47/05/25
بسم الله الرحمن الرحیم
علاقة النیابة مع قصد القربة/التکسّب بالواجبات /المکاسب المحرّمة
الموضوع: المکاسب المحرّمة/التکسّب بالواجبات /علاقة النیابة مع قصد القربة
ملخّص الجلسة السابقة
دار النقاش الفقهي حول «أُجرة الواجبات» بمناسبة مسألة الإجارة على الصلاة و الصيام، و انتهى إلى التساؤل التالي:
هل هذه الإجارات (الاستئجار على العبادات) مشروعة أم لا؟ بعبارة أخرى، إذا قام النائب (الأجير) بأداء عمل عبادي نيابةً عن المنوب عنه و قصد القربة فــَلِمن تتحقّق هذه القربة؟
الإشكال المطروح هنا هو: عندما يقوم النائب (الأجير) بأداء عبادة نيابةً عن شخص متوفى، فإنه يقصد القربة بأدائه. السؤال المطروح هو:
• لمن يحصل هذا التقرب؟
• إذا ذرفت عينا النائب دمعاً في الصلاة، و أظهر خشوعاً عباديّاً، فكيف ينتقل هذا الحال إلى الميّت الذي قضى عمره مثلاً في الفسق و لم يكن أهلاً للعبادة أصلاً؟
لقد صرّح المرحوم المحقق الإصفهاني بأنّ تقرّب النائب لا يمكن أن يكون سبباً لتقرّب المنوب عنه، و هذا محال. قال:
«إنّ التقرّب اللازم في العمل العبادي النيابي غير قابل للنيابة، فتقرّب النائب يوجب قرب نفسه لا قرب المنوب عنه، فالقرب المعنويّ كالقرب الحسي فإن تقرَّب شخص من شخص مكاناً يوجب قربه منه لا قرب غيره و إن قصده ألف مرّة و سيجيء إن شاء اللّه تعالى توضيح القول في كلّ جهة من الجهات.»[1]
جواب الإمام الخمیني (رحمةاللهعلیه)
أفضل إجابة قُدّمت هي ما أفاده الإمام (قدّس سرّه)، حيث يقول: «إنّ اعتبار نيّة التقرّب أو حصول القرب في العبادات غير ظاهر، إذ لا دليل عليه، فلا يعتبر فيها إلّا الإخلاص و كونها للّه- تعالى- و معه يسقط التكليف أو المكلّف به عن عهدة المنوب عنه و هذا موجب لامتيازه عن غيره ممّن يشتغل ذمّته و يمكن أن يصير ذلك موجباً للتفضّل عليه بإعطاء الثواب أو سقوط العقاب عنه».[2]
• النائب، يؤدّي العبادة لله و بقصد الإخلاص.
• لكن الثواب و أثر هذا العمل، يمكن أن يصل إلى الميّت تفضّلاً من الله- تعالى.
• التفضل الإلهي لیس له حدّ و لیس هکذا أن لا یکون الله قادراً علی إعطاء أثر عمل النائب للمیّت.
بالتالي:
◦ یأتي النائب العبادة صحیحاً تامّاً.
◦ یبرئ ذمّة المیّت.
◦ كذلك الثواب يصل إلی المنوبعنه تفضّلاً، تماماً كما ذُكر في الروايات أن أعمال الأبناء الصالحة تكون مؤثرة للوالدين.
نظريّتان كلّيتان في ماهية النيابة
تُشاهَد في كلمات الفقهاء نظريّتان مهمّتان:
النظرية الأولى: نظرية التنزيل
تقوم هذه النظرية ــ التي اختارها المرحوم الشيخ الأنصاري و آخرون ــ على أنّ النائب يقول: «اللهم! إني أُنزل نفسي منزلة المنوب عنه» أي أن النائب يضع نفسه في مقام المنوب عنه في أداء الأعمال الواجبة و المستحبة. هذا التنزيل يختصّ بالعبادات و التكاليف، و ليس في الخطايا و الذنوب التي قد يرتكبها النائب.
المثال: هناك نائب يحجّ، و في حال إحرامه يصطاد، قال الله- تعالی- فیه: ﴿يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾[3] هل الكفارة تقع على الميّت أم على النائب؟ يقول الشيخ الأنصاري:
«القربة المانع اعتبارها من تعلّق الإجارة هي المعتبرة في نفس متعلّق الإجارة و إن اتحد خارجاً مع ما يعتبر فيه القربة ممّا لا يكون متعلّقاً للإجارة فالصلاة الموجودة في الخارج على جهة النيابة فعل للنائب من حيث إنها نيابة عن الغير و بهذا الاعتبار ينقسم في حقّه إلى المباح و الراجح و المرجوح و فعل للمنوب عنه بعد نيابة النائب يعني تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه في هذه الأفعال و بهذا الاعتبار تترتّب عليه الآثار الدنيويّة و الأخرويّة لفعل المنوب عنه الذي لم يشترط فيه المباشرة و الإجارة تتعلّق به بالاعتبار الأوّل و التقرّب بالاعتبار الثاني فالموجود في ضمن الصلاة الخارجيّة فعلان نيابة صادرة عن الأجير النائب فيقال ناب عن فلان و فعل كأنّه صادر عن المنوب عنه فيمكن أن يقال على سبيل المجاز صلّى فلان و لا يمكن أن يقال ناب فلان فكما جاز اختلاف هذين الفعلين في الآثار فلا ينافي اعتبار القربة في الثاني جواز الاستيجار على الأوّل الذي لا يعتبر فيه القربة.»[4]
• التنزيل يقتصر فقط على جهة الأعمال العبادية.
• الأخطاء و المحرمات و النظر إلى الأجنبيّة و الصيد و ما شابه ذلك، هي أمور تخصّ النائب نفسه.
و عليه فإن كفّارة الصيد أو أيّ ذنب آخر تكون على عاتق النائب نفسه، و لا ترتبط بأيّ شكل من الأشكال بالمنوب عنه.
النظریّة الثانیة: نظریّة عدم التنزیل (إنتقال الذمّة)
بناءً على هذه النظرية، فإنّ التنزيل ليس ثابتاً على نحو الإطلاق، بل تنتقل ذمّة الميّت إلى ذمّة النائب.
فإذا دفع أولیاء الميّت الأجرة ــ مثلاً ثلاثمائة مليون للحج ــ انتقلت ذمّته كاملةً إلى ذمّة النائب.
و يصبح النائب مُلزَماً بأداء الحجّ الصحيح. و عليه:
• یبرئ ذمّة المیّت.
• النائب کالمدین الذي یتحمّل دینَ شخص آخر.
«ليست النيابة منحصرة بتنزيل النفس منزلة الغير بل النيابة في مثل الصلاة و الصوم عن الميت كأداء دين الغير. فكما أن من تقوم بأداء دين غيره لا ينزل نفسه منزلة المدين، بل يقصد الأداء بما في ذمته كذلك المصلى عن الغير يقصد الصلاة التي في ذمة الميت و تلك الصلاة لم يؤخذ فبها قيد المباشرة، كما أخذ هذا القيد في الصلاة التي في عهدة الحي، كما هو ظاهر خطابات التكاليف. و لذا لا تصح النيابة عن الحي في الصلاة و نحوها. و في صحيحة محمد بن مسلم عَنْ أَحَدِهِمَا (علیه السلام) قَالَ: «سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ أَدْرَكَهُ شَهْرُ رَمَضَانَ وَ هُوَ مَرِيضٌ فَتُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يَبْرَأَ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَ لَكِنْ يَقْضِي عَنِ الَّذِي يَبْرَأُ ثُمَّ يَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ».[5] فإن ظاهرها اشتغال عهدة الميت و فعل الآخرين قضاء عنه و لا يكون ذلك الا لعدم اعتبار المباشرة فيما يعتبر في عهدة الميت و يترتب على كون النيابة هي التنزيل أو ما ذكرناه إمكان الاستدلال- على عدم منافاة أخذ الأجرة على عمل مع التقرب المعتبر فيه- بما ورد في جواز الاستيجار للحج و العمرة، فإنه بناء على إنكار التنزيل تكون الأجرة بإزاء نفس الحج و العمرة و أما بناء على التنزيل، فقد تقدم عن المصنف (رحمه الله) دعوى أن الأجرة بإزاء التنزيل لا الحج و العمرة. و التنزيل أمر مستحب توصلي.»[6]
تحلیلان في انتقال الذمّة:
الف) انتقال الذمّة تماماً
تنتقل ذمّة الميّت تماماً إلى النائب، و بعد هذا الانتقال، لا يبقى أيّ تكليف على عاتق الميت.
ب) نظرية ضمّ الذمة إلى الذمة (نظريّة اللازم)
في هذا التحليل:
• تُضمّ ذمة النائب إلى ذمّة الميت.
• إذا أدى النائب العمل، تبرأ ذمّة الميت.
• إذا لم يُؤدِّ العمل، تبقى ذمة الميت مشغولة، و يجب الاستئجار لشخص آخر لأداء تلك الأعمال مرّةً أخرى.
هذا الوضع يشبه الضمان خلف الشيك: كلاهما ضامن؛ فإذا لم يدفع أحدهما، يتمّ اللجوء إلى الآخر.
الأثر العملي لنظرية ضم الذمة
إذا ثبت أنّ النائب لم يقم بأداء الصلوات أو صيام الإيجار، و كانت النظريّة هي «نظرية ضم الذمة»، فيجب الاستئجار لشخص آخر لأداء تلك الأعمال مجدّداً. أمّا إذا كانت النظريّة هي «الانتقال الكامل للذمة»، فبعد دفع المال، تبرأ ذمّة الورثة و تكون المسؤوليّة على عاتق النائب وحده، حتى لو كان خائناً.
دراسة مسألة الأجرة: رأي الشيخ و الانتقادات علیه
يفصّل الشيخ الأنصاري بين أمرين:
1. التنزيل (الأمر التوصّلي): يأخذ النائب المال لكي ينزل منزلة الميت.
2. العمل العبادي (الحج، الصلاة، الصوم): هذا العمل لا يقبل الإجارة لأنّه عبادي.
إذن، الأجرة تكون مقابل التنزيل و ليست مقابل العبادة نفسها.
الفقهاء، مثل آية الله السبحاني، لا يقبلون هذا التفريق و يقولون:
• التنزيل و العبادة غير قابلين للتفريق.
• النائب في الواقع يُستأجر لنفس العمل العبادي، و الأجرة تكون مقابل العمل و ليس مقابلاً لمجرّد عنوان التنزيل.
«إنّ ما ذكره من التصوير خلاف ما هو الواقع، إذ لا تؤخذ الأُجرة على صرف النيابة و إلا لاستحق الأُجرة بتحقّقها و انّما تؤخذ على الصلاة بعنوان النيابة و معه كيف يمكن أن يقال: انّ الأُجرة في مقابل النيابة و لا يشترط فيها القربة و ما يشترط فيه القربة- أعني: الصلاة- لا يؤخذ في مقابله شيء!»[7]
رأي آية الله مكارم الشيرازي
يقدّم آية الله مكارم الشيرازي طریقین للحل:
الحل الأول: الأجرة مقابل المقدمات
الأجرة تكون مقابل مقدّمات الحج، مثل تكاليف السفر و اختیار القافلة و اتخاذ الزاد و الراحلة (المؤونة و وسيلة النقل). عمل الحجّ واجب، و يؤخذ المال مقابل هذه المقدّمات.
الحل الثاني: نظرية «الداعي على الداعي»
النائب يقبل العمل بدايةً بدافع المال، و لكنه أثناء أداء العبادة يكون الدافع الأساسي هو «قربة إلى الله» لا المال؛ إذ لا يمكن لأحد أن يلزمه أو يراقب نيّته في أداء العبادة. العمل العبادي يُؤدَّى لله وحده، و عليه يكون الدافع النهائي إلهياً. بالتالي:
• الاستئجار لا يسقط القربة.
• العبادة تُؤدّى لله، حتى لو كان الدافع المالي موجوداً في البداية.
«إنّ نفس النيابة من الأعمال الراجحة المعلومة بالارتكاز للمتشرّعة جميعاً، خواصّهم و عوامّهم و يرونها إحساناً للميّت أو الحي و الإحسان إلى المؤمن من أفضل القربات، فكيف يغفل عن مثل هذا المعنى؟ فإذا لا مناص إلّا من نفي العبادات الاستيجارية مطلقاً على مبناه و القول بأنّ ما ورد في مثل الحجّ إنّما تؤخذ الاجرة على المقدّمات فحسب، إمّا نفس العمل فيقع قربیّاً بدون قصد الاجرة، أو لا بدّ من قبول عدم منافاة قصد القربة لأخذ الاجرة من طريق الداعي على الداعي.»[8]