنّ الإنسان خالف تبطل صلاته في هذه الخمس موارد، أمّا في غيرها لو خالف الحكم الشرعيّ نسيانا أو سهواً أو ما شابه لا يجب عليه الإعادة ولهذا لو أخلّ في أذكار الصلاة نسياناً أو سهواً أو في التشهد لا يجب إعادة الصلاة؛ تمسكاً بهذا الحديث. وفي ما نحن فيه إذا لم يكن المورد من هذه الموارد جرى ما ذكرنا من العلم الإجماليّ المانع عن جريان البراءة ولكن إذا كان المورد من الموارد التي يجري فيها هذا الحديث فأحد طرفي هذا العلم الإجماليّ لا يجب فيها الإعادة، وهو الطرف الثاني الذي قلنا بأنّه يستأنف صلاة مع السورة فهذا الطرف ينتهي؛ لأنّه لا تعاد الصلاة إلا في خمس وهذا ليس من الخمسة التي يجب فيها الإعادة وعليه فأحد طرفي هذا العلم الإجمالي زال وإذا زال يزول العلم الإجماليّ وينتهي.

وعليه فما بيّنّاه من العلم الإجمالي الذي يستدعي عدم جريان البراءة إنّما يتمّ فيما إذا لم يكن المورد من موارد «لا تعاد الصلاة إلّا في خمس» أمّا إذا كان المورد من موارده فهذا العلم الإجماليّ يزول وينهار وبالتالي يرتفع المانع عن جريان البراءة.

وعليه فهذا الوجه الأوّل من وجوه المانع عن جريان البراءة يختصّ بما إذا لم يكن المورد من موارد «لا تعاد الصلاة إلّا في خمس».

هذا هو بيان هذا المانع الأوّل من الموانع الخاصّة، فهو خاصّة بالحالة التي يجب إتمام العمل. وهذا ما بيّنه المحقّق العراقيّ رضوان الله تعالى عليه باختلاف يسير بين صيغته التي جاءت في مصادره وبين ما ذكره أستاذنا الشهيد في بحثه. وطبعاً أستاذنا الشهيد في مباحث الأصول ذكر صياغة المحقّق العراقي مع اختلاف اليسير.

وأما الجواب عن ذلك فعند المحقّق العراقيّ ردّان يأتيان في الدروس القادمة إن شاء الله.

logo