46/07/28
بسم الله الرحمن الرحیم
آية الثامنةعشر بعد المأتين/سورة البقرة /تفسیر القرآن
الموضوع: تفسیر القرآن/سورة البقرة /آية الثامنةعشر بعد المأتين
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هَاجَرُوا وَ جَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[1]
یقع البحث في تفسير آية المأتين و الثامنةعشر من سورة البقرة.
شأن نزول الآية:
شأن نزول هذه الآية يتعلّق بمجموعة من الصحابة الذين أمرهم النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بالتحدّث مع الكفّار و المشركين و جلب أخبارهم إلیه (صلّى الله عليه وآله). كان أمر الرسول (صلّی الله علیه و آله) من أجل معرفة أخبارهم و ظروفهم و ليس لأغراض أخرى. فذهبت هذه الطائفة إلى العدوّ كما أمرهم النبيّ (صلّی الله علیه و آله) و لكنّهم لم يلتفتوا إلی أنّ شهر رجب هو من الأشهر الحرم و حُرّم فيه القتال. و في هذه الرحلة التي وقعت في بداية شهر رجب، واجه المسلمون الأعداء، فقتلوا زعيم قبيلة و هو کافر و أسروا اثنين من الأعداء و صادروا أموالهم. عندما عادوا إلى النبيّ (صلّى الله عليه و آله) انتشرت إشاعات من جانب الکفّار حول انتهاك حرمة شهر رجب؛ لأنّ الإسلام قد حرّم القتال في الأشهر الحرم. اعترض النبيّ (صلّى الله عليه و آله) علی فعلهم، رغم أنّهم لم تكن لديهم نيّة سيّئة، إلّا أنّ قتل الأعداء و أسرهم في مثل هذه الظروف كان خطأً. أجابوا رسول الله (صلّی الله علیه و آله) بأنّهم كانوا يظنّون أنّ شهر رجب لم يبدأ بعد و أنهم ما زالوا في شهر جمادي و لذلك وقعوا في هذا الخطأ. قال الله- تعالی: ﴿أُولَـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ﴾ یؤمّلهم الله و یمنحهم الرجاء بأنّهم إن آمنوا و هاجروا و جاهدوا في سبیله فقد أمکن لهم أن یستفیدوا من رحمته.
الدروس المستفادة من الآیة:
یمکن أن یستفاد من هذه الآية أنّ رحمة الله تشمل من یتملك ثلاث خصال: أولاها الإيمان؛ ثانيتها العمل الصالح؛ ثالثتها رجاء رحمة الله؛ أي لا بدّ من هذه الثلاثة حتّی تشمل الشخصَ الرحمة الإلهیّة. ﴿فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صٰالِحاً﴾[2] لا یکفي الإیمان وحده؛ بل یجب أن یکون مع عمل صالح و رجاءٍ لرحمة الله فإنّ من یقنط من رحمة الله فمن الممکن أن لا تشمله رحمته؛ إذ الیأس من روح الله معصیة کبیرة.
تقدّم الإيمان على العمل الصالح:
الإيمان و العمل الصالح هما من الشروط التي تجعل رحمة الله تشمل العبد فالإیمان مقدّم علی العمل الصالح و یجب علی الإنسان الإیمان أوّلاً ثمّ الإتیان بالعمل الصالح ثمّ لْيرجُ رحمة الله.
إصلاح الفكر:
هناك نکتة مهمّة تجب ملاحظتها في هذه الآية و هو أنّ الإنسان يجب أن يصحّح أفكاره. البصيرة و المعرفة هما أوّل الخطوات في هذا المسار. يجب في البدایة أن يكتسب الإنسان الإيمان و المعرفة و البصيرة ثمّ يعمل الصالحات ثمّ بعد ذلك ينبغي أن يشكر الله و یرجو رحمته لیشمله عفوه و رحمته.
هذا هو الجهاد الأكبر و الجهاد الأصغر الذي تمّت الإشارة إليهما في الأحاديث، الجهاد الذي يجب أن يُسلك لكي تشملنا رحمة الله و مغفرته. نسأل الله تعالى أن يوفّقنا جميعاً للاستفادة من هذه الرحمة و المغفرة الإلهيّة.