« فهرست دروس
الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

46/06/22

بسم الله الرحمن الرحيم

 المانع الثالث عن جريان البراءة في المقام وهو العلم بالغرض/ دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء /الأصول العملية

 

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء / المانع الثالث عن جريان البراءة في المقام وهو العلم بالغرض

1- المانع الثالث عن جريان البراءة في المقام وهو العلم بالغرض

قلنا: إن الفرضيّات الخمس والأربع التي مضت كلّها تنتهي إلى احتمال كون الغرض غرضاً مركّباً مردّداً بين الأقلّ والأكثر وفي مقابل ذلك احتمال أن يكون الغرض غرضاً وحدانيّاً بسيطاً غير مردّد بين الأقلّ والأكثر. والاحتمال الأوّل كان يؤدّي إلى إمكان جريان البراءة عن الجزء الزائد والاحتمال الثاني يؤدّي إلى عدم إمكان جريانها عن الجزء الزائد؛ لأنّ الشكّ يتحوّل إلى الشكّ في المحصّل والشكّ في المحصّل ليس مجرى للبراءة بل هو مجرى للاشتغال.

إذاً قد يقول القائل: هذا الاحتمال - احتمال كون الغرض غرضاً مركباً مردّداً بين الأقلّ والأكثر - لا يكفي لجريان البراءة ما دام يوجد الاحتمال الثاني، بل لا بدّ من أن يتعيّن كون هذا الغرض غرضاً مركّباً مردّداً بين الأقلّ والأكثر، لا بدّ وأن نتوصّل إلى اليقين بذلك وليس مجرّد احتمال.

هذا كان الإشكال الذي طرحناه سابقا. وكان الجواب على ذلك: أنّنا يمكن أن نحوّل جريان البراءة إلى نفس الغرض قبل أن نأتي إلى جريان البراءة عن الجزء الزائد، ففي مرحلة سابقة على ذلك يمكن أن نجري البراءة عن كون الغرض على طبق الاحتمال الثاني، فيتعيّن كون الغرض على طبق الاحتمال الأوّل.

وبيان ذلك كان عبارة عن أنّ نفس الغرض مردّد بين نحوين: مردّد بين أن يكون هذا الغرض غرضاً مركباً مردّداً بين الأقلّ والأكثر - وهذا ما طرحناه على شكل احتمال في نتيجة الفرضيّات الخمس أو الأربع - أو أن يكون الغرض غرضاً وحدانيّاً بسيطاً، وهذا الاحتمال الثاني في الغرض يمكن أن نجري عنه البراءة حتى يظلّ الاحتمال الأول متعيّناً؛ لأن الاحتمال الثاني ينفى بالبراءة عن الغرض لا بالبراءة عن الجزء العاشر بل بالبراءة عن نفس هذا النوع من الغرض. فنجري البراءة عن هذا النوع الثاني من الغرض والنوع الأوّل من الغرض يبقى متعيّناً.

فصحيح أنّنا كنا نقول نتوصل إلى احتمال كون الغرض من نحو الأوّل ولكن هذا الاحتمال متعيّن بدفع النحو الثاني بالبراءة. والنحو الأول من الغرض ينتهي إلى إمكان إجراء البراءة عن الجزء العاشر فيصبح النتائج الحاصلة بالفرضيات الخمسة والأربعة منتجة ومفيدة وذلك لأنّه وإن عبرنا عن نتائج تلك الفرضيات الخمسة أو الأربعة باحتمال أن يكون الغرض مركّباً مردّداً بين الأقلّ والأكثر ولكن هذا الاحتمال متعيّن فيزول الإشكال القائل بأنّه ما لم يتعيّن هذا الاحتمال لا يمكن إجراء البراءة عن الجزء العاشر.

1.1- ردٌّ على الجواب المذكور في الإشكال السابق

والآن إشكال في طول الجواب عن الإشكال الأول لا إشكالان في عرض واحد، وهو إشكال على الجواب الذي أجبنا عنه عن الإشكال الأوّل وليس إشكالاً ثانياً في عرض الإشكال الأول إشكالاً ثانياً على ما توصّلنا إليه من الفرضيات الخمسة أو الأربعة.

هذا «إن قلت» يقول: كيف نجري البراءة عن الاحتمال الثاني من الغرض؟

يقول بأنه حتّى النحو الثاني من الغرض (كون الغرض بسيطاً متعيّناً في غرض بسيط وحدانيّ) لا تجري البراءة عنه، بل هو هذا الغرض المحتمل بكونه غرضاً وحدانيّاً بسيطاً على نحوين، أحد النحوين تجري البراءة لا أنّ هذا النحو الثاني من الغرض بتمامه تجري عنها البراءة.

بل أنّ هذا الغرض بالنحو الثاني - يعني بنحو أن يكون غرضاً وحدانيّاً بسيطاً - هذا في الحقيقة يمكن أن نطرحه على شكلين: الغرض الوحدانيّ البسيط إمّا أن يكون في تسعة أجزاء أو يكون في عشرة أجزاء. أيّ منهما يكون فيه مؤونة زائدة؟

أن يكون هذا الغرض في عشرة أجزاء، إذاً هذا الغرض فيه مؤونة زائدة فنتحوّل إلى البراءة عن الجزء العاشر، لا، البراءة عن نفس هذا النحو الثاني من الغرض، لكن يقول: هذا النحو الثاني من الغرض إمّا يكون في تسعة أجزاء أو يكون في عشرة أجزاء، إن كان هذا الغرض في عشرة أجزاء ففيه مؤونة زائدة وإن كان في تسعة أجزاء فخالٍ عنها، إذاً نجري البراءة عن هذا النحو الثاني من الغرض بنحوه الأوّل لا بنحوه الثاني، يعني نجري البراءة عن الغرض الوحدانيّ البسيط فيما إذا كان احتمال كونه غرضاً وحدانيّاً بسيطاً في عشرة أجزاء ولا نجري البراءة عن الغرض الوحدانيّ البسيط باحتمال كونه في تسعة أجزاء.

يعني بالنتيجة لا يتحوّل الشكّ في الغرض إلى الشكّ في المحصّل حتّى نقول بأنّ الشكّ فيه مجرى للاشتغال وليس مجرى للبراءة، بل نقول بأنّ هذا الغرض على فرض أن يكون غرضاً وحدانيّاً بسيطاً فهو على نحوين أحد نحويه تجري فيه البراءة والنحو الثاني يتعيّن.

والنتيجة أنه ليس من الصحيح أن نجري البراءة عن الغرض البسيط حتّى يتمّ الردّ على الإشكال السابق، هذا مراد صاحب الإشكال.

1.1.1- الجواب عن الردّ

والجواب عنه - بحسب ما جاء في التقرير - هو أنّ الغرض إذا دار أمره بين سنخين من الغرض لا يمكن أن نجري البراءة عن أحد السنخين ونعيّن السنخ الآخر. نعم، إذا كان الغرض من سنخ واحد وهذا السنخ الواحد مردّد بين نحوين كما قاله صاحب الإشكال، فهو صوّر لنا أنّ هذا الغرض كأنّه من سنخ واحد وهو الغرض البسيط في كون هذا الغرض غرضاً بسيطاً ولكنّه على نحوين إمّا غرض وحداني بسيط في تسعة أجزاء أو غرض وحدانيّ بسيط في عشرة أجزاء، فأجرى البراءة عن أحد النحوين ولكن نحن نقول له بأنه أساساً هنا عندنا غرضان من سنخين متفاوتين أساساً وهما الغرض المركب المردّد بين الأقلّ والأكثر والغرض الوحدانيّ البسيط وهذان الغرضان ما داماً هما من سنخين أساسيّين مختلفين يمكن أن نجرى البراءة عن الثاني ونعيّن الأول، وعليه فلا تصل النوبة إلى تحليل القسم الثاني إلى نحوين الذي صنعه صاحب الإشكال، فهو حوّل النحو الثاني من الغرض إلى نحوين فقال بأنه نجرى البراءة عن أحد النحوين ونعين الأمر في النحو الآخر نحن نقول: أصلاً لا تصل النوبة إلى أن تأخذ النحو الثاني من الغرض وتحوله إلى نحوين بل هذا الغرض قبل أن تلاحظه في نحوين ساقط، هذا الغرض في مقابل الغرض الأساسي الآخر. هما غرضان كلاهما أساسيان من سنخين مختلفين أساساً وهما الغرض المركب المردّد بين الأقلّ والأكثر والغرض البسيط الوحدانيّ البسيط الذي هو غير مركب غير مردّد بين الأقلّ والأكثر والثاني أسقطناه بالبراءة وإذا أسقطناه بالبراءة بعد لا تصل النوبة إلى أن تحليله إلى نحوين.

بل إنّ الغرض الوحدانيّ البسيط بكلا نحويه اللذين أنت ذكرتهما صاحبُ الإشكال بكلا نحويه ساقطٌ من الأساس.

هذا هو الردّ على «إن قلت»، وبهذا ننتهي عن الوجه الأوّل، من البداية أستاذنا الشهيد أوعد ذكرى وجهين للجواب عن إشكال تحوّل الشكّ إلى الشكّ في المحصّل، هذا الوجه الأوّل قد انتهى وبعد ذلك سندرس الوجه الثاني إن شاء الله.

logo