47/06/08
بسم الله الرحمن الرحیم
نیّة الطواف للنائب و المنوبعنه/التکسّب بالواجبات /المکاسب المحرّمة
الموضوع: المکاسب المحرّمة/التکسّب بالواجبات /نیّة الطواف للنائب و المنوبعنه
كان نقاشنا الفقهي حول الأُجرة على الواجبات، و تناولنا ضمنه مسألة الواجبات الاستئجارية كالصلاة و الصوم و الحج، و لهذا البحث فروع يجب أن تناقش بشكل منفصل.
و لمرحوم الشيخ الأنصاري - أعلى الله مقامه - في هذه المسألة نكتة مهمة؛ إذ يقول: في الصلاة الاستئجارية أو الصوم الاستئجاري أو الحج الاستئجاري - التي تُؤدّى عادةً عن ميّت علی ذمّته هذه الأمور- يجب ملاحظة عنوانين منفصلين:
١. الأمر التوصّلي:
أي العمل غير العبادي الذي لا يُشترط فيه قصد القربة. فـ«النيابة» في هذا السياق أمر توصّلي؛ إذ يقوم الابن الأكبر للميت بتعيين شخص و استئجاره بمبلغ معين (مثلاً عشرون مليوناً) ليؤدي الصلاة أو الصوم أو الحج عن والده. إنّ هذا التفويض للنيابة هو أمر توصّلي.
٢. الأمر التعبّدي:
أمّا الصلاة أو الصوم أو الحج ذاتها، هي الذي يؤدّيها الأجير، فهي أمور تعبّديّة يجب أن تُؤدّى بقصد القربة. فالأجير، عند أدائه الصلاة عن الميّت في غرفة مغلقة، يقصد القربة؛ لعدم اطلاع أحدٍ عليه. فعبادته ليست من أجل المال، بل هي قربةً إلى الله- تعالى.
و عليه، فمن منظور الشيخ، النيابة أمر توصّلي، و الصلاة أو الحج أمر تعبّدي.
الرأي المقابل: آية الله السبحاني و المحقّق الخوئي و جمع آخرون
آية الله السبحاني و المحقّق الخوئي لا يقبلان هذا التفصيل، و هما يقولان:
«إنّ ما ذكره من التصوير خلاف ما هو الواقع، إذ لا تؤخذ الأُجرة على صرف النيابة و إلا لاستحق الأُجرة بتحقّقها و انّما تؤخذ على الصلاة بعنوان النيابة و معه كيف يمكن أن يقال: انّ الأُجرة في مقابل النيابة و لا يشترط فيها القربة و ما يشترط فيه القربة- أعني: الصلاة- لا يؤخذ في مقابله شيء!»[1]
• الحقيقة ليست سوى شيء واحد: «النيابة في العبادة».
• النيابة في الصلاة أو الحج هي عين تلك العبادة، و تفريق التوصّلي و التعبّدي في هذا الموضع غير صحيح.
• أخذ الأجرة مقابل النيابة العبادية لا ينافي قصد القربة؛ لأنّ قصد القربة يكون لله وقت أداء العبادة.
و المبنى الصحيح هو هذا: يمكن قبول الإجارة في الأمر التعبّدي و تحقيق قصد القربة معاً.
حكم طواف الطائف و إمكان احتساب الطواف لكليهما
في سياق متابعة بحث الواجبات الاستئجارية، يُطرح هذا الفرع:
إذا استُؤجر شخص ليكون طائفاً يدفع شخصاً عاجزاً بواسطة الكرسي المتحرك، فهل تصحّ نية طواف هذا الطائف المؤجَّر لنفسه أيضاً؟
الصور المتصوّرة تشمل عدة حالات:
الحالة الأولى: التبرّع (الطواف مجاناً)
إذا لم يكن الطائف مُستأجَراً، و قال من باب الخير و الإحسان فقط: «أنا سأؤدّي طوافي الخاص و سأطوّفكم معي أيضاً».
هنا لا يوجد أيّ خلاف و طواف كليهما صحيح.
«أطلق الأصحاب جواز أن يطوف الحامل عن نفسه ، فقال ابن الجنيد: ونعم ما قال والتحامل للمريض يجزيه طوافه عن طواف الواجب عليه إذا لم يكن أجيرا. الى آخره.»[2]
الحالة الثانية: الاستئجار لـ «الحمل» لا لـ «الطواف»
على سبيل المثال، يُستأجَر الشخص ليقوم بنقْل (حمل) شخص آخر في أماكن مختلفة خلال مدّة معينة، و يكون الطواف أحد هذه التنقلات؛ و في هذه الحالة، يكون عقد الإجارة خاصّاً بمجرد نقل و حمل الشخص العاجز، و ليس خاصّاً بالطواف بحدّ ذاته.
في هذه الحالة:
• الشخص العاجز ينوي الطواف عن نفسه.
• الطائف المؤجَّر يستطيع أيضاً أن ينوي الطواف عن نفسه.
• الجمع بين هذين الأمرين (نية كل منهما لنفسه) لا إشكال فيه.
صورت سوم: اجیر شدن برای «طوافدادن»
الحالة الثالثة: الاستئجار لـ «الإطافة»
في هذه الحالة، يكون الأجير مُكلَّفاً بتحريك الشخص العاجز لكي يؤدّي طوافاً شرعياً.
هنا يُطرح سؤالان:
1. هل مثل هذا الاستئجار صحيح؟
2. إذا كان صحيحاً، فهل يستطيع الطائف المؤجَّر أن يؤدّي طوافه الخاصّ به في نفس الوقت بشكل صحيح؟
لقد فرَّق بعض الفقهاء في الحكم كالتالي:
• إذا كانت الإجارة فقط لـ «الحمل»، فإنّ طواف الأجير عن نفسه يكون صحيحاً.
• أما إذا كانت الإجارة لـ «الإطافة» (جعل شخص آخر يطوف)، فإنّ طواف الطائف المؤجَّر لا يصح؛ لأنّ هذه الحركة (الدوران) تكون ملكاً للمستأجِر (الشخص الذي يدور حول الكعبة) و لا تُحتسب طوافاً للآخر (الأجير).
«إنّه لو استؤجر للحمل في الطواف أجزأ عنهما و ان استؤجر للطواف لم يجز عن الحامل.»[3]
المحقّق (في الشرائع) و جمع من الفقهاء يقولون: لا فرق بين أن يُستأجَر الأجير لـ «الحمل» أو لـ «الإطافة»؛ ففي كلتا الحالتين، يكون طواف الشخص العاجز صحيحاً، و يكون طواف الطائف المؤجَّر (الأجير) صحيحاً أيضاً.
«لو حمله حامل فطاف به أمكن أن يحتسب لكل منهما طوافه عن نفسه.»[4]
هنا إشکال
لقد أشکل بعض: إنّ الحركة الواحدة التي يقوم بها الطوافُ (المؤجَّر) هي «حركة مخصوصة». و هذه الحركة مِلكٌ لمن استأجره؛ لذا، فلا تُحتسَب للأجير.
«إنّ الإجارة إمّا باطلة متضمنة للتّعليق و إمّا صحيحة محدثة للحق في طوافه فلا يجوز أن يحتسبه من طواف نفسه هذا إذا أريد من الطّواف في الإجارة على الحمل في الطّواف الحركة حول البيت و إن أريد الطواف الصّحيح الشّرعي الواقع لنفسه انعكس الحكم و بطلت الإجارة لأنه یکون فی حکم الإجاره علی الواجبات فإنّ طوافه هذا واجب أو مستحب عبادی فلا یملک علیه بعقد الإجاره فتحصّل ممّا ذکرناه عدم الفرق فی بطلان الإجاره بین الإجاره علی الإطافه و بین الإجاره علی الحمل فی الطّواف و لا ینبغی أن یغتر بالتّعبیر الموهم لخروج نفس الطّواف عن محلّ الإجاره لمکان أخذه مفروغ التحقّق.»[5]
أمّا الجواب
من الممكن الجمع بين الأمر النفسي و الأمر المقدَّمي. و في هذه المسألة يجب التفريق بين نوعين من الأمر:
1. الأمر النفسي: و هو طواف الواجب الخاص بالطائف نفسه.
2. الأمر المقدّمي: و هو حمل الشخص العاجز بصفته مقدّمةً لطواف ذلك الشخص العاجز.
و عليه، فإنّ الحركة الواحدة تكتسب عنوانين:
• عنوان الطواف بالنسبة للطائف نفسه (الأمر النفسي).
• عنوان المقدِّمة لطواف المريض (الأمر المقدَّمي).
و هذا مشابه تماماً لصلاة الظهر:
• فهي واجبة بنفسها.
• و هي أيضاً واجبة لغيرها (مقدّمة لصلاة العصر).
فلو لم يُصلِّ المكلَّف صلاة الظهر، فلا يمكنه أداء صلاة العصر.
و الفقه يجيز الجمع بين هذين العنوانين؛ و بناءً عليه، يكون طواف الطائف لنفسه صحيحاً، و طواف الشخص العاجز صحيحاً، كما أنّ عقد الإجارة صحيح أيضاً.
«منع استحقاق المستأجر لهذه الحركة المخصوصة الّتي احتسبها لنفسه هنا و في الصّورة السّابقة[6] أمّا في الصّورة السّابقة فلأنّ مورد الإجارة فيها هو الإطافة و هي غير هذه الحركة المخصوصة الّتي احتسبها لنفسه لأنّها مقدّمة للإطافة و الإطافة فعل آخر يتولّد منها أ لا ترى أنّه يصحّ أن يقال طفت و أطفت و أمّا هنا فلأنّ مورد الإجارة هو الحمل في الطّواف أي في حال الحركة حول البيت الشّريف بنحو مخصوص فالحركة قيد لمورد الإجارة لا نفسه فلا يبقى في البين في كلا الفرضين إلّا لزوم إيجاد تلك الحركة المخصوصة من باب المقدّمة لوجوب الوفاء بعقد الإجارة و من المعلوم أنّه لا يمنع من الانتفاع بها من جهة أخرى أعني الاحتساب لنفسه لا من حيث فوات قصد القربة معه و لا من حيث لزوم أكل المال بالباطل أمّا من الحيثيّة الأولى فلضرورة أنّ الوجوب المقدّمي لشيء لا ينافي عباديّته و قصد التّقرّب به كما في صلاة الظّهر فإنّها يتقرّب بها مع كونها مقدّمة للعصر بوجوب ترتّبها عليها و أمّا من الحيثيّة الثّانية فلبداهة أنّ المال إنما يأكله في مقابل الإطافة في الأوّل و الحمل في الثّاني سلّمنا كون الحركة مورد الإجارة لكن ليس لنا دليل على عدم جواز الانتفاع بما يستحقّه الغير في مثل المقام ممّا لا يلزم منه قصور في حقّ الغير أصلا».[7]