« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

47/04/26

بسم الله الرحمن الرحیم

تعلّم الأحکام الشرعیّة واجب أم لا؟/الأوامر (مقدّمة الواجب) /مباحث الألفاظ

 

الموضوع: مباحث الألفاظ/الأوامر (مقدّمة الواجب) /تعلّم الأحکام الشرعیّة واجب أم لا؟

 

خلاصة الجلسة الماضية: كانت المناقشة في الجلسة السابقة تدور حول مسألة «تعلُّم الأحكام من حیث إنّها مقدّمات للواجب»، السؤال هو: أنّ تعلّم الأحکام الشرعیّة واجب أم لا؟ لأنّ العلم إذا لم یکن شرطاً للتكليف، فيجب تعلُّم الأحكام لأداء الواجبات بشكل صحيح.

في هذا الصدد، طُرِحَت أربعة آراء:

١) المحقق الخراساني: تعلُّم الأحكام واجب مُطلقاً، حتى في الواجبات المشروطة.

٢) المحقق النائيني: وجوب التعلُّم يقتصر على المسائل «عامَّة البلوى».

٣) الرأي الثالث: وجوب التعلُّم يكون فقط في حال العلم أو الاطمئنان بالابتلاء.

٤) السيد الشاهرودي: التعلُّم واجب فقط عند الابتلاء و في حال عدم إمكانية الاحتياط.

أما درس اليوم، و في سياق استمرار مباحث الأصول، فيدور حول مسألة «مقدّمة الواجب» و«وجوب تعلُّم الأحكام». و السؤال الأساسي هو: هل تعلُّم الأحكام كمقدّمة الواجب، واجب مُطلقاً أم أنّ المسائل عامَّة البلوى هي الواجبة فحسب؟

بیان لـرأي المحقّق الناییني:

ذکر المحقّق النائيني (رحمة الله عليه) أنَّ المسائل العامَّة البلوى، هي المسائل التي يبتلى بها غالب الناس، و لذا يجب على المكلَّف أن يتعلَّم أحكامها.

دلیل المحقّق النائیني

«العقل كما يستقلّ بوجوب النّظر في معجزة مدّعى النّبوة، كذلك يستقلّ بوجوب تعلّم أحكام الشّريعة و الفحص عن الأدلّة و المقيّدات و المخصّصات، إذ المناط في الجميع واحد، و هو استقلال العقل بأنّ ذلك من وظيفة العبد، و من هنا لا يختصّ وجوب التعلّم بالبالغ، كما لا يختصّ وجوب النّظر إلى المعجزة به، بل يجب ذلك قبل البلوغ إذا كان مميّزا مراهقا ليكون أول بلوغه مؤمنا و مصدقا بالنّبوة، و إلّا يلزم ان لا يكون الأيمان واجبا عليه في أوّل البلوغ، هذا بالنّسبة إلى الأيمان و كذلك بالنّسبة إلى سائر أحكام الشّريعة يجب على الصّبيّ تعلّمها إذا لم‌يتمكّن منه بعد البلوغ. فتحصل: انّه لا يقبح عند العقل عقاب تارك التّعلّم، و الأحكام تتنجّز عليه بمجرّد الالتفات إليها و القدرة على امتثالها إلّا ان يكون هناك مؤمن عقليّ أو شرعيّ.»[1]

إنَّ دليل هذا الرأي هو أنَّ الإنسان بحسب مقتضى العقل، مُلزَم باختيار شريعته حتّی قبل البلوغ. یستخدم المحقّق النائيني (رحمة الله عليه) لفظ «المميِّز»؛ أي إنّ الشخص يملك قدرة الفهم و التمييز قبل البلوغ فعليه واجبٌ عقليٌّ بالتعرّف إلى الأحكام، ليُهيِّئ نفسه للتكليف. و بعبارةٍ أخرى، كما أنّ اختيار الدين واجبٌ على الإنسان، فكذلك معرفة الأحكام قبل البلوغ لازمة. و من ثَمَّ یجب تعليم الأطفال أحکامهم الشرعيّة منذ الصغر إلى ما قبل البلوغ، حتى إذا بلغوا سنّ التكليف، يعرفوا ما يجب عليهم فعله من الصلاة و الصيام و غُسل الجنابة و سائر الأحكام المتعلّقة بهم.

القول الخامس: تعلّم المقدّمات المفوّتة

قال الشیخ حسین الحلّي(رحمةالله‌علیه):

«أنّ لزوم التعلم في الموارد التي يمكن فيها الاحتياط لا يكون إلاّ من قبيل الشرط في الرجوع إلى الأصل النافي، و أنّ ملاكه هو تنجّز الأحكام بمجرّد احتمالها، و في الموارد التي لا يمكن فيها الاحتياط لا يكون إلاّ بملاك متمّم الجعل، فلا يكون وجوبه إلاّ شرعيّاً و يتوقّف على الدليل عليه»[2]
المحقّق النائیني (رحمةالله‌علیه) إلى وجوب تعلُّم المقدّمات التي إذا تُرِكَت أدَّت إلى فَوات الواجب؛ أي إذا لم يتعلَّمها الشخص، فقد لا يتمكَّن من أداء الواجبات أو ترك المحرَّمات عند تكليفه، و هذا ممّا يؤدّي إلى فوات التكليف.

و تشمل المقدّمات المفَوِّتة الأحكامَ التي يؤدّي الجهل بها إلى منع إقامة الواجبات أو الوقوع في المحرَّمات.

الأمثلة:

     الجهل بأحكام الطهارة والنجاسات يمنع صحّة إقامة الصلاة.

     الجهل بالمحرَّمات قد يُوقِع الإنسان في ارتكابها خطأً.

إذا اعتبرنا تعلُّم الأحكام واجباً نفسیّاً، فإنّ ترك هذا التعلُّم يستوجب العقاب.

و قد أيَّد آية الله الشاهرودي (رحمة الله عليه) هذا الرأي بقوله: «إنّ وجوب التعلّم ممّا لا يمكن الالتزام به و علی تقديره لا وجه للفرق بین المسائل العامّة البلوى و بین غیرها في وجوب الأولی دون الثانیة؛ فإن مجرّد الابتلاء لا يكون دلیلاً علی الوجوب. و لا يمكن جعل مستند القائلین بوجوب التعلم نفسیّاً_ بحیث يترتّب علی تركه العقاب و إن لم يفت به الواجب_ كثرة الابتلاء و نحوها من الأمور الاعتباريّة و الوجوه الاستحسانیّة؛ لأنّهم أجلّ شأناً و أرفع مقاماً من استناد هذا إلیهم... فتلخّص من جمیع ما ذكرنا أمور: ... الثاني: أنّ وجوب التعلّم و غیره من المقدّمات المفوّتة يكون بمناط واحد و هو حفظ الواجب في ظرفه. الثالث: أنّ وجوب التعلّم لیس نفسیاً حتّی يوجب تركه الفسق، بل طريقيّ متمّم لخطاب الواجب.»[3]

يقول: إنّ تعلّم المقدّمات المفوّتة واجبٌ، و لكن وجوبه ليس نفسيّاً بل طريقيّاً؛ أي إنّ الوجوب إنّما هو من باب الطريق إلى أداء الواجب، لا لذاته فإذا أدّى الإنسان واجباته بالاحتياط من دون أن يتعلّم تلك المقدّمات، فلا يُعاقَب على ترك التعلّم، لأنّ العقاب يترتّب على فوات ذي المقدّمة لا على ترك المقدّمة نفسها.

و معنى الوجوب الطريقي هو أنّ العقاب يلحق من لم يتمكّن من أداء الواجبات بسبب جهله و عدم تعلّمه، أمّا من احتاط فأدّى الواجبات على وجهٍ صحيح رغم عدم التعلّم، فلا عقاب عليه.

بیان «العقاب علی ترك ذي المقدّمة»

إنّ العقاب مترتّب على ترك ذي المقدّمة؛ لأنّه يُقال: إنّ المكلَّف لمـّا ترك ذي المقدّمة استحقّ العقاب، أمّا على ترك المقدّمة نفسها فلا يُعاقَب استقلالاً. فمثلاً إذا لم يتعلّم المكلَّف الأحكام الشرعيّة، فإنّ مجرّد ترك التعلّم لا يوجب العقاب، و لكن إذا أدّى هذا الترك إلى ترك الواجب، فالعقاب يكون على ترك ذي المقدّمة، و هذا هو معنى الوجوب الطريقي.

و توضيحه أنّه في الوجوب الطريقي يكون العقاب على ترك المقدّمة تابعاً لترك ذي المقدّمة، لأنّ الملاك في العقاب هو ترك الواجب نفسه لا ترك طريقه و وسيلته. و لذلك إنّ المكلَّف إذا أمكنه امتثال التكليف على وجهٍ صحيح عن طريق الاحتياط، و إن لم يتعلّم، فلا يُعاقَب، لأنّ غرض الشارع و هو أداء الواجب قد تحقّق. نعم، أحياناً يؤدّي ترك المقدّمة إلى ترك ذي المقدّمة، و في هذه الحالة يكون العقاب لأجل ترك ذي المقدّمة لا لترك المقدّمة نفسها.

برأینا إنّ الإنسان يجب أن يتعلّم المسائل التي يبتلي بها، علی سبیل المثال: لا يجب على الرجل أن يتعلّم أحكام الحيض و النفاس لأنّه غير مبتلى بها، و كذلك الفقير الذي لا يقدر على الحجّ لا يجب عليه أن يتعلّم أحكام الحجّ.

 


[3] نتائج الأفكار في الأصول، سیدشاهرودی، ج۱، ص281.
logo