« قائمة الدروس
الحدیث الأستاذ محسن الفقیهی

46/08/20

بسم الله الرحمن الرحیم

فضیلة العلم و العالم/صفات المؤمن /جنود العقل و الجهل

 

الموضوع: جنود العقل و الجهل/صفات المؤمن /فضیلة العلم و العالم

 

في بحث الأخلاق، ورد حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) و هو أنّ الله- سبحانه وتعالى- أوحى إلى النبيّ داود (عليه السلام): «لَا تَجْعَلْ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ عَالِماً مَفْتُوناً بِالدُّنْيَا فَيَصُدَّكَ عَنْ طَرِيقِ مَحَبَّتِي فَإِنَّ أُولَئِكَ قُطَّاعُ طَرِيقِ عِبَادِيَ الْمُرِيدِينَ إِنَّ أَدْنَى مَا أَنَا صَانِعٌ بِهِمْ أَنْ أَنْزِعَ حَلَاوَةَ مُنَاجَاتِي عَنْ قُلُوبِهِمْ»[1] ورد هذا المضمون في العديد من الروايات من أنّ العلماء يجب ألّا يتعلّقوا بالدنيا فإنّ التعلّق بالدنيا يؤدّي إلى فساد الإنسان و يجب على العالم أن یسیر دائماً في طريق التقوى و الروحانيّة، لا أن يصبح أسيراً للدنيا المادّيّة.

العلم في النظرة الدينيّة یجب أن يقترن بالتقوى. هذا العلم يختلف عن العلوم الدنيويّة مثل الفيزياء و الكيمياء و علم المثلّثات. العلم في الإسلام ليس مجرّد علم دنيوي، بل يجب أن يكون مصحوباً بالروحانيّة و التقوى. و لذلك ورد: «الْعِلْمُ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ مَنْ يَشَاءُ»[2] ؛ أي إنّ العلم الحقيقيّ هو نورٌ يُضيء القلوب من عند الله و هو مقرونٌ بالتقوى. و بناءاً عليه، فإنّ العلم من دون تقوى عديمُ الثمرة و لن يكون نافعاً للإنسان.

معنی المعنویّة:

ما المعنويّة؟ المعنویّة في الحقيقة هي أحد أبعاد الحياة التي يجب أن نولّيها اهتماماً. المعنویّة تعني ألّا يكون الإنسان مفتوناً بالدنيا. و ليست المعنویّة أن یغمض الإنسان عینیه كليّاً عن الدنيا و لذّاتها، بل عليه أن يمتلك الدنيا لهدفٍ و بقدر حاجته فقط. فعلى سبيل المثال، إذا اشتريتَ غسّالةً أو أثاثاً منزليّاً من أجل راحة عائلتك، فليس هذا تعلّقاً بالدنيا، بل هذه أشياء تُسهّل عليك الحياة و تُعينك على الاهتمام بأمورك المعنویّة و الأسريّة.

هذا لا يُعدّ افتتاناً بالدنيا.

و لكن إذا بالغ الإنسان في الاهتمام بجماليّات الدنيا و زخارفها و تعلّق قلبه بها، فإنّ هذا الافتتان بالدنيا سيكون سبباً للمشكلات. الإمام الصادق (عليه السلام) يؤكّد أنّ علماء الدين لا ينبغي أن يكونوا كارِهين للدنيا، و لكن لا يجوز لهم أن يتعلّقوا بها و يُحبّوها. فعندما يرى الناس رجلَ دينٍ قد تعلّق بالدنيا المادّيّة، فإنّهم يقلّدونه من دون اختیار، و هذا قد يؤدّي إلى فساد المجتمع و ضلاله.

إذا استغلّ شخصٌ احترامَ الناس له و انغمس في زخارف الدنيا و لذّاتها، فإنّ هذا السلوك قد يدفع الناس إلى الاعتقاد بأنّه ما دام رجل الدين يسعى خلف الدنيا، فللآخرين أيضاً الحقّ في اتّباع الشهوات و اللذّات. و هذا العمل يصیر موجباً لتزلزل الإيمان في المجتمع و يُبعد الناس عن طريق الحق. و لأجل ذلك، حذّر الإمام الصادق (عليه السلام) في هذه الروايات من علماء السوء الذين يتعلّقون بالدنيا، لأنّهم یمعنون الناس في سيرهم نحو الله- تعالى. و قد قال: «فَإِنَّ أُولَئِكَ قُطَّاعُ طَرِيقِ» أي إنّهم قطاع طريق الدين، يسرقون دين الناس و يُضعِفون إيمانهم و يدمّرونه.

هذا القول بأنّ على العالِم الدينيّ أو رجل الدين أن يكون بعيداً عن الدنيا لا يعني أنّه لا يجوز له أن يستفيد من النعم الدنيويّة لراحة نفسه و عائلته، بل المقصود هو ألّا يتعلّق قلبه بالدنيا و ألّا يعشقها. ينبغي للإنسان أن يستخدم الدنيا بقدر الحاجة و يجعلها وسيلةً لتحقيق الغايات المعنويّة. فالدنيا يجب أن تكون أداةً في يد الإنسان، لا غايةً يسعى إليها. الإمام الصادق (عليه السلام) يقول هنا إنّ العالم السائر في هذا الطريق ينبغي ألّا يُغرى بالدنيا، بل يجب أن يكون نظره دائماً متّجهاً نحو الآخرة.

جزاءُ تَعلُّقِ العالِمِ الديني بالدنيا:

«إِنَّ أَدْنَى مَا أَنَا صَانِعٌ بِهِمْ أَنْ أَنْزِعَ حَلَاوَةَ مُنَاجَاتِي عَنْ قُلُوبِهِمْ» فإذا تعلّق الإنسان بالدنيا، تُنتزع من قلبه حلاوة المناجاة و عذوبة العلاقة مع الله. فقد وُجد كثيرون كانوا يبكون شوقاً إلى صلاة الليل و التقرّب إلى الله و لكن لمـّا تعلّقوا بالدنيا، فقدوا ذلك الشوق و تلك الحلاوة. فإن أحبّ الإنسان الدنيا، فلن یهتمّ بصلاة الليل و الارتباط بالله أدنى اهتمام. و في مثل هذه الحال، يُصبح القلب خالياً من نور الله.

كان الشهيد مطهري یهتمّ بالصلاة و علاقته بالله أهميةً بالغةً حتّی أنّه کان يرفع الأذان و الإقامة بصوتٍ عالٍ و بسكينةٍ خاصّة. لم تكن الصلاة عنده مجرّد عبادة، بل كانت لذّةً روحيّةً عميقةً. ينبغي للإنسان أن يجد في صلاته و عباداته حلاوةً و أن يسلك هذا الطريق بالعشق و الرغبة. الصلاة ينبغي أن تُؤدّى بحضور القلب و انتباه الفكر و على الإنسان أن يتوجّه إلى الله- تعالى- بكلّ كيانه و یسیر إلی الله مع لذّة المناجاة و الصلاة.

إنّ مسؤوليّة العلماء في هذا المسار مسؤوليّة جسيمة. فلا ينبغي للعالِم الدينيّ أن ينظر إلى نفسه كإنسانٍ عاديّ. إنّ دور علماء الدین في هداية الناس بالغ الحسّاسيّة و الأهميّة. ينبغي لهم أن يسيروا دوماً على طريق التقوى و الروحانيّة و أن يستفيدوا من الدنيا بقدر الحاجة فحسب. و حتّى لو امتلكوا الثروة، فلا يجوز لهم أن یستفیدوا منها إلی حدّ الإفراط، بل يجب أن يكونوا في خدمة الناس و يسعوا إلى تحقيق رفاه المجتمع و أن تكون حياتهم قدوةً لغيرهم، بحيث يهتدي الآخرون إلى الله- تعالى- بسلوكهم.

في النهاية، إذا تعلّق رجال الدین بالدنيا، فإنّهم لا يضرّون أنفسهم فحسب، بل يُلحقون الضرر بالمجتمع أیضاً؛ ذلك لأنّ الناس ينظرون إليهم و يقتدون بهم. إذا تعلّق العالِم الدينيّ بالدنيا، فإنّ هذا یوجب اقتداء الناس بهم ممّا يؤدّي إلى الضرر علی دينهم و إيمانهم. لذا، ينبغي للعلماء أن يحرصوا دائماً علی سلوكهم و حياتهم و أن یسیروا سیراً مستمرّاً في طريق التقوى و الروحانيّة.

 


logo