47/04/04
بسم الله الرحمن الرحیم
رجوع القیود إلی المادّة أو الهیئة/الأوامر /مباحث الألفاظ
الموضوع: مباحث الألفاظ/الأوامر /رجوع القیود إلی المادّة أو الهیئة
ملخص الجلسة السابقة:
دار النقاش في الجلسة السابقة حول: هل التقیید، تقیید المادّة أم تقیید الهیئة؟ و بعبارة أخرى: هل التقیید للوجوب أم للواجب؟ إذا ورد قید في کلام الشارع، فهل هذا القید للمادّة أم للهیئة؟
ثمرة البحث:
ثمرة هذه المسألة واضحة:
• إذا کان القید للوجوب: تصبح مقدّمات الواجب بعد هذا القید واجبةً.
• إذا کان هذا القید للواجب: فإنّ مقدمات الواجب مثل الوضوء و الغسل تکون واجبةً.
• أما کسب الاستطاعة للحج فلیس بواجب؛ لأنّ الاستطاعة شرط للوجوب.
إذًا:
• الصلاة لها شروط للواجب (الوضوء و الغسل).
• الحجّ له شروط للوجوب (الاستطاعة).
شروط الوجوب لا يجب تحصيلها، أمّا شروط الواجب فيجب تحصيلها و يجب الإعداد لها.
حالات الاتفاق و الاختلاف:
1. إذا علمنا أنّ الشرط هو شرط للوجوب، كالاستطاعة، فلا خلاف.
2. و كذلك إذا علمنا أنّ الشرط هو شرط للواجب، كالوضوء، فلا خلاف أيضاً.
3. أما إذا شككنا في أن هذا القيد هل هو شرط للوجوب أم شرط للواجب، فهنا يحدث الخلاف بين العلماء.
أقوال العلماء
1. الشيخ الأنصاري، و الإمام الخميني (رحمهما الله) و جماعة آخرون:
2. یقولون: إنَّ الشروط المشکوکة هی شرط الواجب.
3. الآخوند الخراساني (صاحب الکفایة)، و المحقّق الخوئي و تلامذتهم:
یقولون: إنَّ الشروط المشکوکة هی شرط الوجوب.
في القرآن الکریم آیات کثیرة تأمر بالصلاة، مثل: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾[1] و لکن في آیة أخرى یقول- تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلَی غَسَقِ اللَّیْلِ﴾[2] هنا یطرح السؤال: هل هذا القید «لِدُلُوکِ الشَّمْسِ» قیدٌ للواجب أم قیدٌ للوجوب؟
یقول الشیخ الأنصاري و الإمام الخمیني (رحمهما الله):
هذا القید متعلّق بالواجب، أي أنَّ أصل الصلاة واجب علیکم؛ فمثلاً في الساعة الحادیة عشرة تکون الصلاة واجبةً، و إن لم یؤذّن بعد. الوجوب موجود، و لکنّ الواجب (أي التحقّق الخارجي للصلاة) یتحقّق في الساعة الثانیة عشرة. إذن فـ«دلوك الشمس» قید للواجب، لا قید للوجوب.
السؤال
إذا کان لدى الشخص ماءٌ فی الساعة الحادیة عشرة و النصف، و هو یعلم أنّ الماء سینقطع فی الساعة الثانیة عشرة، هل یجب علیه أن یغتسل للغُسل الواجب (مثل غُسل الجَنابة أو الحیض أو النِّفاس أو الاستحاضة) أم لا؟
الأقوال الفقهیة:
• قول الشیخ الأنصاري والإمام الخمیني و أکثر العلماء (بما فیهم آیة الله السیستاني):
• یجب أن یغتسل قبل دخول وقت الصلاة؛ لیتهیأ لأداء الصلاة. [3] [4]
• قول الآخوند الخراساني (صاحب الکفایة):
• لا یجب الغُسل قبل الوقت. إذا دخل وقت الصلاة و وجد الماء، یغتسل و یصلي؛ و إن لم یجد الماء، یتیمّم. قال الله- تعالی: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾[5] ؛ الوقت شرط لوجوب الصلاة، فلا تکلیف قبل دخوله، ولا یجب إلزام النفس بالغُسل مقدماً. [6] [7] [8]
إستدلال الطرفین
• استدلال الشیخ الأعظم الأنصاري و الإمام الخمیني و الأکثر من العلماء:
«الوجوب مطلقٌ و الواجب مقیدٌ»؛ أي: إنَّ وُجوبَ الصَّلاةِ مُطلَقٌ، وَ هُوَ دَائِماً ثَابِتٌ في ذِمَّةِ المُكَلَّفِ. وَ يَجِبُ أنْ تَكونَ مُقَدِّماتُ الصَّلاةِ مُسْتَعِدَّةً عَلَى الدَّوَامِ. قال الشیخ الأعظم الأنصاري: «لا إطلاق في الفرد الموجود منه المتعلق بالفعل حتى يصح القول بتقييده بالزمان أو نحوه فكل ما يحتمل رجوعه إلى الطلب الذي يدل عليه الهيئة فهو عند التحقيق راجع إلى نفس المادة.» [9]
• المحقّق الخراساني:
إنّ وجوب الصلاة مقيد بالزمان؛ فلا يجب تحصيل مقدماتها قبل دخول الوقت.
- القائلین برأي المحقّق الخراساني: المحقّق الخوئي و فریق من العلماء.
قال المحقّق الخوئي (رحمة الله علیه): «إنّ ظاهر الجملة الشرطية و الخطاب التعليقي كون الاشتراط راجعاً إلى مفاد الهيئة، و هو الوجوب، لا الى المادّة، و هو الواجب، فانّ مفاد قولنا: إن جاءك زيد فأكرمه، بحسب المتفاهم العرفي أنّ وجوب الإكرام مشروط بالمجيء، لا أنّ الوجوب فعلي متعلّق بالإكرام على تقدير المجيء.»[10]
الإجابة عن كلام المحقّق الخراساني:
۱) الشروط إما اختيارية أو غير اختيارية
• الشروط الاختيارية (كالوضوء) يجب توفيرها.
• الشروط غير الاختيارية (كدخول الوقت) ليست بيد المكلف، بل تتحقق تلقائياً.
إذا كانت الشروط غير الاختيارية تتطلّب مقدّماتٍ (كالغسل قبل انقطاع الماء)، فيجب تحصيل هذه المقدمات الاختيارية مسبقاً.
۲) هناك بحث آخر و هو ضرورة فهم إرادة المولى قبل الأمر. أمر المولى (أقيموا الصلاة) يكشف عن إرادته، و إرادة المولى تابعة للمصالح و المفاسد.
مصلحة الصلاة مطلقة (الصلاة معراج المؤمن)، ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾[11] ، لذا إرادة المولى مطلقة أيضاً. لكن في الواقع الخارجي تظهر موانع (كعدم وجود الماء أو الملابس الطاهرة). هذه القيود متعلقة بالوجود الخارجي، و لا تتعلّق بأصل الوجوب.
النتيجة:
• القضية الحقيقية: الوجوب مطلق (الصلاة واجبة).
• القضية الخارجية: الواجب مقيد (في التحقيق الخارجي قد توجد موانع؛ كعدم الماء أو المرض و غيرها).
رأينا: كلام الشيخ الأنصاري (رحمة الله عليه) حیث قال: «إذا علمتم بعدم وجود الماء وقت الصلاة، يجب حفظ الماء للوضوء قبل الوقت» هو الصحيح. معنى هذا الكلام هو: أنّ القيود و الشروط شروط للمادة، أي شروط للواجب لا شروط للوجوب. الوجوب مطلق و يشمل جميع الأفراد، و قبل دخول الوقت تكون الصلاة واجبةً عليك؛ لذا يجب توفير مقدماتها؛ أي قبل الوقت يوجد الوجوب لكن لا يوجد الواجب بعد.
الخلاصة
• رأي الشيخ الأنصاري و الإمام الخميني و أكثر العلماء: الوجوب مطلق و الواجب مقيد.
• رأي الآخوند والمحقق الخوئي: الوجوب مقيد.
• الشروط الاختیارية يجب تحصيلها، بينما الشروط غير الاختيارية لا تحتاج إلى تحصيل.
• مصالح المولى في العبادات مطلقة، و التقييدات متعلّقة بالتحقيق الخارجي.