« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

47/05/11

بسم الله الرحمن الرحیم

إطلاق الواجب علی الواجب المشروط حقیقة أو مجاز؟/الأوامر (الواجب المطلق و المشروط) /مباحث الألفاظ

 

الموضوع: مباحث الألفاظ/الأوامر (الواجب المطلق و المشروط) /إطلاق الواجب علی الواجب المشروط حقیقة أو مجاز؟

 

ملخّص الجلسة الماضية: ناقشنا وجوب تعلّم الأحكام الشرعية، و قلنا إنّ الشهيد الصدر لا يرى وجوب التعلّم في موارد احتمال الابتلاء، و يتمسك باستصحاب عدم الابتلاء. نرى أنّ هذا الرأي غير سديد لثلاثة أسباب: 1) التمييز بين المقدمات المفوّتة و غير المفوّتة، 2) الرواية المعتبرة «أفلا تعلّمت؟»، 3) سيرة العقلاء و قاعدة دفع الضرر المحتمل. كما قلنا إنّ وجوب التعلّم من النوع الطريقي لا النفسي؛ لأنّ الدليل النقلي و العقلي يؤيّدان لزوم الفحص و التعلّم لرفع الجهل و صحّة العمل.

الأمر الثامن: في كیفّیة إطلاق لفظ الواجب المشروط (هل الواجب حقیقة في المطلق و مجاز في المشروط أم لا؟)

في هذه الجلسة، يدور النقاش حول إحدى المسائل الأصولية الدقيقة، و هي: هل «إطلاق الواجب على الواجب المشروط» حقيقة أم مجاز؟ هذه المسألة من القضايا المهمة التي نوقشت بين أکابر العلماء مثل «الشيخ الأنصاري» و «الآخوند الخراساني» في «كفاية الأصول».

تبیین المسألة

في علم الأصول، نقسّم الواجبات إلى قسمين:

    1. «الواجب المطلق»

    2. «الواجب المشروط»

إطلاق لفظ «الواجب» على الواجب المطلق هو «حقيقة» بلا شك. لكن الكلام في أنّه «هل یکون إطلاق الواجب على الواجب المشروط حقيقةً أيضاً أم مجازاً؟ بعبارة أخرى: إذا قلنا لشخص «الحج واجب عليك» في حين أنّه لم يكتسب الاستطاعة بعد، فهل استعمال «الواجب» هنا حقيقيّ أم مجازي؟

على سبيل المثال، نقول: الصلاة واجبة، و الصوم واجب، و الخمس واجب، و الزكاة واجبة. فإذا لم يكن لي مال، فهل يصحّ أن نقول «الخمس واجب عليّ»؟ من الواضح أنّ الخمس يجب على من يملك مالاً زائداً. أو في باب الحج، شرط وجوبه هو «الاستطاعة»؛ فما لم تتحقق الاستطاعة، لا يوجد وجوب فعلي.

و هنا قولان:

القول الأول: أنّ لفظ الواجب مجاز في المشروط[1] [2] [3] [4] [5] [6]

مرأی المحقّق الخراساني

قال في کفایة الأصول:

«لا يخفى أن إطلاق الواجب على الواجب المشروط، بلحاظ حال حصول الشرط على الحقيقة مطلقاً، وأما بلحاظ حال قبل حصوله فكذلك على الحقيقة على مختاره قدس‌سره في الواجب المشروط، لأن الواجب وأنّ كان أمراً استقباليّاً عليه، إلّا أن تلبسه بالوجوب في الحال، ومجاز على المختار، حيث لا تلبس بالوجوب عليه قبله.» [7]

أي إذا لم يتحقّق شرط الوجوب بعد، فإنّ إطلاق لفظ الواجب عليه هو استعمال مجازي. و لكن بعد تحقق الشرط، يصبح الاستعمال حقيقياً. على سبيل المثال، إذا بقي ستّة أشهر حتّى شهر ذي الحجة و تحقّقت الاستطاعة، ففي هذا الوقت لا يمكن القول: «الحج واجب عليّ». و لكن عندما يحلّ شهر ذي الحجة و يتحقّق الشرط، يمكن القول: «الحج واجب عليّ» و هذا سيكون استعمالاً حقيقيّاً. إطلاق الواجب على الواجب المشروط يكون حقيقيّاً عند حصول الشرط، و مجازياً قبل تحقّق الشرط؛ لأنّه لم يتلبس بالوجوب بعد.

مرأی الشیخ الأنصاري

في المقابل، يرى «الشيخ الأنصاري»: «اطلاق الواجب علی الواجب المشروط قبل حصول الشرط حقیقةٌ[8] فحسب رأي الشيخ، حتّى قبل تحقّق الشرط، يكون إطلاق الواجب على الواجب المشروط حقيقيّاً؛ لأنه من وجهة نظره، الوجوب ثابت في الحال؛ غاية الأمر أنّ فعليّة العمل متوقّفة على تحقّق الشرط.

منشأ الخلاف

يرجع الخلاف في الحقيقة و المجاز إلى الخلاف في تعلّق القيد بـ (الهيئة) أو بـ (المادّة). فإذا تعلّق القيد بـ «الهيئة»، يصير الوجوب فعلياً بعد تحقّق الشرط (كمذهب الآخوند) و إذا تعلّق القيد بـ «المادّة» يكون أصل الوجوب فعلياً، و إن كان تعلّق الفعل مشروطاً بالتحقّق في الخارج (كمذهب الشيخ).

الثمرة العملية للبحث

تظهر ثمرة الخلاف في موارد؛ منها:

المثال الأوّل: مقدّمات الواجب المشروط: لنفترض أنّ شخصاً أصبح مستطيعاً، لكن لم يحن وقت الحجّ بعد. هل يجب عليه توفير مقدّمات السفر للحج من الآن، أم يمكنه الانتظار حتى شهر ذي الحجة؟

بناءً على رأي «الشيخ الأنصاري»: بما أنّ وجوب الحج فعلي، فمقدّماته واجبة أيضاً؛ لذا، تأمين الزاد و الراحلة و تدارك السفر يصبح واجباً من الآن. و لکن طبقاً لرأي «الآخوند الخراساني»: بما أنّ الوجوب لم يكتسب الفعليّة بعد، فالمقدّمة ليست واجبةً؛ بل تصير واجبةً عند تحقّق الشرط (شهر ذي الحجة).

المثال الثاني: الحفاظ على الماء للوضوء

إذا كان لدى شخص ما ماء قبل وقت الصلاة، و يعلم أنّه قد لا يجد ماءً وقت حلول الصلاة، فهل يجب عليه الاحتفاظ بالماء؟

يقول الشيخ الأنصاري: نعم، لأنه وجوب الصلاة فعلي، و إن كان واجبها استقباليّاً؛ فمقدّمتها (حفظ الماء) واجبة أيضاً.

و يقول المحقّق الخراساني: لا، لأنّ الوجوب لیس فعلیّاً بعدُ، و سيصبح فعليّاً في وقت الصلاة، لذا فليس من الضروري حفظ الماء في الوقت الحاضر.

التحليل النهائي و علاقته بمقدّمة الواجب

هنا یطرح إشكال: إذا كان الواجب المشروط غير واجب قبل حصول الشرط، فكيف يمكن أن تكون مقدّمته واجبةً؟

ذلك أنّ العقل يقول: وجوب المقدّمة يترشّح من وجوب ذي المقدمة فإذا لم يكن ذو المقدمة واجباً، فمقدّمته ليست واجبةً أيضاً.

لذا، يقول الشيخ الأنصاري: بما أنّ مقدّمات الواجب لازمة في الزمان الحاضر، فمعلوم أنّ وجوب ذي المقدمة فعلي، و إن كان واجبه استقباليّاً.

أما المحقّق الخراساني يقول: الوجوب و الواجب يتحقّقان معاً في زمان واحد؛ و قبل ذلك، لا يوجد وجوب على الإطلاق.

 


logo