47/05/03
بسم الله الرحمن الرحیم
هل تعلّم الأحکام واجب أم لا؟/الأوامر /مباحث الألفاظ
الموضوع: مباحث الألفاظ/الأوامر /هل تعلّم الأحکام واجب أم لا؟
ملخص الجلسة السابقة:كان النقاش في الجلسة السابقة يدور حول وجوب تعلّم الأحكام الشرعية و أقوال العلماء في هذا الصدد: قال المحقّق البجنوردي: الوجوب يتحقّق عند العلم أو الاطمئنان بالابتلاء، و في الأمور التي يعمّ البلوى بها. قال الشيخ حسين الحلّي: الوجوب يتحقق إذا لم يمكن العمل بالاحتياط. قال المحقّق الخوئي: الوجوب يتحقق عند العلم أو الاحتمال العقلي بالابتلاء، ولا يجب عند العلم بعدم الابتلاء.
يرى البعض وجوبه كـ واجب كفائي في غير موارد الابتلاء، و ذلك للحفاظ على معارف الدين.
النقاش يدور حول هذا السؤال و هو: هل یُعدّ تعلّم الأحكام الشرعيّة من مقدّمات الواجب، و بالتالي يصبح واجباً بوجوب المقدّمة أم لا؟ من الواضح أنّ أداء الواجبات بشكل صحيح غير ممكن، من دون معرفة أحكامها؛ فالظاهر أنّ تعلّم الأحكام هو مقدّمة لأداء الواجب، و يحكم العقل بوجوبه من هذه الجهة.
المثال الفقهي (صلاة الآيات):
هنا يطرح سؤال: إذا جهل شخص صلاة الآيات و أراد تعلّمها عند وقوع الكسوف أو الخسوف، فبينما ينتهي من تعلّمها، يزول وقت الصلاة، فما هو تكليفه؟
من الواضح أنّه لا يمكنه أداء صلاة الآيات في وقتها في هذه الحالة؛ لذا، يجب أن يكون قد تعلّمها قبل وقوع هذه الحوادث؛ لأنّ هذا يندرج تحت «المقدمات المفوّتة»، أي أن ترك التعلّم قبل الوقت يمنع من أداء الواجب في وقته.
يقول تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾[1] و الآن، إذا وقع الكسوف أو الخسوف و الشخص جاهل بصلاة الآيات، يسقط عنه التكليف الفعلي في الحال، و لكن يجب عليه قضاء صلاة الآيات لاحقاً.
و يقول المحقّق الخوئي في هذا الصدد: في مثل هذه الحالات، يجب القول بوجوب تعلّم صلاة الآيات على جميع الناس؛ لأنّ وقوع حوادث مثل الكسوف و الخسوف و الزلازل أمر محتمل و أحيانًا شائع، فيجب أن يكون المكلّف مستعدّاً لأداء واجبه مُسبقاً.
بيان رأي المرحوم المحقّق الخوئي (رحمه الله تعالى)
ذکر المحقّق الخوئي في مباحثه الأصوليّة أنّ وجوب التعلّم يتحقّق فقط في حال تحقّق وجوب ذي المقدّمة (المتعلَّم لأجله)؛ لأنّ المقدّمة تكتسب الوجوب تبعاً للواجب الأصلي. على سبيل المثال، صلاة الظهر لا تجب إلّا بدخول وقتها، و قبل ذلك لا يوجد تكليف فعليّ بأداء الصلاة؛ و بالتالي، فإنّ مقدّماتها كـالوضوء أو تعلّم أحكامها، لا تكون واجبةً في ذلك الوقت السابق.
بناءً على هذا المبدأ، إذا علم شخص أنّ الماء المخصص للوضوء سينقطع في الساعة الثانية عشرة (وقت دخول صلاة الظهر)، فإنّه لا يجب عليه الاحتفاظ بالماء قبل وقت الصلاة، و ذلك طبقاً للمبنى الأصولي للمرحوم الخوئي (و كذلك الآخوند الخراساني)؛ لأنه لم يجب الصلاة بعدُ. فإذا دخل الوقت، فإنه يتوضأ إذا كان الماء متوفّراً لديه، و إذا لم يكن الماء متوفّراً، يتيمّم، لقوله (عليه السلام): «يَكْفِيكَ الصَّعِيدُ عَشْرَ سِنِين.»[2]
عدول از مبنای اصولی در مقام فقهی
العدول عن المبنی الأصولي في مقام المسائل الفقهيّة
إنّ المحقّق الخوئي (رحمة الله علیه) قد عدل عن مبناه الأصولي في تطبيقاته الفقهيّة و لا سیّما في كتابه «تنقيح العروة الوثقى». إستند هناك في مبحث الاجتهاد و التقليد يستند (رحمه الله) إلى الرواية المعتبرة عن مسعدة بن صدقة التي نُقلت في تفسير الآية الشريفة: ﴿فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ﴾[3] حیث نُقل عن «ابْنِ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ ع وَ قَدْ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَ كُنْتَ عَالِماً فَإِنْ قَالَ نَعَمْ قَالَ لَهُ أَ فَلَا عَمِلْتَ بِمَا عَلِمْتَ وَ إِنْ قَالَ كُنْتُ جَاهِلًا قَالَ لَهُ أَ فَلَا تَعَلَّمْتَ حَتَّى تَعْمَلَ فَيَخْصِمُهُ وَ ذَلِكَ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ.»[4]
أي إنّه يُقال لي يوم القيامة: لِمَ لم تعمل؟ فإذا أجاب: لأنّي كنتُ جاهلاً، قيل له: لِمَ لم تتعلّم؟ و من هذه الرواية، يستنتج المحقّق الخوئي (رحمهالله) أنّ «التعلّم» واجب في الأمور التي يُبتلى بها المكلَّف؛ لأنّ ترك التعلّم أيضاً يكون مورداً للمساءلة. و عليه، فوجوب التعلّم هنا لا يكون من باب الملازمة العقليّة بين وجوب الشيء و وجوب المقدّمة، بل يثبت بشكل مستقل و بدلالة دلیل شرعي خاص.[5]
بناءً على ذلك، فعلى الرغم من أنّ المحقّق الخوئي (رحمهالله) كان يرى في علم الأصول أنّ وجوب المقدّمة تابع لوجوب ذي المقدّمة، و أنّ المقدّمة لا تجب قبل فعليّة الواجب، إلّا أنّه في المقام الفقهي، و مع وجود دليل خاص، حَكَمَ بوجوب التعلّم. و هذه من إحدى المواضع التي قد يُفتي فيها الفقيه بمقتضى القاعدة في مقام الأصول، و لكنه يعدل عنها في مقام الاستنباط الفقهي عند ورود دليل خاص.
تحلیل الروایة و نقطة أصولیّة
في الرواية المذكورة، يُطرح سؤالان: الأول «أَفَلَا عَمِلْتَ؟» ثم «أَفَلَا تَعَلَّمْتَ؟». قال العلماء إنّ هذين السؤالين لیس لهما عقابان مستقلّان، بل كلاهما ناظر إلى عقاب واحد؛ أي إنّ العقاب هو على ترك العمل، و بما أنّ عذر الجاهل غير مقبول في حال إمكان التعلّم، يُسأل عن سبب عدم تعلّمه. و بالتالي، فإن التعلّم هنا هو واجب طريقي و ليس واجباً موضوعياً؛ بمعنى أن التعلّم نفسه واجب بوصفه طريقاً للامتثال، و ليس واجباً مستقلاً في ذاته.