« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

47/06/09

بسم الله الرحمن الرحیم

نیّة الطواف للنائب و للمنوب‌عنه/التکسّب بالواجبات /المکاسب المحرّمة

 

الموضوع: المکاسب المحرّمة/التکسّب بالواجبات /نیّة الطواف للنائب و للمنوب‌عنه

 

خلاصة الجلسة السابقة:

کان النقاش في علم الفقه حول الاستیجار لطواف العاجز و نیّة الطواف للأجیر نفسه في نفس الوقت؛ هذه المسألة و إن کانت تبدو في بدایة الأمر أنّها ساذج و لکن في مقام التحلیل الفقهي، تتطلّب دقّة أکثر، إذ الکلام في الإجارة و النیابة و مالكیّة الحرکة و منشأ صدور العبادة و دور المقدّمات في الأفعال العبادیّة.

بیان صور المسألة و الإشکال المشهور

في المواضع التي لا یقدر العاجر علی الطواف، یطوف به أحد بالکرسي المتحرّك و في بعض الأحیان ینوي الأجیر نفسه الطواف. السؤال هو: هل الطواف منهما -الأجیر و العاجز- صحیح؟

الإشکال المشهور هکذا:

     الحرکة الصادرة من الأجیر هي ملك للمستأجر؛ إذ الأجیر یضمن أن یطوف بالعاجز في مقابل الأجرة.

     فالحرکة خاصّة بالمستأجر و لا یمکن احتسابه لشخصین.

     بالتالي طواف الأجیر باطل؛ إذ الحرکة واحدة و لا یمکن تحقّقه لذمّتین إثنتین.

«إنّ الإجارة إمّا باطلة متضمنة للتّعليق و إمّا صحيحة محدثة للحق في طوافه فلا يجوز أن يحتسبه من طواف نفسه هذا إذا أريد من الطّواف في الإجارة على الحمل في الطّواف الحركة حول البيت و إن أريد الطواف الصّحيح الشّرعي الواقع لنفسه انعكس الحكم و بطلت الإجارة لأنه یکون فی حکم الإجاره علی الواجبات فإنّ طوافه هذا واجب أو مستحب عبادی فلا یملک علیه بعقد الإجاره فتحصّل ممّا ذکرناه عدم الفرق فی بطلان الإجاره بین الإجاره علی الإطافه و بین الإجاره علی الحمل فی الطّواف و لا ینبغی أن یغتر بالتّعبیر الموهم لخروج نفس الطّواف عن محلّ الإجاره لمکان أخذه مفروغ التحقّق[1]

فأساس الاستبعاد هو: أنّ الحرکة الواحدة لا یمکن أن تکون منشأً لطوافین.

التحلیل الفقهي لصور المسألة

للحکم و القضاء الدقیق، یجب الفصل بین الصورتین:

الصورة الأولی: الاستیجار «لنفس الطواف»

أي: جاء في نصّ الإجارة: «أوجرك حتّی تطوف بي» و الظاهر أنّ الطواف- الذي هو العمل العبادي- قد أستوجِر علیه.

الصورة الثانیة: الاستیجار «للحمل في الطواف»

أي: «أوجرك حتّی تحملني في الطواف» فإنّ في هذه الصورة قد وقعت الإجارة علی الحمل لا علی نفس العبادة.

النکتة الأساسيّة: الطواف علی ذمّة من؟

في کلتا الصورتین، حقیقة الطواف تتشکّل من عنصرین:

    1. نیة الطواف و قصد القربة

    2. رعایة المحاذاة و الشرائط الشرعیّة

و کلاهما علی ذمّة العاجز لا الأجیر؛ الأجیر هو مجرّد محرّك الجسم لا فاعل العبادة. فلفظ الإجارة و إن کان ناظراً إلی «الطواف» فما صدر من الأجیر هو المقدّمة لا أصل العبادة؛ إذ العبادة تعتمد علی نیّة الشخص و إرادته. هذه النکتة أساس حلّ المسألة.

الردّ علی إشکال ملکیّة الحرکة

الإشکال: الحرکة الواحدة، لا تکون لها قابلیّة الاحتساب لذمّتین؛ إذا المستأجِر مالك الحرکة.

لکن الجواب الصحیح هو:

۱. ما أتی به الأجیر فهو «الحمل» لا «الطواف»؛ الطواف فعل العاجز؛ إذ هو الذي ینوي الطواف و یراعي المحاذاة و یأتي بالعبادة بقصد القربة. و الأجیر یمهّد مقّدمة الحرکة فقط. المقدّمات لها عنوان مستقل و یمکن أن تستخدم في نفس الوقت لشخص آخر أیضاً.

۲. الحرکة الواحدة یمکن أن یکون لها عنوانان.

حرکة الأجیر:

     للعاجز تکون مقدّمةً للطواف.

     و للأجیر نفسه، نفس الطواف.

قد ثبت في الأصول أنّه یجوز للفعل وجود العنوانین المستقلّین: مثل:

     صلاة الظهر تکون واجباً نفسیّاً و غیریّاً هکذا (مقدّمة صلاة العصر)

     غسل الجمعة عمل استحبابي و أیضاً موجب للطهارة الصلاتیة.

إذن تعدّد العنوان لا ینافي وحدة الفعل.

۳. یقبل العرف إمکان الجمع بین القصدین و لا إشکال في أنّ لشخصٍ:

     نذراً للمشي في ضمن ألف قدم.

     و في نفس الوقت یحمل شیئاً آخر.

     یذکر الله أیضاً.

     یراقب الجوانب أیضاً.

یعرف العرف جیّداً بأنّ الحرکة الجسمیّة له آثار في آنٍ واحد. في مسألتنا هذه الأمر هکذا: فالحرکة المشترکة لا إشکال فیها.

لنفترض أنّ شخصاً نذر أن يمشي كل يوم ألف خطوة. و في اللحظة نفسها، استأجره شخص آخر ليحمل بضاعته. هذا الشخص يسير الألف خطوة وفاءً لنذره، و يؤدّي الأجرة في نفس المسار. لا يوجد تعارض بين الأمرين إلّا إذا كان هناك شرط في عقد الإجارة.

هذا المثال العرفي يوضّح أنّ النظرة الحصرية للحركة البدنيّة ليست صحيحةً.

النتيجة هي:

     حركة الأجير هي مقدمة للطواف عن العاجز و ليست العبادة ذاتها.

     حقيقة الطواف تتحقّق بنيّة و قصد القربة من العاجز.

     الحركة قابلة لاكتساب صفتين:

         العنوان المقدّمي للعاجز

         العنوان العبادي للأجیر نفسه

العرف يجيز الجمع بين الأثرين.

بناءً على ذلك: طواف كلاهما صحيح؛ سواء كانت الإجارة لحمل البضاعة أو للطواف.

الشاهد على ذلك هو أنّه إذا ارتكب الأجير محرّماً، فإنّ طوافه هو نفسه يبطل، و تلزم الكفارة عليه هو و ليس على المستأجر.

دراسة القول المخالف

قال بعض کالعلّامة في المختلف و الشهید في الدورس:

«إنّه لو استؤجر للحمل في الطواف أجزأ عنهما و ان استؤجر للطواف لم يجز عن الحامل.»[2]

«الحمل جائز في الطواف و السعي و يحتسب لهما، إلّا أن يستأجره على حمله لا في طوافه[3]

نقد هذا التفصیل

هذا التفصيل غير مقبول؛ لأنّه في كلتا الحالتين، العبادة تكون عن العاجز و تصدر من نفسه. و الأجير في كلا الحالتين مجرد مُحرِّك، و ليس مُؤدِّي العبادة. لذا فإنّ التفريق بين نوعي الإجارة لا أساس له.

حالات الاستثناء كما بيّنها آية الله السبحاني

يستثني آية الله السبحاني صورتين من حكم الصحّة:

«إذا استأجر لإطافة صبي أو مغمى عليه، فهل يجوز احتساب الطواف لنفسه أو لا و الحق ما ذكر في «الدروس» و هو الجواز مطلقاً، إلا أن يشترط عدم احتسابه لنفسه، فإنّ مورد الإجارة هو الإطافة و الذي يملك هو عبارة عن نفس الإطافة و هي غير الحركة المخصوصة التي يحتسبها لنفسه. و إن شئت قلت: الحركة المخصوصة أي المشي على الأقدام محقّق للإطافة و الإطافة فعل يتولّد منها و لأجل ذلك يصح أن يقال: طفت و أطفت و بعبارة ثالثة: مورد الإجارة هو الحمل في حال الطواف، فالمستأجر يملك الحمل في ذمة الأجير لا الحركة المخصوصة التي تعد فعلًا للحامل و على هذا فالحق الجواز مطلقاً إلا إذا كان نائباً أو مشروطاً بأن لا يحتسب لطواف نفسه».[4]

۱. النیابة الحقیقیّة

إذا أصبح الأجير «نائباً» ليؤدّي الطواف من جانب شخص آخر، ففي هذه الحالة لا يمكنه أن يطوف عن نفسه؛ لأنّ العبادة تصدر في الأصل من النائب، لا من المنوب عنه.

إشتراط ترك الطواف لنفس الأجیر

إذا اشترط في متن العقد بشرط لا و قال أوجرك «بشرط ألا تطوف عن نفسك» فحينئذٍ، لا يحقّ للأجير أن يؤدّي طوافاً لنفسه، و إذا فعله، فبالإضافة إلى تخلّفه عن الشرط، تصبح عبادته أيضاً محل إشكال.

ما عدا هاتين الصورتين، فإنّ طواف كل منهما صحيح دون إشكال.


logo