47/05/26
بسم الله الرحمن الرحیم
نیّة الطواف للنائب و المنوبعنه/التکسّب بالواجبات /المکاسب المحرّمة
الموضوع: المکاسب المحرّمة/التکسّب بالواجبات /نیّة الطواف للنائب و المنوبعنه
خلاصة الجلسة الماضية: كان النقاش يدور في البحث الفقهي حول العبادات المستأجَر عليها و مشروعية هذه العبادات. كان المرحوم الشيخ الأنصاري (قدّس سرّه) يرى في تحليل النيابة أنّ الإجارة على العبادة تتضمن «تكليفين»:
1. قبول النيابة، وهو ما يراه الشيخ أمراً توصلياً.
2. أداء العبادة، وهو تكليف تعبّدي يتطلب قصد القربة.
وفقاً لهذا التحليل، عندما يدفع شخص مبلغاً – مثلاً عشرين مليون تومان – مقابل صلاة مستأجرة لمدة عام، فإن النائب يقبل النيابة أولاً، وهذا القبول – في نظر الشيخ – فعل توصلي. ثم بعد استلام الأجرة و تحقّق النيابة، يقوم بأداء العبادة بقصد القربة؛ و يُعتبر هذا الفعل تعبّدياً و مستقلاً عن الفعل التوصلي السابق.
إشکال علی رأي الشیخ الأعظم
آية الله السبحاني (حفظهالله) يرى أنّ هذا الأساس خاطئ، و يصرّح بأن محلّ البحث هو تكليف تعبّدي واحد، لا تكليفان مستقلّان. النيابة في العبادات، من البداية إلى النهاية، هي نيابة في العبادة، لا نيابة مطلقة. لذلك، لا وجه للفصل بين «النيابة التوصيلية» و «العبادة التعبّدية». قال: «إنّ ما ذكره من التصوير خلاف ما هو الواقع، إذ لا تؤخذ الأُجرة على صرف النيابة و إلا لاستحق الأُجرة بتحقّقها و انّما تؤخذ على الصلاة بعنوان النيابة و معه كيف يمكن أن يقال: انّ الأُجرة في مقابل النيابة و لا يشترط فيها القربة و ما يشترط فيه القربة- أعني: الصلاة- لا يؤخذ في مقابله شيء!»[1]
استدلال آیةالله السبحاني (دامت برکاته)
يستدلّ هو لإثبات وحدة التكليف بروايات الباب؛ منها:
1. رواية الإمام الصادق (عليه السلام) التي قال فيها:
«مَنْ عَمِلَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْمَيِّتِ عَمَلًا صَالِحاً أُضْعِفَ لَهُ أَجْرُهُ وَ نَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ الْمَيِّت».[2]
هذه الروایة مرفوعة ضعیفة.
الرواية تدلّ على أنّ الشخص النائب يؤدّي نفس العمل العبادي، و يصل ثوابه إليه و إلى الميّت معاً، و لا يظهر أيّ تفكيك بين عملين؛ بل هو فعل واحدٌ.
2. وَ رَوَى عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ فِي مَسْأَلَةٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى (علیه السلام) قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ هَلْ يَصْلُحُ أَنْ يَصُومَ وَ يُصَلِّيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ [مَوْتَاهُ] فَقَالَ نَعَمْ يُصَلِّي مَا أَحَبَّ وَ يَجْعَلُ ذَلِكَ لِلْمَيِّتِ فَهُوَ لِلْمَيِّتِ إِذَا جَعَلَهُ له.[3]
الرواية تقول بالوضوح: إنّ الفعل واحد و هذا الفعل الواحد هو ما يقع عن الميّت؛ لا أنّه ينقسم إلى توصّلي و تعبّدي. نتيجة هذه الأدلّة: النيابة في العبادات «بسيطة»؛ لا مركّبة من ماهيّتين مختلفتين. النيابة هي من سنخ النيابة «في ذات العبادة» و لها الصبغة التعبّديّة منذ البدء.
يصرّح آية الله السبحاني بأنّه كما أنّ «فوات الصلاة على الشخص الحيّ» يوجب القضاء، فوفاة الميّت يوجب النيابة؛ و هذه النيابة لا تكون واجدةً لتكليفين، بل هي واجدة لتكليف واحد، يُفهم فيه قصد القربة بشكل كامل.
«و التكليف الواحد هنا هو النيابة عن الميّت في تكاليفه الفائتة، فكما أنّ الفوت من جانب الإنسان سبب لتوجه الأمر بالقضاء، كذلك الفوت من جانب الميّت سبب لتوجه أوامر النيابة إلى الأحياء، فالفوت المستند إلى نفس الإنسان سبب للأمر بالقضاء و الفوت المستند إلى الميت سبب لتوجه أوامر النيابة عنه إليهم. فهنا عنوان واحد بسيط تعلّق به الأمر و هو لا يقبل التفكيك بأن يكون توصّلياً من جهة و تعبّدياً من جهة أُخرى.»[4]
برأینا أیضاً أنّ تحليلَ آية الله سبحاني أدقّ و أكثر انسجاماً مع الأدلّة؛ سواء في مسألة «الأجرة على الواجبات» أو في «الصلاة و الصوم الاستيجاري». فإنّ أخذ الأجرة لا يمنع من قصد القربة؛ لأنّ الأجرة في الحقيقة على قبول النيابة في العبادة، ثمّ بعد ذلك تُؤدّى العبادة نفسها لله- تعالى.
طوافُ النائبِ و الطوافُ بالغير في آنٍ واحدٍ
في الحجّ هناك ظاهرتان شائعتان:
١. يُستأجَر شخصٌ لأداء طوافٍ نيابةً عن العاجز (على الكرسيّ المتحرّك أو نحوِه).
٢. و يقومُ ذلك الشخصُ نفسُه، في الوقت عينه، بأداء طوافه هو أيضاً.
المسألة هي: هل يصحّ كلا الطوافين، طوافه لنفسه و طوافه عن المنوبِ عنه؟ أم أنّ التداخل بينهما يُبطل أحدهما أو كليهما؟
أقوال الفقهاء
صوّر الفقهاء ثلاث حالات:
١. الحمل على سبيل التبرّع (من غير أُجرة)
إذا حملَ شخصٌ العاجزَ و طاف به أثناء طوافه لنفسه من غير أُجرة، صحّ الطوافان معاً، طوافه و طوافُ العاجز و لا إشكال في ذلك؛ لأنّ قصد القُربة في حقّ نفسه تامّ، و حملُ غيره لا يُنافيه. أمّا إذا كان أجيراً، فالصحيح أنّ الطواف إنّما يُحتسب للمستأجِر فقط؛ لأنّ حركته حينئذٍ تكون لأجل الأجرة، لا لوجه الله تعالى.
«أطلق الأصحاب جواز أن يطوف الحامل عن نفسه ، فقال ابن الجنيد: و نعم ما قال و التحامل للمريض يجزيه طوافه عن طواف الواجب عليه إذا لم يكن أجيراً إلى آخره.»[5]
٢. الأُجرة على «الحمل» (لا على الطواف):
إذا كانت الإجارة مقتصرةً على «الحمل» دون «الطواف»:
• إنّ طوافَه لنفسه صحيح.
• طواف الشخص العاجز صحيحٌ أيضاً.
في هذا الفرض، لا دخل للأُجرة في العبادة؛ لأنّ الأُجرة وُضعت على الحمل، لا على نفس العبادة.
«إنّه لو استؤجر للحمل في الطواف أجزأ عنهما و ان استؤجر للطواف لم يجز عن الحامل.»[6]
أمّا إذا استُؤجر الشخص ليَطوفَ بالغير (بأن تكون صيغة الإجارة: «طُفْ بي»):
في هذه الصورة، قال بعضُ الفقهاء:
• طوافُ المنوبِ عنه صحيح؛ لأنّ النائب يطوف نيابةً عنه.
• طوافُ النائب لنفسه باطل؛ لأنّ بحصول الأُجرة، أصبحت حركاتُه في الطواف متعلَّقاً للإجارة، ممّا يُخلّ بقصد القربة بالنسبة إلى طوافه الخاصّ.
«الحمل جائز في الطواف و السعي و يحتسب لهما، إلّا أن يستأجره على حمله لا في طوافه.»[7]
3. الجواز المطلق
لا إشكال في ذلك؛ فكلا الطوافَين صحيح، لأنّ الشخص يمكنه أن يقصد القُربة في طوافه عن نفسه، بينما تكون الأُجرة متعلّقةً بالطواف عن غيره، لا بعبادته الشخصيّة.
«لو حمله حامل فطاف به أمكن أن يحتسب لكل منهما طوافه عن نفسه.»[8]
و بعبارة أخرى: في هذا الفرض، هل نقول إنّ هذا الشخص قد قام بعملين اثنين؟
١. طاف عن نفسه.
٢. طاف عن غيره.
فإن صدق الأمران معاً و كان لكلّ منهما نيّة مستقلّة، صحّ العملان. أمّا إذا لم يصدق ذلك، و كان مجموع الحركات منصرفاً إلى المنوبِعنه فقط، حُكم ببطلان طوافه عن نفسه.