« قائمة الدروس
التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

46/10/10

بسم الله الرحمن الرحیم

آية المأتین و الحادیة و العشرین/سورة البقرة /تفسیر القرآن

 

الموضوع: تفسیر القرآن/سورة البقرة /آية المأتین و الحادیة و العشرین

﴿وَ لا تَنْکِحُوا الْمُشْرِکاتِ حَتّی يُؤْمِنَّ وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِکَةٍ وَ لَوْ أَعْجَبَتْکُمْ وَ لا تُنْکِحُوا الْمُشْرِکينَ حَتَّی يُؤْمِنُوا وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِکٍ وَ لَوْ أَعْجَبَکُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَي النَّارِ وَ اللَّهُ يَدْعُوا إِلَي الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَ يُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَکَّرُونَ﴾[1]

الحديث في تفسير آية المائتين و الحادية و العشرين من سورة البقرة.

الزواج:

في تفسير آیة المأتین و الحادیة و العشرین من سورة البقرة المباركة، يُعدّ اختيار الزوج أو الزوجة من المسائل التي قد تجرّ الإنسان إلى الفساد و تقرّبه من النار. فالزواج مسألة في غاية الأهمية في حياة الإنسان الفرديّة و الاجتماعيّة و له تأثيرات بالغة على مستقبل الإنسان. و في هذا السياق، قدّم القرآن الكريم و التعاليم الدينيّة توصياتٍ عديدةً لاختيار الزوج أو الزوجة الصالحَین.

أثر الزواج في سعادة الدنيا و الآخرة:

قد يكون الزواج الصحيح سبباً في سعادة الدنيا و الآخرة. فإذا كان للإنسان زوج أو زوجة صالحان مؤمنان متديّنان، سارت حياته في طريق السعادة. أمّا إذا اختار زوجاً أو زوجةً غير مناسبین، فبالتأکید يؤثّر هذا الاختيار تأثيراً سلبيّاً على مختلف جوانب حياته و يبعّده عن السعادة.

اختیار الزوج في الإسلام:

يُعدّ الالتفات إلى الإيمان و الأخلاق أمراً بالغ الأهميّة. يقول القرآن الكريم في هذه الآية: ﴿وَ لا تَنكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ…﴾ أي: لا تتزوّجوا النساء المشركات حتّى يؤمنّ، أي ينبغي أن تختاروا امرأةً مؤمنةً. تُظهر هذه الآية بوضوح أهميّة الإيمان في اختيار الزوجة. فالمظاهر الخارجيّة كالجمال و المال أو المنصب، لا ينبغي أن تكون هي المعيار الأساسيّ في هذا الاختيار، بل إنّ ما له القيمة الحقيقيّة هو الإيمان و الالتزام الديني.

مخاطر الزواج من غير ذوي الخُلُق و غير ذوي الإیمان:

إنّ الزواج من نساء لا يمتلكن الإيمان و الأخلاق السليمة قد يؤدّي إلى انحراف الإنسان عن الطريق القويم في الحياة. فقد انجرّ كثير من الملوك و الشخصيّات البارزة إلى الفساد بسبب التأثير السلبيّ لنساء منحرفات. فبعض النساء قد يُضللن الآخرين و يُوقعنهم في الانحراف من خلال جمالهن أو ثروتهن أو مكانتهن الاجتماعيّة.

أهمیّة الإیمان في الزواج:

قال الله- تعالی- في القرآن: ﴿وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِن مُشْرِكَةٍ وَ لَوْ أَعْجَبَتْكُمْ… ﴾؛ أي و لو أعجبکم جمالها.

يجب أن يكون الإيمان و الأخلاق أهمّ معيارين في اختيار الزوجة؛ إذ الزوجة التي لا تمتلك الإيمان و لو كانت جميلةً أو ثريّةً فإنّها تجرّ الإنسان إلى طرق الانحراف.

ملاحظة عقلائيّة في اختيار الزوجة:

إنّ هذه التوصيّات ليست دينيّةً و تعبديّةً فحسب، بل هي عقلائيّة تماماً. فإذا أردت أن تعيش مع شخص في جمیع عُمُرك، فلا بدّ أن يكون جديراً بالثقة. الزوجة التي تتحلّى بالإيمان و العفّة و الطهارة و التقوى، يمكن أن تكون سنداً لك. أمّا من كانت ذات طبع تجسّسيّ أو طمّاعةً أو طالبةً للدنیا أو متهاونةً في السلوك، فإنّها ستجرّ حياتك إلى الدمار. و قوله- تعالى: ﴿وَ يُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَکَّرُونَ﴾ يُشير إلى عقلائيّة هذه الملاحظة.

خطاب الآية للرجال و النساء:

يُوجَّه الخطاب في مطلع الآية، إلى الرجال بألّا يتزوّجوا من النساء المشركات ثمّ یقول: ﴿وَ لا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا…﴾؛ أي: لا تُزوّجوا بناتكم من الرجال المشركين حتّى يؤمنوا. و هذا الجزء موجَّه إلى الأُسر و آباء البنات، أي إنّ في اختيار الزوج أيضاً يجب أن تكون الأولويّة للإيمان، لا للمال أو الجاه أو الجمال الظاهري.

استثناء في حقّ أهل الكتاب:

جاء في سورة المائدة قوله- تعالی: ﴿وَ الْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ…﴾[2] أي أنّ النساء العفيفات من أهل الكتاب (اليهود و النصارى) قد أُحِلَّت لكم.

و قد تميّز بعض أهل الكتاب عن المشركين بسبب إيمانهم بالله و المعاد و اعتقادهم بكتاب سماويّ و لذلك أُستثني الزواج معهنّ في بعض الحالات. غير أنّ هذا الحكم يستلزم دقّةً و فهماً عميقاً للظروف الثقافيّة و الإيمانيّة و الأخلاقيّة.

يُستفاد من هذه الآية أنّ الزواج مسألة مهمّة للغایة و على الإنسان أن یکون حَذِراً كي لا يُغَرّ بالجمال أو المال أو الجاه، بل عليه أن يختار زوجةً صالحةً من حيث الإيمان و التقوى، لتكون سبباً في سعادته في الدنيا و الآخرة. و عندما نطالع حیاة العلماء و الفقهاء الكبار، نرى أنّهم كثيراً ما يشيرون إلى دور زوجاتهم في تهيئة أجواء العلم و المذاكرة و هذا من أعظم نِعَم الله- تعالی.


logo