« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

47/06/10

بسم الله الرحمن الرحیم

نیة الطواف للنائب و المنوب‌عنه/التکسّب بالواجبات /المکاسب المحرّمة

 

الموضوع: المکاسب المحرّمة/التکسّب بالواجبات /نیة الطواف للنائب و المنوب‌عنه

 

ملخص الجلسة السابقة: كان النقاش يدور حول مسألة طواف من يحمل شخصاً آخر (على ظهره أو بالكرسي المتحرك). إذا دار شخص أثناء طوافه و معه شخص آخر (مثل مريض على كرسي متحرك)، فهل يصحّ طواف كليهما؟ أم يصحّ طواف أحدهما فقط؟ و ما هو معيار صحة كل منهما؟

صور المسألة

لقد دارس الفقهاء هذه المسألة في عدّة صور:

الصورة الأولى: الطواف التبرّعي

أي أنّ الشخص يحمل الآخر دون الحصول على أجر، و ينوي كلاهما الطواف.

المشهور بين الفقهاء هو أنّه لا إشكال في ذلك:

     طواف الحامل صحيح.

     طواف المحمول صحيح أيضاً.بحث

« لو حمله حامل فطاف به أمكن أن يحتسب لكل منهما طوافه عن نفسه إذا كان الحامل متبرعا، أو حاملا بجعالة، أو مستأجرا للحمل في طوافه، أمّا لو استؤجر للحمل مطلقاً لم يحتسب للحامل.»[1]

الدلیل الروايي

«قَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ عُرْوَةَ التَّمِيمِيُّ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام إِنِّي حَمَلْتُ امْرَأَتِي ثُمَّ طُفْتُ بِهَا وَ كَانَتْ مَرِيضَةً وَ إِنِّي طُفْتُ بِهَا بِالْبَيْتِ فِي طَوَافِ الْفَرِيضَةِ وَ بِالصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ وَ احْتَسَبْتُ بِذَلِكَ لِنَفْسِي فَهَلْ يُجْزِينِي فَقَالَ نَعَمْ».[2]

هذه الروایة صریحة في جواز الطواف التبرّعي.

الصورة الثانیة: الجعالة

أي يقول الشخص: «كل من يطوّف بي، أعطيه مبلغاً كذا». و يقوم الحامل بالعمل، و لكن لا تنشأ ملكيّة مُلزمة على العمل.

وجه الجواز

قال الفقهاء: الجعالة قبل إتمام العمل عقد جائز؛ فللعامل أن ينصرف، و للجاعل أن يرجع. بالتالي، لا تتحقّق ملكيّة على «الحركة المخصوصة»؛ و بما أنّ ملكيّة العمل لم تتحقّق، فبإمكان الحامل أن ينوي طوافه هو أيضاً. تصبح الجعالة لازمةً بعد إتمام العمل.

النتيجة: طواف كليهما صحيح.

أمّا الإجارة، فهي عقد لازم؛ و بعد العقد، يلزم الأجير أداء العمل، و لا يستطيع المؤجر فسخه بلا سبب.

السبب في تفريق البعض بين الإجارة و الجعالة بأنّ نية الطواف للحامل صحيحة في الجعالة دون الإجارة، هو أنّ المؤجر يملك العمل في عقد الإجارة.

«إنّ الحركة المخصوصة قد صارت مستحقة عليه لغيره، فلا يجوز صرفها إلى نفسه[3]

شخصٌ يقول لآخر: «كُن أجيراً لي لخمس ساعات؛ أنقلني بالكرسي المتحرك: للوضوء، و دورة المياه، و التجول، و أخيراً للطواف».

في هذه الساعات الخمس، تكون جميع حركات العامل تحت اختيار المستأجر.

الصورة الثالثة: الإجارة على الحمل في خصوص الطواف

أي أنّ الشخص يستأجر شخصاً آخر إجارةً خاصةً للطواف: «استأجرتك لكي تطوف بي».

ذهب بعض الفقهاء إلى بطلان نية الطواف للأجير: «إن استؤجر للطواف لم يجز عن الحامل[4]

الصورة الرابعة: الإجارة المطلقة لخمس ساعات (الحمل المطلق)

هذه الصورة هي موضع نزاع الفقهاء.

مثال: يقول شخص لآخر: «كُن أجيراً لي لخمس ساعات؛ أنقلني بالكرسي المتحرك: للوضوء و دورة المياه و التجول و أخيراً للطواف».

في هذه الساعات الخمس، تكون جميع حركات العامل تحت اختيار المستأجر.

يعتقد بعض الفقهاء أن طواف الحامل لنفسه غير صحيح: «إنّ الحركة المخصوصة قد صارت مستحقة عليه لغيره، فلا يجوز صرفها إلى نفسه[5]

«لو استؤجر للحمل مطلقاً لم يحتسب للحامل.»[6]

وجه استدلالهم

في الإجارة، تصبح الحركة المخصوصة ملكاً للمستأجر؛ و بما أنّ حركة الحامل مملوكة للمستأجر، فلا يمكنه استهلاكها في عبادته الخاصة.

نقد و مناقشة هذا القول

في رأينا، هذا التفصيل بين «الإجارة المطلقة» و «الإجارة المخصوصة بالطواف» غير وجيه (أي لا يتمتّع بالقوّة الكافية).

أدلّة ذلك:

    1. الفرق بين «بشرط لا» و «لا بشرط»

     إذا قال المستأجر: «خلال هذه الساعات الخمس، لا تفعل أي عمل لنفسك»، فهذا «بشرط لا»؛ مثل هذا الشرط يُبطل أداء العبادة من قبل الحامل.

     أمّا إذا قال: «كن تحت تصرفي، و لكن افعل أيّ عمل لا ينافي حملي»، فهذا «لا بشرط».

في فرض «لا بشرط»، يمكن للحامل أن يذكر الله، و يؤدّي صلاته الواجبة، و عندما يبدأ الطواف، يمكنه أن ينوي لنفسه أيضاً. لا يوجد تلازم بين الإجارة و منع نيّة العبادة.

الأمثلة العرفية

إذا كان الشخص القوي يحمل مريضين على ظهره، أو كان الحيوان يحمل شخصين، فإنّ طواف كلّ من المحمولين صحيح.

إذًا، الحمل لا ينافي النيّة المستقلّة لكلّ شخص.

العبادة مع عمل غیر معارض

إذا كان العمل الذي يُؤدّى لمنفعة المستأجر لا يتزاحم مع نيّة الحامل الخاصّة، فليس لدينا دليل شرعي على البطلان.

في رأينا، يمكن للحامل أن ينوي الطواف لنفسه في جميع الصور الثلاث الجعالة و الإجارة الخاصّة بالطواف و الإجارة المطلقة، ما لم يكن ذلك مُقيَّداً بـ «شرط لا».


logo