47/04/08
بسم الله الرحمن الرحیم
العفّة/صفات المؤمن /شرح حدیث جنود العقل و الجهل
الموضوع: شرح حدیث جنود العقل و الجهل/صفات المؤمن /العفّة
العفَافُ زِينَةُ الفَقْرِ وَ جَوهَر الإیمانِ:
قرأنا في الجلسة الماضیة في مناقشاتنا الأخلاقيّة، هذا الحديث الشريف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة حيث قال: «العَفَافُ زِينَةُ الفَقْرِ وَ الشُّكْرُ زِينَةُ الغِنَى»[1] . أي إنَّ العِفَّةَ هي زینة الفقر و جماله، و الشكر هو زينةُ الغنى. فالإنسان الفقير إذا كان عفيفاً، كان ذا قيمة عظيمة جداً.
واقع العِفَّةِ في مُجتمعِنا اليوم:
للأسف، أصبحت قضية العِفَّةِ مشكلةً مُزمنةً في مُجتمعِنا. على الرغم من أنّ المذیاع و التلفزيون و الفضاء المجازي في متناول أيدينا، و يتمّ وعظ الناس يوميّاً، خاصّةً الشباب و النساء، و تلقينهم الدروس، إلّا أنَّ تأثيرنا يظلّ محدوداً. لم نتمكّن بعد من تربیة مجتمع عفیف. بالطبع، الكثير من الناس، رجالاً و نساءً، هم أناسٌ نُبَلاءُ و عُفَفَاءُ، و لكن أن نتمكّن من غرس العِفَّةِ في نسيجِ المجتمعِ بأكملهِ و تنميتها، لم يتحقق بعد. لم ننجح في تأسيسِ خُطوطِ العِفَّةِ في المجتمعِ و رعايتها لتنمو.
كلّ يومٍ تصلنا أخبارٌ تُفيدُ بازدياد ظاهرةِ التبرُّجِ، وقُصَرِ المَلاَبِسِ، بل و يقومُ البعضُ بتبريرِ هذا الأمرِ بنكاتٍ في الفضاءِ المجازي؛ فمثلاً يقولون: «ليس لدينا مالٌ لنشتري ثياباً، فاضطررنا لتقصيرها!» هذه النكات في حقيقتها دلالةٌ على داءٍ ثقافيٍّ عميق الجذور.
دور الأسرة في تربية العفّة:
يؤكد الأکابر و العلماء و منهم الإمام الخميني و آية الله الخوئي (رحمهم الله) على أنّ على كل أسرة واجباً و هو رعاية أبنائها. و لكن للأسف، أصبح من عادات الآباء في عصرنا التخلّي عن أبنائهم. يقولون: «دعوهم يكبرون كما يشاؤون. لا تزعجوهم. انظروا ما يحلو لهم». لكن هذه الطريقة غير صحيحة. يجب تربية الأبناء بالتشجيع و المحبة.
أتذكّر أمّي (رحمها الله) عندما كنا في الرابعة من عمرنا، كانت تشجّعنا على الصلاة. كانت تقول: «صلِّ سأعطيكم شوكولاتة، سأعطيكم كذا و كذا». كنا نبدأ بالصلاة منذ الرابعة من عمرنا، بالتشجيع و المحبّة.
لكن الآن يقول البعض: الطفل في الخامسة عشرة من عمره، لا تزعجوه، فهو من يقرّر بنفسه! بينما التربية تبدأ منذ الصغر.
المحبّة، التشجیع و الحضور في المسجد:
لا أقول اضربوا الطفل أو كونوا قساةً معه، بل ينبغي أن تُعاملوه بالمحبة و التشجيع و الرفق. علّموه «أن يقف إلى جانبي و أدّ صلاتك». خذوا الأطفال معكم إلى المسجد، و دعوهم يكونوا إلى جواركم و جوار أمّهم. إن هذا التشجيع و المرافقة هما المؤثران حقّاً.
وجوب تربية الأبناء:
قد صرّح الإمام الراحل و المحقّق الخوئي (رحمهماالله) بأنّ تربية الأبناء واجبة، و ليست بأمر هيّن. على الوالدين أن يُحسنا تربية ابنهما و ابنتهما، فإن لم تُؤدَّ التربية على الوجه الصحيح، فالتقصير واقعٌ عليهما.
قال الله تعالى: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً﴾[2] . يقول المحقّق الخوئي (رحمهالله): الوقاية من المعصية في الأسرة واجبة، و أمّا بالنسبة إلى الآخرين فإنّ الإمام الخميني أيضاً يثبت هذا الوجوب. وعلى كلّ حال، فإنّ المسؤولية تجاه الأسرة و الأقربين مسؤوليةٌ عظيمة تقع على عاتق الآباء و الأمّهات.
ضرورة البدء بالتربية منذ الصغر:
صحيحٌ أنّ المجتمع و وسائل التواصل الاجتماعي قد تفسد الأطفال أحياناً، و لكن يجب عليكم أن تبدأوا بالتربية السليمة منذ البداية في المنزل. يمكن تربية الطفل في الرابعة أو الخامسة من عمره، و لكن عندما يبلغ الخامسة عشرة، يكون الأوان قد فات. منذ الصغر يجب أن تزرعوا في قلب أطفالكم حبّ أبي عبد الله (الحسين) و حبّ الزيارة و حبّ الصلاة و الصيام. و ذلك يكون بالمحبّة و التشجيع و الرفق.
فضل العفة و جزاءها:
يقول أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) في نهج البلاغة: «مَا الْمُجَاهِدُ الشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَعْظَمَ أَجْراً مِمَّنْ قَدَرَ فَعَفَّ»[3] أي إنّ أجر من يملك القدرة على الذنب ثمّ يمتنع عنه، أعظم من أجر المجاهد الشهيد في سبيل الله.
لقد كنّا في الجبهات لأشهر و استشهد أصدقاؤنا، لكنّنا لم نستشهد. و مع ذلك، يقول الإمام إنّ العفّة أعلى من الشهادة. و السبب هو أنّ الإنسان دائماً في حياته اليوميّة معرضٌ للخطيئة. في الشارع، و في مكان العمل، و في الفضاء المجازي، توجد دوافع المعصية في كل مكان. و اليوم، حتى البعض يقول إنّ الفساد يبدأ من النساء، بينما في الماضي كان الرجال هم من يتبعون النساء، لكن اليوم تأتي الفتيات و النساء نحو الرجال. في المحلّات التجارية، و في الفضاء المجازيّ و في التعاملات اليوميّة، يضع البعض عفتهم جانباً أحياناً من أجل الحصول على منفعة دنيويّة.
أعلى المقام للإنسان العفيف:
مع ذلك، يقول أمیرالمؤمنین علي (عليه السلام): إنّ أجر من يملك القدرة على الذنب ثم يضبط نفسه و يتعفّف، هو أعظم من أجر المجاهد في سبيل الله.
و قد قال النبي الأكرم (صلّى الله عليه و آله و سلّم): عندما ينتصر الإنسان، فليعفُ عن عدوه. فالعفو و الصفح هو أيضاً مظهر من مظاهر العفّة.
فالعفّة تكون أحياناً في کظم الغیظ و تكون أحياناً في غضّ الطرف عن المعصية.
العفة، أسمى مراتب المروءة في الدين:
سُئل الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام): «ما المروّءة؟» فرمود: «العفاف فی الدین، و حسن التقدیر فی المعیشة، و الصبر علی النائبة»[4] .
المروءة (الرجولة و الشرف) في الدين هي ثلاثة أشياء: العفة في الدين، و الاعتدال في العيش، و الصبر على الشدائد.
علاقة العفة بالقناعة:
قال الإمام المجتبى (عليه السلام): «العفاف في الدين و حسن التقدير في المعيشة»؛ أي العفة في الدين و الاعتدال في الحياة. و ذلك لأنّ الكثير من الذنوب تبدأ من الحاجة و الفقر الظاهري. فإذا كان الإنسان قنوعاً، لن يقع في المعصية، و يمكنه الحفاظ على عفّته؛ سواء كان رجلاً أو امرأةً.
الاختبار الحقيقي للإيمان:
قد يقوم الإنسان بصلاة الليل و يذكر الله و يستغفر، و لكنه يفقد السیطرة علی نفسه عندما يواجه مشهد المعصية. الصلاة و الذكر و العبادة سهلة، و لكن حفظ العفة أصعب. الشيطان يسعى أكثر مما يسعى لمنع الإنسان من الصلاة، إلى إبطال ثواب الصلاة عبر المعصية. لذلك، المهم هو أن يحفظ الإنسان نفسه في لحظة الخطر.
أحبّ الصفات إلى الله:
ورد في رواية عن الإمام السجاد (عليه السلام): «ما من شیء أحبّ إلى الله بعد معرفته من عفّة بطنٍ و فرجٍ»[5] .
الخلاصة: العفاف حصن الإيمان و ركيزة المجتمع
لذلك: إنّ العفاف من أركان الإيمان و الأخلاق الإسلامية. لكن للأسف، تسعى سياسات الشرق و الغرب اليوم إلى إبعاد شبابنا عن العفاف و الطهارة. فعندما يفسد الشباب، يُسلبون دينَهم و وطنَهم و يخسرون كلَّ ما يملكون.