47/05/18
بسم الله الرحمن الرحیم
الواجب المعلّق و المنجّز/الأوامر /مباحث الألفاظ
الموضوع: مباحث الألفاظ/الأوامر /الواجب المعلّق و المنجّز
خلاصة الجلسة الماضية
كان البحث السابق في إطلاق لفظ «الواجب» على الواجب المشروط قبل تحقّق الشرط. و كان السؤال: هل الوجوب في الآيات و الروايات مطلق أم مشروط؟
طُرح قولان:
القول الأوّل: إطلاق الواجب علی الواجب المطلق حقیقي و علی الواجب المشروط مجازي. أي أنّ لفظ «الواجب» يُطلق حقيقةً على الإلزام غير المقيَّد (المطلق)، و مجازاً على الإلزام المشروط، و في غياب القرينة يُحمَل على المطلق.
القول الثاني (المختار): الاشتراك المعنوي بين المطلق و المشروط؛ فالمعنى الواحد هو «اللزوم» الذي يصدق على كليهما صدقاً حقيقيّاً، فلا يجوز تخصيص أحدهما دون قرينة. و كانت أدلّة الاشتراك المعنوي هي: التبادر و صحّة التقسيم و عدم المنافرة و الإجما
المبحث الثاني: في تقسیم الواجب المطلق إلی المعلّق و المنجّز[1]
ظهر مصطلح «الواجب المعلّق» في علم الأصول منذ زمن صاحب الفصول. قبل ذلك، كان يُعرف فقط مصطلحا «الواجب المطلق» و «الواجب المشروط». و لكن الواجب المعلّق هو اصطلاح ذكره كلّ من «صاحب الفصول» و «صاحب هداية المسترشدين». و من الناحية التاريخية و المفهومية، يُعدُّ الاطلاع على معنى الواجب المعلّق و خصائصه مدخلاً علميّاً لفهم تطوّرات علم الأصول.
معنى الواجب المعلّق (العقد المعلّق) في الفقه
للوَاجِبِ المعلّق اصطلاحان: أحدهما في الفقه و الآخر في الأصول.
في الفقه، يُطرح بحث الواجب المعلّق تحت باب «العقد المنجّز و العقد المعلّق». صرّح الفقهاء بأنّه: «العقد يجب أن يكون منجّزاً، فإذا كان معلّقاً بطل» و لكن يجب التفريق بين التعليق في أصل العقد و التعليق في فروع العقد. فإذا عُلِّق أصل العقد على شرط، مثل: «إن جاء زيد، زوّجتك»، فهذا يُسمّى عقداً معلّقاً و قد أبطله الفقهاء؛ أمّا إذا وقع العقد منجّزاً، و لكن ذُكِرَ له شرط، مثل: «زوّجتك بشرط أن نسكن في هذه المدينة»، فهذا هو العقد المشروط و ليس المعلّق و هو صحيح.
و بناءً عليه، فإن العقد المعلّق باطل، و لكن الشرط في العقد صحيح، و لا يبطل أصل العقد حتى لو نُقِضَ الشرط، بل يوجب في بعض الحالات خيار تخلّف الشرط.
مبتکر الواجب المعلّق
بين الأصوليّين خلاف حول منشأ هذا الاصطلاح. يرى بعضهم أنّ الواجب المعلّق هو ابتكار صاحب الفصول، بينما يُنسبه البعض الآخر إلى أخيه، صاحب هداية المسترشدين.
و يرى آية الله البروجردي (رحمه الله) أنّ صاحب الفصول لم يقسّم الواجب المطلق إلى «المعلّق» و «المنجّز»، و أنّ هذا التقسيم ليس في مقابل الواجب المشروط. و قد قال بعض الأصوليين: إذا كان الوجوب حاليّاً و الواجب استقبالياً، يُسمّى هذا واجباً معلّقاً؛ مثال ذلك: الحجّ يجب بحصول الاستطاعة (وجوب حالي) و لكن وقت أدائه هو شهر ذي الحجة (واجب استقبالي).
علاقة الواجب المعلّق بوجوب المقدّمة
لقد كان اختراع الواجب المعلّق لحلّ هذا الإشكال المهم: كيف يمكن أن تكون المقدّمة واجبةً قبل وجوب ذي المقدّمة؟
يقول الإمام الخميني (رحمه الله): :«مِنْ تَقْسِيمَاتِ الْوَاجِبِ تَقْسِيمُهُ إِلَىٰ الْمُعَلَّقِ وَ الْمُنَجَّزِ، وَ هذا تَقْسِيمٌ فِي الْفُصُولِ أبْداه لِدَفْعِ إِشْكَالِ وُجُوبِ الْمُقَدِّمَةِ قَبْلَ وُجُوبِ ذِي الْمُقَدِّمَةِ»[2] .
على سبيل المثال، في صوم شهر رمضان، يبدأ وجوب الصوم من طلوع الفجر، و لكن غُسل الجنابة الذي هو مقدّمته يجب أن يُؤدّى قبل الفجر. فكيف يمكن القول بوجوب الغُسل في حين أنّ الصوم لم يجب بعد؟ الجواب هو: الوجوب حالٌّ و الواجب استقبالي؛ أي أنّ وجوب الصوم فعليٌّ، و لكن وقت الامتثال له في المستقبل.
ثمرة الواجب المعلّق
تظهر ثمرة هذا التقسيم في المقدّمات المفوّتة؛ أي المقدّمات التي إذا تُرِكت، يَفُوتُ أصل الواجب؛ كغُسل الجنابة قبل الفجر أو الحركة نحو عرفات قبل يوم الثامن من ذي الحجة. و هنا يقال بوجوب المقدّمة، لأنّ تركها يوجب فوات ذي المقدّمة.
المطلب الأوّل: في المراد من الواجب المنجّز و المعلّق
المطلب الأول في هذا البحث هو تعريف الواجب المنجَّز و الواجب المعلَّق، و لقد وقع خلاف بين الأصوليين في معنى كلٍّ منهما.
ثمّ إن بعض الشرائط و القیود تکون في اختيار المكلَّف: مثل الوضوء، فهو مقدّمة يتوقّف إنجازها على إرادة المكلَّف و اختياره. و أمّا بعضها خارج عن اختيار المكلَّف، مثل الوقت؛ حيث يجب أن يحلّ الوقت ليتحقّق وقت أداء الواجب. فمثلاً، يجب أن يقع الأذان كي يدخل وقت الصلاة. و هذا الأمر خارج عن اختيار المكلَّف و يُعدّ من المقدّمات الطبيعيّة.
تعریف الواجب المعلّق
یقال في تعریف الواجب المعلّق: «ما يتعلّق وجوبه به و يتوقّف حصوله على أمر غير مقدور له و ليسمّ معلّقاً كالحج فإنّ وجوبه يتعلّق بالمكلّف من أوّل زمن الاستطاعة أو خروج الرفقة و يتوقّف فعله على مجيء وقته و هو غير مقدور له.»[3] الواجب المعلَّق هو ما كان شرطُه خارجاً عن اختيار المكلَّف؛ كحلولِ وقتِ الحجِّ (شهر ذي الحجَّة) الذي يجبُ أن يحلَّ بصورةٍ طبيعيةٍ و ليس في اختیار المكلَّف. أما الاستطاعةُ فهي في اختيارِه؛ لأنّ المكلَّفَ يستطيعُ أن يُهيِّئ الزادَ و الراحلةَ و سائرَ مقدّماتِ الاستطاعةِ.
تعریف الواجب المنجّز
التعریف الأوّل (علی مبنی قدرة المکلّف):
«ما يتعلّق وجوبه بالمكلّف و لا يتوقّف حصوله على أمر غيرمقدور له كالمعرفة»[4]
الواجب المنجَّز هو ما تحقَّق وجوبُه على المكلَّف و لم يتوقَّف على أمرٍ غيرِ مقدور. و الوقتُ من الأمورِ غيرِ المقدورةِ و هو خارجٌ عن اختيارِ الإنسان. فإذا كان لواجبٍ وقتٌ خاصٌّ، فإنَّ هذا الوجوبَ سيتوقَّفُ على أمرٍ غيرِ مقدور.
التعریف الثاني (علی مبنی الفعلیّة):
قالوا:«أن تكون فعليّة الوجوب مقارنةً زماناً لفعليّة الواجب، بمعنى أن يكون زمان الواجب نفس زمان الوجوب . و يسمى هذا القسم (الواجب المنجز)، كالصلاة بعد دخول وقتها، فإنّ وجوبها فعلي، و الواجب و هو الصلاة فعليّ أيضاً»[5] أي إن كانت فعليَّةُ الوجوب مقارنةً لفعليَّةِ الواجب، فذلك الواجبُ مُنجَّز. فمثلاً، صلاةُ الظهر عند الساعة الثانية عشرة واجبٌ مُنجَّز؛ لأنَّ وقتَ الوجوبِ و زمنَ الواجبِ قد حلَّا معاً. أمّا إذا حانَ وقتُ الوجوبِ و لكن لم يحلَّ وقتُ الواجبِ بعدُـ كالحجِّ حيثُ تحقَّقتِ الاستطاعةُ و لكن لم يأتِ شهرُ ذي الحجَّة فإنَّ ذلك الواجبَ يكونُ مُعلَّقاً.
و هذا أحدُ التعاريفِ المطروحةِ. و بالإضافةِ إلى ذلك، يمكنُ القولُ بإنَّ الواجبَ قد يكونُ مُنجَّزاً بالنسبةِ لبعضِ الشروطِ و مُعلَّقاً بالنسبةِ لبعضِها الآخر.