« قائمة الدروس
الحدیث الأستاذ محسن الفقیهی

47/04/15

بسم الله الرحمن الرحیم

العفّة/صفات المؤمن /شرح حدیث جنود العقل و الجهل

 

الموضوع: شرح حدیث جنود العقل و الجهل/صفات المؤمن /العفّة

العفّة، أساس كلّ الفضائل الأخلاقيّة:

من أهمّ الواجبات على الإنسان، مسألة العفّة. و قد ورد التأكيد على هذا الموضوع بشدّة في الروايات أيضاً. و قد أشرنا في المباحث السابقة إلى أنّ الإمام السجاد (عليه السلام) قد قال: «ما من شیء أحبّ إلى الله بعد معرفته من عفّة بطنٍ و فرجٍ»[1] ؛ تشير هذه الرواية إلى أن العفّة في مرتبة أعلى من كلّ العبادات مثل الصلاة و الصوم أو الحج، بعد معرفة الله- سبحانه.

أهمية العفّة في الإسلام:

إنّ الصلاة والصوم و الحج من الفرائض الإلهيّة المهمّة، إلّا أنّها تقع في مرتبة أدنى أمام مكانة العفّة. فإذا سئل أحد عن أفضل الأعمال بعد معرفة الله، فإنّ الإجابة واضحة: الأوّل معرفة الله ثمّ العفاف.

عفة البطن و الفرج:

يبين الإمام السجاد (عليه السلام) في الرواية المذكورة بعدين من أبعاد العفة:

    1. عفة البطن: و هي أن يحرص الإنسان على طعامه و شرابه، و أن يتجنّب أكل الحرام و لا يعتدي على مال الناس، و أن تكون لقمتُه طيّبةً.

    2. عفة الفرج: و هي الطهارة في القضايا الجنسيّة و الشهوانيّة، و الاجتناب من کلّ معصیّة و محرّم.

التشبيه بين العِفّة و الحمیّة للعلاج:

العِفّة في الحياة تشبه الحمیّة لعلاج المرض. فعندما يمرض الإنسان، يصف له الطبيب الدواء و الحقن و النظام الغذائي، و يقول له في الوقت ذاته: «عليك بالحمیّة». فإذا تناول المريض جميع الأدوية لكنّه لم يمتنع عن المحظورات، فإنّ جميع الأدوية تصبح بلا أثر.

و الأمر كذلك في العبادة؛ فلو صلّى الإنسان ألف ركعة و صام و لكن لم يكن عفيفاً، أي تعدَّى على أموال الناس أو انغمس في الشهوات، فإنّ جميع عباداته تذهب هباءً منثوراً.

خطر المال الحرام

من المؤسِف أنّ بعض الأشخاص یلتزمون بصلاة اللیل و الدعاء و العباده، لکنّهم یفرّطون فی المسائل المالیّه. فأحیاناً یأکلون أموال الناس بتبریرات دینیّة و یقولون: «لا باس في ذلك» و هذا التعدّي علی أموال الناس من أعظم الذنوب. و قد ورد فی الروایات: «مَن نَبَتَ لَحمُهُ من السُّحت فالنار أولى به»[2] .

بعضهم یستأجر العمّال و لا یؤدّون حقوقهم، أو یخدعون الناسَ في المعاملات و یَعُدّون ذلك فطانةً! هذا السلوك ینافي تماماً مع روح الدین.

التضادّ بین العبادة و الشهوة:

قد یکون الإنسان مجتهداً جدّاً فی عبادته؛ یصلّي صلاة اللیل و یدعو و یزور، لکنّه لا یستطیع أن یسیطر علی نفسه أمام الشهوه. یقول: «أنا أصلّي و أصوم، لکنّي لا أستطیع أن أمسك نفسي في المسائل الشهوانیّة. و هذا القول علامة علی ضعف الإیمان. من القبیح بالمؤمن أن یکون من أهل الدعاء و الثناء، لکنّه ینهزم أمام الشهوات.

و قد ورد فی الروایات: «العِفّةُ رأسُ كلِّ خير»[3] .

الزلل فی المسائل المالیّة و الشهوانیّة:

یقع أحیاناً الأشخاص المحترمون من العلماء أو المتدیّنین، في هذین الزللین: یتعدَّون علی حقوق الآخرین فی المسائل المالیّة أو یرتکبون اخطاءاً في المسائل الشهوانیّة. هذان العاملان یذهبان ماء وجه الإنسان و یزلزلان أساس الإیمان.

العفّة في استخدام الوجوهات و الأموال العامّة:

من مصادیق عفّة البطن، المراقبة في مصرف الوجوهات الشرعیّة و الأموال العامّة. سُئل: هل آیة سهم الإمام و السادات خاصّة بالطلّاب فقط أو تشمل جمیع المحتاجین؟ الجواب واضح: هذا السهم لکلّ الأقسام، لا للطلاب فقط.

و قد جاء فی القرآن الکریم: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ...﴾[4] قال بعض الفقهاء إنّه یجب إعطاؤه لأفقر الناس (من هو أشدّ حاجةً)، لا لمجرّد الفقیر؛ أي لو کان هناك شخصان فقیران و کان وضعیّة أحدهما أسوء فالأولویّة له؛ إلّا أنّ أکثر الفقهاء المعاصرین لا یرون وجوباً في هذه المسئلة، لکن مراعاتها من مصادیق العفّة المالیّة و الاحتیاط الشرعي.

نماذج للفقر الشدید:

قد یکون هناك أناس مساکین حقّاً؛ ینامون علی کَرتُون و لیس لدیهم سجّادات أو مستلزمات المعیشة الأوّلیّة، و قد یصل الأمر إلی حدّ أنّه یعرض عائلته للخطر من أجل تامین المعیشة. فی مقابل هذا الوضع، یکون واجب المؤمنین ثقیلاً جدّاً و یجب الدقّة في مساعدة الأفقر.

ضرورة المحاسبة و المراقبة فی المال:

علی الإنسان أن یفکّر في اللقمة التی یتناولها: من أین جاء هذا المال؟ هل أدّیت الخمس؟ هل النفقة التی یأکلها أهلي حلال أم لا؟ و علی الطالب و العالم أن یکونوا أکثر الناس مراقبةً؛ لأنّ الناس ینظرون إلیهم. إذا لم نکـن نحن أهل المراقبة، فما هو المتوقّّع من الآخرین؟

إنزلاق المسؤولين و التغير بعد السلطة:

من مشكلات المجتمع أنّ الصالحين يتغيّرون تدريجيّاً بعد وصولهم إلى المناصب و المسؤوليات. في البداية يكونون متواضعين و مؤمنين، لكنّهم شيئاً فشيئاً يقعون أسرى للدنيا و المحسوبيّة و التوقيعات الظالمة. أثبتت تجربة الأربعين عاماً و أكثر أنّ الكثير من المسؤولين كانوا نزيهين في البداية، لكن ضغط المحيطين بهم و وساوس السلطة، غيّرتهم. و هذا هو زوال عفّة البطن؛ أي إنّ الإنسان يفقد ورعه أمام المال أو المنصب أو الرشوة.

الأمل في الإصلاح في الحكومة الإلهیّة:

ما دام البشر يتغيّرون و النظام الرقابي ضعيفاً، فلن تتحقّق العدالة الاجتماعيّة الكاملة. إنّ التطبيق الفعليّ للأحكام الإسلاميّة و التوزيع العادل للحقوق و أموال بيت المال، لن يتحقّق إلّا في زمن ظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه). و حتّى ذلك اليوم، يجب علينا الحفاظ على تهذیب النفس و المراقبة و العفة.

النتیجة:

هذا الحديث هو خلاصة جميع المباحث الأخلاقية. فعفة البطن و عفّة الفرج أسمى من الصلاة و الصيام و جميع العبادات؛ لأنّه إن لم يكن هذان الأمران، فلن تُؤتي أيّة عبادةٍ ثمارَها.

يجب على الإنسان أن يراقب لقمته و عرضه دائماً ليظلّ ثابتاً على طريق عبوديّة الله و يُختم له بالخير.

 


logo