« فهرست دروس
الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

46/06/15

بسم الله الرحمن الرحيم

 المانع الثالث عن جريان البراءة في المقام وهو العلم بالغرض/ دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء /الأصول العملية

 

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء / المانع الثالث عن جريان البراءة في المقام وهو العلم بالغرض

1- المانع الثالث عن جريان البراءة في المقام وهو العلم بالغرض

قلنا إنّ المانع الثالث من الموانع التي تدّعى عن جريان البراءة في موارد الشكّ في الأقلّ والأكثر هو العلم بالغرض، فإذا تمّ العلم بغرض وجوب هذا الواجب المردّد بين كونه تسعة أجزاء أو عشرة حسب الفرض فعندئذٍ يقال إنّ الشكّ في هذا الغرض يتحوّل إلى الشكّ في المحصّل؛ لأنّ الغرض غرضٌ وحدانيّ ولا نعلم أنّ هذا الغرض يحصل بتسعة أجزاء أو عشرة، فيكون الشكّ شكّاً في المحصّل وإذا كان كذلك لا تجري فيه البراءة.

وفي مقابل ذلك قلنا إنّا لا نعلم بالغرض الوحدانيّ؛ إذ قد يكون الغرض أيضاً مردّداً بين الأقلّ والأكثر وفي مقام توضيح كون الغرض من المحتمل أن يكون مردّداً بينهما – فالغرض المترتّب على تسعة أجزاء غرضٌ أقلّ والغرض المترتّب على عشرة أجزاء غرض أكثر – يوجد خمس فرضيّات لا بدّ وأن نجد أنّه في كلّ فرضيّة منها هل يصبح الغرض مردّداً بين الأقلّ والأكثر أو لا.

الفرضيّة الأولى والثانية أكملنا البحث فيهما.

1.1- الفرضيّة الثالثة

أمّا الفرضيّة الثالثة فهي عبارة عن فرضيّة كون الغرض عبارة عن نفس الأفعال، لا أنّ هناك غرضاً مترتّباً على هذه الأفعال، بل نفس هذه الأفعال التي نشكّ في أنّ الواجب منها تسعة أجزاء أو عشرة هي الغرض الذي يريده المولى من جعل الوجوب. وذلك بأحد نحوين:

النحو الأوّل: أن تكون هذه الأفعال بذاتها كمالاً وفائدة للعبد لا غرض آخر متولّد منها.

والنحو الثاني: أن تكون هذه الأفعال بذاتها لو لا تعلّق الوجوب بها ليس فيها كمال بل إنّ المولى أوجبها وهذا الإيجاب من قبل المولى يجعلها كمالاً؛ لأنّها تتّصف بالطاعة لله تبارك وتعالى.

فبأيٍّ من هذين النحوين لو تمّ كون الغرض هي نفس هذه الأفعال فعندئذٍ يمكن القول بأنّه عندما نشكّ في أنّ تسعة أجزاء هي الغرض أو عشرة هي الغرض تكون تسعة أجزاء على كلا التقديرين غرضاً للمولى؛ لأنّه إمّا تعلّق الوجوب بالتعسة فهذه التعسة تكون وحدها غرضاً، وإذا تعلّق بتسعة أجزاء فهي ضمن تلك العشرة أجزاء أيضاً تكون غرضاً، وعليه تكون تسعة أجزاء من الغرض قطعاً ونشكّ أنّ الجزء العاشر من الغرض أو لا، فنجري البراءة عنه. فبناء على هذه الفرضيّة الثالثة تجري البراءة عن الجزء الزائد المشكوك.

1.2- الفرضيّة الرابعة

والفرضيّة الرابعة كون الغرض مردّداً بين مرتبةٍ ضعيفة ومرتبة شديدة. إن كان الواجب تسعة أجزاء ففيه الغرض ولكنّه غرض أضعف ممّا كان الوجوب متعلّقاً بعشرة أجزاء. فالفرق في الغرضين في الشدّة والضعف لا في الزيادة والكمّيّة كمّيّاً، بل كيفيّاً.

وأستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه يشبّه ذلك بالارتواء من الماء، إذا كان الغرض هو الارتواء فيكون تارةً ارتواءً ضعيفاً يحصل بكأس واحد من الماء وتارة ارتواء شديداً يحصل بكأسين من الماء.

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّه إن كان المولى يريد الغرض الشديد ولهذا أوجب عشرة أجزاء ويريد منها ما يشبه الارتواء الشديد لا بدّ وأن نفترض أنّ هذا الغرض الشديد غرض واحد شديد لا غرضان التقيا واجتمعا كي لا ينافي كون الواجب ارتباطيّاٌ فإن كان كذلك فلا بدّ أن يكون الغرض الشديد بما هو غرض شديد يحصل بعشرة أجزاء لا أنّ هذا الغرض الشديد يحصل جزء منه بتسعة أجزاء وجزء منه بالجزء العاشر فإن كان هكذا لكان الواجب غير ارتباطيّاً.

فإذا كان الأمر مثل هذه الفرضيّة أمكن جريان البراءة بلحاظ المقدار الزائد؛ لأنّ الغرض الضعيف يحصل على كلّ تقدير؛ لأنّ الغرض الضعيف موجود في ضمن الغرض الشديد، وما دام كذلك يبقى الشكّ في المقدار الزائد والشكّ في المقدار الزائد تجري عنه البراءة.

logo