« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

47/03/29

بسم الله الرحمن الرحیم

رجوع القیود إلی المادّة أو الهیئة/الأوامر /مباحث الألفاظ

 

الموضوع: مباحث الألفاظ/الأوامر /رجوع القیود إلی المادّة أو الهیئة

 

ملخص الجلسة السابقة: كانت مناقشتنا في الجلسة الماضية تدور حول هذا السؤال و هو أنّ القيود و الشروط ترجع إلى المادة (الـمادّة) أم ترجع إلى الهيئة؟ و بعبارة أخرى: هل الشروط هي شروط الوجوب أم هي شروط الواجب؟

أقسام الشروط

     إذا أيقنّا بأنّ شرطاً ما، هو شرط الوجوب، فإنّ اجتهادنا يكون تامّاً و لا بحث فيه؛ مثل البلوغ:

         البلوغ شرط الوجوب؛ فبدون البلوغ، لا يأتي الوجوب.

         العقل أیضاً شرط الوجوب .

         الاستطاعة هکذا شرط للوجوب: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حجّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾[1]

     بعض الشروط ليست شروط الوجوب بل هي شروط الواجب.

         مثل الوضوء للصلاة: الوضوء شرط للواجب لا للوجوب.

         و مثل الغسل للصلاة: الغسل شرط للواجب أیضاً لا للوجوب.

إذن: وجوب الصلاة لیست منوطاً بالوضوء و الغسل؛ لکن إتیانها منوط بهما.

إذن، بعض الشروط هي شروط الوجوب، و البعض الآخر شروط للواجب. فإذا استنتجنا من الأدلّة أنّ شرطاً ما هو شرط للوجوب (مثل الاستطاعة للحج)، فلا إشكال لدينا، و إذا استنتجنا أنّه شرط للواجب (مثل الوضوء)، فالأمر واضح أيضاً: الوجوب غير منوط به، و لكن يلزم لإتيان الواجب.

نقطة الخلاف الأساسیّة

إنّما الإشکال في الحالة التي يُذكر فيها شرطٌ و لا نعلم هل هو شرط الوجوب أم شرط الواجب؟ مثال: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلَی غَسَقِ اللَّیْلِ﴾[2] هنا يجب النظر: هل الوقت شرط للوجوب أم هو شرط للواجب؟

الصورة الأولی: شرط الوجوب

إذا قلنا إنّ الوقتَ شرطُ الوجوب، فهذا يعني أنّ الوجوب لا يأتي إلّا بعد دخول وقت الأذان (الظهر)؛ أي: يجب علينا منذ تلك اللحظة أن نبحث عن الماء و نتوضأ و نغتسل و نجد مكاناً طاهراً و ثوباً طاهراً، ثمّ نؤدّي الصلاة.

الصورة الثانیة: شرط الواجب

أمّا إذا قلنا إنّ الوقتَ شرطُ الواجب: فالوجوب كان في الذمّة من قبل. مثلاً: إذا كنا نعلم مسبقاً أنّ الماء سينقطع عند الساعة المعيّنة، فيجب علينا أن نحتفظ بالماء للوضوء من قبل. و إذا كان لدينا ثوب طاهر و نعلم أنّه لن يتوفّر لنا ثوب طاهر بعد هذا الوقت، فيجب أن نحتفظ به. و إذا كنّا نعلم أنّنا سندخل مكاناً مغصوباً بعد أذان الظهر، فيجب علينا البقاء الآن في تلك الأرض غير المغصوبة لكي نتمكّن من أداء الصلاة في مكان مباح.

إذن:

     إذا كان الوجوب مطلقاً و الواجب مقيّداً، فإنّ المقدّمات تكون لازمة التحصيل من قبل.

     إذا كان الوجوبُ مشروطاً بالوقت، فلا تكليفَ علينا قبل الوقت. و مثال ذلك الاستطاعة في الحج: فإذا أنفق ماله و زالت استطاعته، لا يأتي الوجوب. و إذا حفظ ماله، تحقّقت الاستطاعة.

فالسؤال: هل يجب حفظ المقدّمات أم لا؟

الآراء (النظريّات)

في هذه المسألة، يوجد رأيان قويّان:

القول الأوّل: رجوع الشرط أو القید إلی المادّة[3] [4] [5]

الشيخ الأنصاري (رضوان الله عليه) يذهب إلى القول بـ «الوجوب المطلق». و علی ما ذهب إلیه فإنّ مقدّمات الواجب واجبة التحصيل (أي يجب تحصيلها من قبل). إذا علمت أنّ الماء سينقطع قبل أذان الظهر، فيجب عليك حفظ الماء قبل أذان الظهر. القيود و الشروط هي شروط للواجب (أي شروط للمادّة) و ليست «شروطاً للوجوب».

- من أنصار رأي الشیخ الأعظم: الإمام الخمیني و بعض آخر.

إستدلال الشیخ الأعظم (رحمه‌الله)

مطلوب المولی له مصلحة تامّة فعلینا أن نهیّئ مقدّماتٍ لها قابلیّة التحصیل حتّی نحقّق مصلحة المولی تماماً. قال (رحمه‌الله): «لا إطلاق في الفرد الموجود منه المتعلّق بالفعل حتّى يصحّ القول بتقييده بالزمان أو نحوه فكلّ ما يحتمل رجوعه إلى الطلب الذي يدلّ عليه الهيئة فهو عند التحقيق راجع إلى نفس المادّة [6]

 

القول الثاني: أنّ الشرط من قیود الهیئة (القید يرجع إلی الهیئة)[7] [8] [9]

ذهب المحقّق الخراساني (رحمه‌الله) صاحب الکفایة إلی أنّ الوجوب و الواجب یأتیان بدخول الوقت. و لا تکلیف قبل أذان الظهر. إن کان هناك ماء فتوضّأ و إلّا فتَیَمَّم.

- أنصار رأي المحقّق الخراساني: المحقّق الخوئي و فریق من العلماء.

قال المحقّق الخوئي (رحمة الله علیه): «إنّ ظاهر الجملة الشرطيّة و الخطاب التعليقي كون الاشتراط راجعاً إلى مفاد الهيئة، و هو الوجوب، لا إلى المادّة، و هو الواجب، فإنّ مفاد قولنا: إن جاءك زيد فأكرمه، بحسب المتفاهم العرفي أنّ وجوب الاكرام‌ مشروط بالمجي‌ء، لا أنّ الوجوب فعلي متعلّق بالإكرام على تقدير المجي‌ء.»[10]

إستدلال المحقّق الخراساني:

قال الله- تعالی: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً﴾[11] ؛ إنّ دخول الوقت شرط للوجوب و لیس قبله تکلیف حتّی نلتزم به.

الحاصل

بناءاً علی ما قلنا فإنّ الخلاف الأساسي في:

أنّ الوجوبُ هل هو مطلقٌ (الشيخ الأنصاري) أم مقيَّدٌ بالوقت (الآخوند الخراساني)؟

     بناءً على المبنى الأوّل، يجب حفظُ المقدّمات و إعدادُها قبل الوقت.

     بناءً على المبنى الثاني، لا حاجةَ للإعداد قبل الوقت.

کلام الشیخ الأعظم (رحمه‌الله) هو أنّ مطلوب المولی یکون ذا مصلحة و یجب تحصیل المصلحة. أنت قادر علی الطهارة المائیّة (حیث إنّ الماء موجود قبل الظهر)؛ فیجب تأمین إرادة المولی و علیك أن تؤدّي صلاة ً مع الطهارة المائیّة. فلذلك یجب علینا حفظ الماء حتّی تتحقّق الطهارة المائیّة.

برأینا: إنّ کلام الشیخ الأعظم الأنصاري (رحمة الله علیه) یکون صحیحاً حیث قال: وجب علینا حفظ الماء إن علمنا أنّنا سنفقد الماء بعد دخول الوقت. و یکون معنی کلامه أنّ القیود و الشروط شروط للمادّة أي الواجب لا الوجوب. الوجوب مطلق و یشتمل جمیع الأفراد فیجب الصلاة علیك حتّی قبل دخول الوقت؛ فلذلك وجب إعداد المقدّمات؛ أي قبل الوقت یوجد هناك وجوب و لم یکن واجب بعدُ.


logo