46/06/16
المانع الثالث عن جريان البراءة في المقام وهو العلم بالغرض/ دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء /الأصول العملية
محتويات
1- المانع الثالث عن جريان البراءة في المقام وهو العلم بالغرض1.1- الفرضيّة الخامسة
1.2- جريان البراءة في الجزء الزائد المحتمل من الغرض
1.2.1- جريان البراءة العقليّة في الأغراض
1.2.2- جريان البراءة الشرعيّة في الأغراض
الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء / المانع الثالث عن جريان البراءة في المقام وهو العلم بالغرض
1- المانع الثالث عن جريان البراءة في المقام وهو العلم بالغرض
كان الكلام في المانع الثالث من الموانع التي قد تطرح عن جريان البراءة في حالات الشكّ بين الأقلّ والأكثر الارتباطيّة وهو العلم بالغرض الذي يؤدّي إلى تحوّل الشكّ إلى الشكّ في المحصّل وهو ليس مجرى للبراءة بل الاشتغال.
وكان الجواب عن ذلك احتمال أن يكون الغرض أيضاً مردّداً بين الأقلّ والأكثر، فكما أنّ الفعل الواجب مردّد بينهما – وهو حسب المثال مردّد بين تسعة أجزاء وعشرة – فكذلك الغرض من المحتمل أن يكون مردّداً بين الأقلّ والأكثر، وسيأتي الكلام حول أنّه هل يكفينا احتمال ذلك أو لا بدّ من تأكّده.
1.1- الفرضيّة الخامسة
وهذا الاحتمال فيه خمس فرضيّات انتهينا من أربع منها، والآن نبيّن الفرضيّة الخامسة وهي أن تكون أجزاء الأفعال – التسعة أو العشرة – لكلّ منها أثر مترتّب عليه ومجموع هذه الآثار هي الغرض، وهذا لا ينافي كون الواجب واجباً ارتباطيّاً، وذلك لأنّ الواجب الارتباطيّ يكون الغرض منه مترتّباً على المجموع بما هو مجموع، أمّا الواجبات الاستقلاليّة – مثل الشكّ في عدد أيّام قضاء شهر رمضان – فالغرض ليس بمجموعها بل لكلّ واحد غرضٌ مستقلّ.
وهذا معقول ويمثّل أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه بما يقال من أنّ الإنسان بحاجة إلى مجموعة صفات بعضها مع بعض يوجب الكمال للإنسان، فيوجد صفات تؤدّي إلى الحالة الهجوميّة وصفات إلى العكس فيجب اجتماعهما حتّى يؤدّيان إلى الكمال لأنّ أحدهما إذا ظلّ وحده يتحوّل إلى التهوّر والآخر إلى ضعف الإقدام. فيقول لعلّ الآثار التي مترتّبة على هذه الأجزاء التسعة أو العشرة من هذا القبيل فبمجموعها تكون مطلوبة.
1.2- جريان البراءة في الجزء الزائد المحتمل من الغرض
وهذه الفرضيّة تؤدّي أيضاً إلى إمكان جريان البراءة في الغرض؛ لأنّه مردّد بين الأقلّ والأكثر ليس من باب الشكّ في المحصّل.
فإلى هنا حصلنا على خمسة وجوه أو أربعة – بحذف الفرضيّة الأولى التي كانت فيها نقطة ضعف – كلّها يؤدّي إلى إمكان إجراء البراءة وعدم تحوّل الشكّ إلى الشكّ في المحصّل.
1.2.1- جريان البراءة العقليّة في الأغراض
إذاً فالبراءة تجري في كلّها، العقليّة منها عند القائلين بها – وهم المشهور خلافاً لأستاذنا الشهيد – والشرعيّة. أمّا العقليّة فهي سهلة عند قائليه؛ لأنّه ما دام لم يتحوّل الشكّ إلى الشكّ في المحصّل حتّى يكون مجرى للاشتغال فتجري البراءة عن الأمر الزائد المحتمل؛ لأنّ هذا الأمر الزائد المحتمل لا بيان عليه وما دام كذلك فالعقاب عليه من الله سيكون عقاباً بلا بيان وهو قبيح.
1.2.2- جريان البراءة الشرعيّة في الأغراض
وإنّما الكلام في البراءة الشرعيّة، فهي بعد أن وضّحنا إلى الآن بأنّ الشكّ هنا ليس شكّاً في المحصّل بل في تكليف زائد وفي غرض زائد، فهل تجري هذه البراءة أو يوجد فيها شبهة؟
أمّا في مثل البراءة المستفادة من الحديث المعروف «رفع عن أمّتي... ما لا يعلمون»[1] فقد يناقش في جريانها على مستوى الأغراض، وذلك لأنّ ظاهر قوله «رفع ما لا يعلمون» أنّه يختصّ بما كان رفعه ووضعه بيد الشارع.
والسيّد الشهيد لا ينبّه حسب التقرير على أنّه يقصد بذلك بوصفه شارعاً لا بوصفه مكوّناً وخالقاً ومتصرّفاً في كلّ الأمور حتّى التكوينيّة، فهو بوصفه شارعاً يرفع.
فما كان رفعه ووضعه بيد الشارع بما هو الشارع يرفعه الشارع، أمّا الأغراض فهي أمور تكوينيّة ليس أمرها بيد الشارع بوصفه شارعاً، نعم أمرها بيده بوصفه مكوّناً وخالقاً ومتصرّفاً في ما يشاء حتّى في القضايا التكوينيّة، ولكنّ البراءة الشرعيّة تصدر منه بوصفه شارعاً لا مكوّناً، فهذه البراءة تشمل الحكم على الأفعال لا الأغراض.
ونكتفي في حلّ مشكلة جريان البراءة الشرعيّة في المقام بأن نتحوّل من أدلّة البراءة الشرعيّة من مثله (أي حديث الرفع) إلى الأدلّة الأخرى الواردة في البراءة الشرعيّة التي لا تعبّر بالرفع حتّى يجيء الإشكال، بل تعبّر بمثل ما يؤدّي معنى عدم وجود العقاب من الشارع، لا الرفع، مثل الآية الكريمة «﴿وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولاً﴾»[2] حيث لا رفع فيها، فلا مانع من جريانها في الأغراض.
أو الآية الأخرى «﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ﴾»[3] فهي أيضاً كذلك، بناء على تفسير «لِيُضِلَّ قَوْماً» بالإضلال الأخرويّ أي العقاب.
فنتمسّك بأمثال هاتين الآيتين من أدلّة البراءة الشرعيّة التي ليست بلغة الرفع حتّى يقال إنّها لا يناسب الأغراض بل الأفعال.
وبناءً على هذا سينتهي الأمر إلى جريان البراءة العقليّة والشرعيّة معاً.
ويوجد جواب آخر بحيث لا يستدعي التحوّل إلى الأدلّة الأخرى للبراءة الشرعيّة، لكن هذا الجواب الآخر هو ما ادّخره أستاذنا الشهيد للوجه الثاني في الردّ على كون الشكّ في المحصّل.
ويوجد إشكال آخر وهو أنّ غاية ما انتهينا إليه احتمال كون الغرض أيضاً مردّداً بين الأقلّ والأكثر، وماذا يفيدنا الاحتمال؟