47/05/19
بسم الله الرحمن الرحیم
العبادات الاستیجاریّة/التکسّب بالواجبات /المکاسب المحرّمة
الموضوع: المکاسب المحرّمة/التکسّب بالواجبات /العبادات الاستیجاریّة
ملخص الجلسة الماضية: كان النقاش الفقهي حول أخذ الأجرة على الواجبات و کلام الشيخ الأنصاري (أعلى الله مقامه الشريف) في هذا المجال.
نية الإخلاص في القدر المشترك:
إحدى النقاط التي نوقشت فیها هي: إذا كان الواجب من نوع التعبّدي التخييري، فهل تكفي لجواز أخذ الأجرة، نيّةُ الإخلاص في القدر المشترك أم لا؟
«إن كان تعبّدياً فإن قلنا بكفاية الإخلاص بالقدر المشترك و إن كان إيجاد خصوص بعض الأفراد لداع غير الإخلاص فهو كالتوصلي و إن قلنا إن اتحاد وجود القدر المشترك مع الخصوصية مانع عن التفكيك بينهما في القصد كان حكمه كالتعيني.»[1]
لتوضيح كلام الشيخ، يُطرح هذا المثال: شخصٌ ينوي أداء صلاة الظهر، ثمّ یقترح إلیه أحدهم أن يُصلّي في مكانٍ معيّن لكي يراقب أمواله و حقائبه أثناء قيامه بالصلاة، مقابل مبلغ قدره مليون تومان. فيقبل المصلّي أن يُصلّي هناك مع ملاحظة أموال ذلك الشخص.
في هذه الحالة، يجب أن تُؤدّى الصلاة بنيّة الإخلاص، و المصلّي يقصد بها القُربة إلى الله تعالى. و السؤال هو: هل تُعدّ هذه الإجارة صحيحة أم باطلة؟
تحلیل الشیخ الأنصاري
إذا قبلنا بأنّ الإخلاص في القدر المشترك كافٍ، فإن المصلّي الذي يقصد القُربة لأداء صلاة الظهر في المسجد لا يختلف حاله أيّاً كان الموضع الذي يُصلّي فيه داخل المسجد. فإذا طلب منه شخص أن يُصلّي في موضعٍ معيّن من المسجد ليقوم أثناء ذلك بمراقبة أمواله، فطالما أن الإخلاص محفوظ و لا يتنافى مع قصد القُربة، فإن المرحوم الشيخ الأنصاري يرى أنّ الإجارة صحيحة.
ويبدو برأینا أنّ تحديد مكانٍ أو زمانٍ خاصٍّ إنما هو تعيينٌ لفردٍ من أفراد الواجب التخييري؛ فالمصلّي مُخيَّر بين أماكن و أزمنة متعدّدة، فإذا عيَّن شخصٌ آخر واحداً منها، و وافق المصلّي على ذلك، فإنّ هذا لا يُنافي قصد القُربة.
نقد الإمام الخمیني (رحمهالله) علی مرأی الشیخ الأنصاري (رحمهالله):
يرى الإمام الخميني (أعلى الله مقامه الشريف) أن هذا المثال خارجٌ عن محلّ البحث.
«توجيه كلام الشيخ في الواجب التخييري بأنّ مراده الوقوع على الخصوصيّة غير مرضي، فإنّه خروج عن البحث لا تفصيل بين التخييري و غيره. بل التفصيل بين التعييني و التخييري، سواء كان التخيير شرعيا أو عقليا، مقتضى الدليل الذي تمسّك به في إثبات عدم الجواز من سلب احترام عمله لأجل أنّ استيفاءه منه لا يتوقّف على طيب نفسه، لأنّه يقهر عليه مع امتناعه و أحد أطراف التخييري ليس كذلك، فبقي على احترامه.»[2]
الإيجار و الأُجرة المدفوعة في هذا المثال ليست للصلاة نفسها، بل هي لحفظ الأموال و لا علاقة لها بالصلاة. فلو جلس الشخص نفسه في ذلك المكان دون أن يصلي و كان يراقب الأموال، لتمّ مقصود صاحب الأموال. و عليه، فالأُجرة هنا ليست مقابل واجب، بل بسبب خصوصيّة الحراسة و المراقبة، و هي خارجة عن مسألة أخذ الأُجرة على الواجب.
یبدو برأینا أنّ الإشکال وارد.
العبادات الاستیجاریّة
المسألة التالية هي: الصحّة أو بطلان الصلاة و الصوم الاستئجاري.
يقول المرحوم الإرواني في حاشية المكاسب:
«إنّ العمل النّيابي مطلوب من الأحياء و من جملة تكاليفهم الموجّهة إليهم و إن كان سببه فوت العمل من الأموات و هذا تكليف عبادي معتبر فيه قصد القربة كسائر التّكاليف العباديّة الموجّهة إليهم و التقرّب الذي يقصده النائب هو تقريب نفسه لا تقرّب المنوب عنه و لا يعقل أن يقصد أحد تقرّب غيره و يمتثل الأمر المتوجّه إلى غيره نعم تقرّب المنوب عنه هو أثر تقرّب نفسه فهو بقصده تقرّب نفسه قاصد تقرّب المنوب عنه بالواسطة و كان قصده للامتثال مؤثّرا في تقرّب نفسه بلا واسطة و في تقرّب غيره مع الواسطة و بسبب تقرّب نفسه و الحاصل يعتبر قصد التقرّب في العبادات النيابيّة على حذو ما يعتبر في سائر العبادات و يتوقّف قصد التقرّب هنا على قصد عنوان المتعلّق و هو عنوان النيابة كما يعتبر في غيره من العبادات قصد عنوان العبادة. و بالجملة محصّل ما يستفاد من أدلّة النيابة هو توجّه أوامر عباديّة للنّائب بعنوان النّيابة عن الغير نظير أوامر قضاء الأعمال الفائتة عن النّفس و هذه الأوامر نظير سائر الأوامر العباديّة لا تقصر عنها بشعرة في شيء من جهاتها نعم هو بعنوان النّيابة و تدارك ما فات على الغير كما أنّ أوامر القضاء بعنوان ما فات عن النّفس فلو قلنا بمنافاة أخذ الأجرة لقصد التقرّب في سائر الأوامر نافاه هنا و في هذا الأمر.»[3]
هذا العمل لا إشكال فيه؛ لأنّه توجد روايات تدلّ على جواز النيابة في الصلاة و الصوم. و يجوز للإنسان أن ينوب عن الميت و يقوم بصلاته و صومه ليسقط التكليف عن ذمّته.
الإشكال في نية القربة للنائب:
في هذا البحث، یُطرح إشكالٌ أساسي: عندما يُقيم النائب الصلاة و ينوي القربة، فمن الذي تتحقق له هذه القربة؟ هل تتحقق له هو أم للمنوب عنه؟ فالنائب يقول: «قربةً إلى الله»، و بالتالي فإن التقرب يتحقق لنفسه لا للميّت.
لقد عدّ بعض الفقهاء هذه المسألة مُوَلّدةً للإشکال، و يقولون إنّ التقرب المعنوي كالتقرب الحسي؛ فكما أنّ التقرب المكاني لا معنى له إلا للشخص الذي يتقرّب مكاناً، فكذلك في القرب المعنوي، إنما يتقرّب فاعل العمل العبادي إلى الله تعالى، لا شخصٌ آخر. فكيف يمكن لشخص حيّ أن يحقّق التقرّب لميت قد مضى؟
هذا الأمر يبدو لهم محالاً و غير معقول، و لكن على رأينا، إنّ دليل جواز النيابة يقتضي سقوط التكليف عن المنوب عنه، و إن لم يمكننا الجزم بما إذا كان يترتّب له تقربٌ أيضاً أم لا.
الأقوال الثلاثة حول النیابة في العبادات:
في هذا الصدد، طُرِحَت ثلاثة آراء فقهيّة:
1. الجواز المطلق: النيابة في الحج و الصلاة و الصوم جائزة بإطلاق.در این باره سه دیدگاه فقهی مطرح شده است:
قال العلّامة الحلّي (رحمهالله): «يجوز أخذ الأجر على الصّلاة عن الغير بشرط أن يكون ميّتاً».[4]
2. التحريم المطلق: النيابة في العبادات باطلة بشكل مطلق.
3. الفيض الكاشاني (رحمهالله): «أمّا الصلاة و الصوم فلم يثبت جواز الاستيجار لهما».[5]
4. التفصيل بناءً على المشروعيّة الخاصّة: النيابة جائزة فقط في الموارد التي يوجد فيها دليل شرعي خاص على جوازها.
قال المحقق الخوئي (رحمهالله) «يجوز الاستئجار للنيابة عن الأحياء و الأموات في العبادات التي تشرع فيها النيابة دون ما لا تشرع فيه كالواجبات العبادية مثل الصلاة و الصيام عن الأحياء و تجوز عن الأموات.»[6]
إشکالات المحقّق الإصفهاني:
قد طرح المحقّق الإصفهاني إشکالاتٍ في حاشیة المکاسب:
«(الاولى) ما هو الإشكال في الواجب التعبدي غير النيابي من منافاة أخذ الأجرة للتحفظ على الإخلاص المعتبر في العبادة إما عرضا أو طولا.
(الثانية) أن النائب لا أمر له بذات العمل، فلا يمكنه التقرب و أوامر النيابة توصلية و على فرض تقرب النائب بأمر النيابة فهو تقرب له بالإضافة إلى أمر نفسه لا بأمر المنوب عنه المتعلق بالمنوب فيه.
(الثالثة) أن التقرب اللازم في العمل العبادي النيابي غير قابل للنيابة، فتقرب النائب يوجب قرب نفسه لا قرب المنوب عنه، فالقرب المعنوي كالقرب الحسي فان تقرب شخص من شخص مكانا يوجب قربه منه لا قرب غيره و إن قصده ألف مرة و سيجيء إن شاء اللّه تعالى توضيح القول في كل جهة من الجهات.»[7]
1. أخذ الأجرة ينافي الإخلاص المعتبر في العبادات.
2. یکرّر الإشکال السابق من القرب الحسّي و المعنوي و یقول: إنّ النائب هو المتقرّب إلى الله، لا المنوب عنه. ولو نوى مئة مرة أنه يعمل لغيره عملًا، لم يحصل للغیر أيّ تقرّب.
إجابة الإمام الخمیني (رحمهالله) و تبیین القرب الاعتباري:
قال الإمام الخمیني (أعلی الله مقامه الشریف) لحلّ هذا المشکل: «إنّ القرب المعتبر في العبادة لو كان من الحقائق الواقعيّة كالكمالات الروحانيّة من حصول نحو تنزّه و تجرّد عن المادّة لكان حصولها للمنوب عنه بفعل النائب ممتنعاً لكن لا يعتبر ذلك فيها جزماً. و أمّا القرب الاعتباري و سقوط الأمر أو سقوط المكلّف به عن عهدته بفعل الغير بمكان من الإمكان. و يستكشف ذلك كلّه من أدلّة النيابة، فالنائب يأتي بالفعل بما أنّه منوب عنه فيحصل قرب المنوب عنه لا قرب نفسه و لا وجه لحصول القرب له في العمل عن غيره اللّهمّ إلّا تفضّلاً، فهذا القرب الاعتباري لا مانع من حصوله مع قصد تحصيله للغير، كما أنّ سقوط التكليف أو المكلّف به ممكن، فقياس القرب في المقام بالقرب الحسّي مع الفارق».[8]
إنّ القرب المعنوي و إن يتحقّق من الناحية العقلية للنائب، و لا يعقل القرب الحسيّ لغيره، إلّا أن العبرة في العبادات النیابیّة بالقرب الاعتباري لا الحسّي منه.
و المقصود من النيابة سقوط الأمر و براءة الذمة عن المكلَّف؛ أي إنّ فعل النائب بحكم الشرع، يُعتبر فعل المنوب عنه.
و على ذلك، تتحقّق القربة للميّت بالاعتبار و الفضل الإلهي، لا بالحس أو المباشرة. هذا کما قال الإمام الخمیني (رحمهالله) من أنّ قياس القربة المعنویّة في العبادات النیابیّة بالقربة الحسیّة، قیاس مع الفارق؛ لأنّ القربة هنا من نوع الفضل الإلهي؛ فالله تبارك و تعالی یعتبر ثواب النائب و قربه، ثوابَ المنوب عنه و قربَه و یبرئ ذمّة المنوب عنه من تكليفه.