47/04/22
بسم الله الرحمن الرحیم
العفّة/صفات المؤمن /شرح حدیث جنود العقل و الجهل
الموضوع: شرح حدیث جنود العقل و الجهل/صفات المؤمن /العفّة
فضیلة العفة في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام):
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «افضلُ العبادةِ العفافُ»[1]
حقّاً إنّه لأمر عجيب أن يصف (عليه السلام) العفّة بأنّها أعلى من جميع العبادات. كلّ هذه الأدعية و الصلوات و قيام الليل و العبادات و الصيام، كلّ هذه العبادات توضع في كفّة و لكن عفّة الإنسان أسمى من جميعها.
أفضل العبادات من منظور الإمام الباقر (عليه السلام):
و يقول الإمام الباقر (عليه السلام) أيضاً: «ما من عبادةٍ أفضل من عفة بطن و فرج»[2] أي إذا أردنا أن نعرف أعلى عمل و أفضل عبادة فيما يخصّ العلاقة مع الله، فهي عفّة البطن و الفرج بعينها. فالصلاة و الدعاء و الذكر و زيارة عاشوراء و الزيارة الجامعة و دعاء الندبة و دعاء كميل كلّها قيّمة و عظيمة، و لكنّ الأهمّ من ذلك كلّه هو أن تحفظ بصرك و تراقب سلوكك، و ألّا تفعل ما يخالف الشرع.
عفّة البطن (في الأكل) و عفّة الفرج (في المسائل الجنسية)، كلاهما من أجلّ العبادات. أمّا سائر العبادات فهي كالزينة و لكن أصل جوهر العبوديّة هو العفّة.
قول الإمام الخميني (رحمهالله) في باب العفّة والاعتدال:
قال الإمام الخميني (أعلى الله مقامه الشريف) في كتابه الشريف الأربعون حديثاً، في شرح حديث جنود العقل و الجهل، كلاماً قيّماً في هذا الباب. يقول: في كل علاقة، سواء أكانت متعلّقةً بالبطن أم بالأمور الجنسيّة، يجب أن يُراعى عدم الوقوع في الإفراط أو التفريط. فإن بلغتم الإفراط، وقعتم في المعصية، و إن بلغتم التفريط، وقعتم أيضاً في المعصية. الطريق الصحيح هو التوسّط.
الإسلام يقول: «خيرُ الأمورِ أوسَطُها» – أي إنّ أفضل الأعمال أوسطها. فلا تُهملوا المرأة، و لا تُفرِطوا في الأمور الجنسيّة. و لا تتركوا الأكل و الشرب، و لا تأكلوا كلّ ما تشتهون. الاعتدال هو الطهارة و السلامة و أكل الحلال. و العفّة في البطن و العفّة في الفرج هي هذا بعينه: المراقبة في حدود الاعتدال.
ولا ينبغي للإنسان أن يبتعد عن الزواج و العلاقات الصحيحة، و لكن الإفراط أيضاً غير صحيح. فالإفراط و التفريط كلاهما مذمومان، و يجب الانتباه الكامل لهذا الجهاد الداخلي.
أهمیّة العفاف في مجتمعنا الیوم:
إنّ النقطة التي تحتاج اليوم في مجتمعنا إلى اهتمامٍ كبير هي مسألة العفّة، للنساء و الرجال على السواء. للأسف، يُسمع أحياناً أنّ الفساد قد انتشر في المجتمع، و أنّ بعض النساء لا يتحلّين بالعفّة التي ينبغي أن تكون فيهنّ. و لا بدّ من البحث عن الجذور. فجزءٌ من هذه المشكلة يعود إلى الاقتصاد و الفقر، و جزءٌ آخر إلى قلّة الدين و عدم الاهتمام و ضعف الثقافة. إنّ من يعاني من الفقر لا يُصلَح أحياناً بالموعظة، لأنّه لا يجد وقتاً لذلك، فيكون الدين نفسه في معرض الخطر.
قصّة من أيام الدفاع المقدّس:
كانت إحدى الممرّضات في زمن الحرب تروي أنّهم كانوا ينقلون الجرحى إلى غرفة العمليّات الجراحیّة ليُجري الأطبّاء لهم االعمل الجراحي. و ذات يوم، أحضروا جريحاً كانت جميع عروقه ممزّقةً، و كان الدم يتفجّر من جسده فوراناً، و هو بين الغيبوبة و الوعي. في تلك اللحظة قال لي الطبيب: «ضعي خمارك جانباً كي ننقلهم بسرعة إلى الداخل، إنّهم يموتون!»
و لكنّي لم أضع خماري جانباً، فإذا بالجريح الذي كان يحتضر أمسك بخماري و قال: «إنّني أُستشهَد لأجل أن تحفظي هذا الخمار، فلا تتركيه!»
بقيت تلك الكلمة في ذهني، فلم أستجب لكلام الطبيب، و لم أترك خماري، بل أتممت عملي بسرعة و أنا محافظة عليه.
و هذا السلوك كان درساً عظيماً من إيمان الشهيد و غيرته؛ فقد بذلوا أرواحهم لتُحفظ العفّة و الحجاب في المجتمع.
واجبنا الیوم حول حفظ الحجاب و العفّة:
كلّ تلك الدماء الطاهرة للشهداء و الجرحى في سبيل الله، من أجل ماذا كانت؟ كانت من أجل أن يبقى الإيمان و الحجاب و العفّة في المجتمع الإسلامي.
لذلك:
أيّها السادة الأعزّاء و أیّتها السادات المحترمات!
اُحرصوا على بناتكم و أُسرِكم ليحافظوا على حجابهم، فإنّ مسألة العفّة و الحجاب من أهمّ قضايا المجتمع الإسلامي. و على كلّ إنسان أن يؤدّي واجبه على الوجه الصحيح ليبقى المجتمع سليماً.
نموذج العفة: السيدة الزهراء و السيدة زينب (عليهما السلام)
علينا أن نكون تابعين و مقتدين بالسيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) و السيدة زينب (سلام الله عليها). فكيف كانت حياة هاتين السيدتين العظيمتين؟
عندما كانت السيدة زينب (سلام الله عليها) تخرج من المنزل، كان إخوتها يرافقونها. سأل الإمام الحسن (عليه السلام) أمير المؤمنين علي (عليه السلام) عن سبب مرافقة الإخوة لها في الخروج، فأجاب الإمام علي (عليه السلام) بقوله: «أخشى أن ينظر أحدٌ إلى شخص أختِک زینب»[3] . بالرغم من أنهن كنّ يرتدين الحجاب و الستر الكامل، إلا أنهن كنّ يحرصن غاية الحرص على ألا يرى أحدٌ هيئتهن حتى تحت الحجاب. هذا المستوى من الدقّة و المراقبة هو علامة على ذروة العفة و الغيرة الدينية.
الخلاصة:
في المجتمع الإسلامي، يجب على كلّ فرد أن يؤدّي واجبه على الوجه الصحيح. علينا جميعاً أن نكون حذرين في سلوكنا و نظراتنا و أقوالنا و سِترنا. حاشا أن نفعل شيئاً لا يرضي الإمام صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
إن شاء الله، يوفقنا الله لكي نكون من العباد الطاهرين العفيفين الذين يرضى عنهم صاحب العصر و الزمان.