« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

47/04/27

بسم الله الرحمن الرحیم

هل تعلّم الأحکام الشرعیّة واجب أم لا؟/الأوامر (مقدّمة الواجب) /مباحث الألفاظ

 

الموضوع: مباحث الألفاظ/الأوامر (مقدّمة الواجب) /هل تعلّم الأحکام الشرعیّة واجب أم لا؟

 

 

موضوع: مباحث الفاظ/اوأمر/مقدّمه واجب/واجب مطلق و واجب مشروط/آیا تعلّم احکام شرعی واجب است یا نه؟

 

ملخّص الجلسة الماضية:

في الجلسة السابقة تبيّن أنّ وجوب تعلّم الأحكام الشرعيّة إنّما هو من جهة كونه مقدّمةً للواجب. و قد ذهب المحقّق النائيني (رحمة الله علیه) إلى أنّ هذا الوجوب يثبت في الأحكام التي هي عامّة البلوی، أي تلك التي يبتلي بها غالب النا أمّا الشيخ حسين الحلّي (رحمة الله علیه) فقد اعتبر الوجوب في المقدّمات المفوّتة، و هي الموارد التي يؤدّي الجهل فيها إلى فوات الواجب أو ارتكاب الحرام. و كذلك السيّد محمود الشاهرودي يرى هذا الرأي، لكنّه يعدّه وجوباً طريقيّاً؛ أي إذا أمكن للمكلَّف أن يعمل على وجهٍ صحيحٍ بالاحتياط، فإنّ الجهل لا يوجب العقاب.

و أمّا بحث اليوم فهو في بيان: هل تعلّم الأحكام الشرعيّة واجبٌ مطلقاً؟ أم ليس واجباً مطلقاً؟ أم أنّه لا يجب إلّا في موارد عامّ البلوی أو محلّ الابتلاء؟

القول الرابع: وجوب التعلّم مع العلم أو الاطمئنان بالابتلاء[1]

قال المحقّق البجنوردي (رحمة الله علیه):«إنه لا شكّ في وجوب التعلّم مع العلم أو الاطمئنان بالابتلاء كما أنه لا شكّ في عدم الوجوب مع العلم أو الاطمئنان بعدم الابتلاء، و انّما الكلام في مورد الاحتمال احتمالاً عقلائياً مع عدم العلم أو الاطمئنان بأحد الطرفين فهل يجب مطلقاً أو لا يجب كذلك أو يفصل بين أن يكون المحتمل من الأمور العامة البلوى فيجب أو لا فلا.» [2]

القول الخامس

قد فصّل الشیخ حسین الحلّي (رحمة الله علیه) و قال: «أنّ لزوم التعلّم في الموارد الّتي يمكن فيها الاحتياط لا يكون إلاّ من قبيل الشرط في الرجوع إلى الأصل النافي، وأنّ ملاكه هو تنجّز الأحكام بمجرد احتمالها، وفي الموارد التي لا يمكن فيها الاحتياط لا يكون إلاّ بملاك متمم الجعل، فلا يكون وجوبه إلاّ شرعياً ويتوقّف على الدليل عليه.»[3]

أي: إذا كان الاحتياط ممكناً، فلا يجب تعلّم الأحكام؛ لأنّ المكلَّف يمكنه العمل بالاحتياط. و لكن إذا تعذّر الاحتياط، وجب التعلّم. مثل حالات الدوران بين المحذورين التي لا يمكن فيها الاحتياط، فيجب تعلّم المسألة ليُعلم التكليف الفعليّ.

و دليله أنّ أدلّة التفقّه في الدين و تعلّم الأحكام تقتضي تعلّم الإنسان للأحكام بشكلٍ عام، و لكن في الموارد التي يستطيع فيها أن يجتنب مخالفة التكليف الفعليّ بالاحتياط، فلا حاجة له إلى التعلّم؛ لأنّ المكلَّف إمّا مجتهد، أو مقلّد، أو محتاط. و المحتاط إذا علم قواعد الاحتياط، لا يجب عليه تعلّم جميع الأحكام.

القول السادس: التفصیل[4]

ذکر المحقّق الخوئي (أعلی الله مقامه الشریف) في هذا المقام تفصیلاً دقیقاً:

الف) العلم بالابتلاء

إذا كان المكلّف متیقّناً بأنّه سیُبتلی بأمر كالشّكّ في الصّلاة و سجدة السّهو و نحو ذلك، فإنّ تعلّم تلك المسائل واجب. و هذه الصّورة تتضمّن عدّة حالات:

«1- أن يكون الواجب موسّعاً، بحيث يمكن للمكلّف أن يتعلّمه بما له من الاجزاء و الشرائط في وقته، و لا اشكال في عدم وجوب التعلّم قبل الوقت في هذه الصورة، لا بملاك المقدّمية و لا بملاك قبح تفويت الملاك، و لا بملاك وجوب دفع الضرر المحتمل، و الكل واضح. كما أنّه لا اشكال في وجوبه بعد دخول الوقت.» [5]

    1. الواجب الموسّع: إذا كان الواجبُ واجباً مُوسَّعاً، كصلاة الآيات، فإذا كان بإمكانه تعلّم أحكامها بعد دخول وقتها، فلا يجب عليه تعلّمها قبل الوقت.

«-2أن يكون الواجب مضيّقا أو موسّعا، لكن لا بحيث يمكنه التعلّم في الوقت، و مع ذلك لا يترتّب على ترك التعلّم الّا فقد التمييز، لتمكّنه من الاحتياط و الاتيان بجميع المحتملات في الوقت، كما في موارد الامر بين القصر و التمام، أو بين الجهر و الاخفات، و غيرها من موارد امكان الاحتياط بالجمع بين المحتملات. و لا يجب التعلّم في هذه الصورة.»[6]

    2. الواجب الموسّع أو المضَيَّق الذي لا يمكن تعلّم أحكامه في ظرف وقته فيجب عليه أن يتعلّم الأحكام قبل الوقت؛ لعدم إمكانية الإتيان بالواجب بصورة صحيحة من دون التعلّم. و مثال ذلك: تعليم قراءة الصلاة، إذ لا يمكنه تعلّم القراءة في هذا الفاصل الزمني بسرعة.

«-3أن يتوقّف احراز الامتثال على التعلّم كما في جميع الامثلة المتقدّمة المذكورة في الصورة السابقة، مع عدم التمكّن من الاتيان بجميع المحتملات، و لو لضيق الوقت عن الاحتياط، و في هذه الصورة وجب التعلّم قبل الوقت من باب وجوب دفع الضرر المحتمل بحكم العقل.»[7]

    3. عدم التمكّن من الاحتياط: إذا لم يتمكّن المكلّف من العمل بالاحتياط في تلك المسألة، يصبح التعلّم واجباً؛ لأنّه يجب دفع الضرر المحتمل هنا، و ترك التعلّم قد يؤدّي إلى ترك الواجب أو ارتكاب المحرّم.

«-4 أن يكون ترك التعلّم قبل الوقت موجبا لفوات الواجب في ظرفه.»[8]

    4. المقدّمات المفوِّتة: إذا كان أداء الواجب موقوفاً على التعلّم قبل الوقت، يصبح التعلّم واجباً؛ لأنّ ترك التعلّم يوجب فوات الواجب، و هذا هو عنوان «المقدّمة المفوِّتة».

ب) العلم بعدم الإبتلاء

«ب: اذا علم بعدم الابتلاء فلا ينبغي الاشكال في عدم وجوب التعلّم. فانّه لا دليل على وجوب تعلّم ما يختصّ بالنساء على الرجال و العكس، و كذا لا دليل على وجوب ما يختصّ بالعبيد على الاحرار الّا من باب وجوب حفظ الاحكام عن الانمحاء و الاندراس، و هو واجب كفائي خارج عن محل الكلام، اذ الكلام في وجوب التعلم عينيّا.»[9]

ج) الشك في الابتلاء و عدمه

«ج: أمّا مع الشك في الابتلاء، فالمعروف بينهم وجوب التعلم بعين الملاك المتقدّم، و هو حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل، و ربّما يقال بعدم وجوبه لاستصحاب عدم الابتلاء على نحو الاستصحاب الاستقبالي.»[10]

عندما يكون المكلّف شاكّاً فيما إذا كان سيُبتلى بمسألة ما في المستقبل أم لا فإنّ المعروف بين العلماء هو وجوب التعلّم. هذا يعني أن التعلّم يصبح واجباً في الحالات التي يوجد فيها احتمال عقلائي معتبر للابتلاء، بينما لا يلزم التعلّم إذا كان الاحتمال ضعيفاً و غير عقلائي.

و هناك بعض العلماء يذهب إلى أن التعلّم لازم حتى في المسائل التي لا يُبتلى بها المكلّف عادةً، و السبب في ذلك هو منع «إندراس الأحكام». و يُستدل على هذا الرأي بشكل خاص بالفترات الزمنيّة السابقة، حيث لم يكن الوصول إلى الفقيه أو كتب الفقه سهلاً، فكان تعلّم الأحكام غير المبتلَى بها ضرورة للحفاظ على المعارف الدينيّة.

 


logo