47/05/17
بسم الله الرحمن الرحیم
التفصیل بین أنواع الواجب /التکسّب بالواجبات /المکاسب المحرّمة
الموضوع: المکاسب المحرّمة/التکسّب بالواجبات /التفصیل بین أنواع الواجب
ملخص الجلسة السابقة: يدور النقاش حول جواز أخذ الأجرة على الأعمال الواجبة، أي هل يجوز للشخص إذا كان عمل ما واجباً عليه أن يؤجِّر نفسه لأداء نفس ذلك العمل و یطالب عليه أجرةً أم أنّ الأجرة على الواجبات غير جائزة و عقد الإجارة في مثل هذه الحالات باطل؟
لقد تم النقاش حول صورتين من هذه المسألة في الجلسات الماضية. و یُناقش الآن في الصورة الثالثة، و هي أن يكون العمل واجباً على كل من المؤجّر (الأجير) و المستأجِر. و في هذا الفرض، يجب النظر فيما إذا كانت الإجارة صحيحةً أم باطلةً.
أقسام الواجب في هذا الفرض:
«الصورة الثالثة: و هي الوجوب على الأجير و المستأجر و هذا الواجب تارةً يكون واجباً عينيّاً على كلّ منهما و أخرى واجباً كفائيّاً عليهما أو تخييريّاً، المثال: إذا وجب بالوجوب العيني كصوم شهر رمضان فلا يصحّ الإجارة سواء استأجره لأن يصوم عن المستأجر أو يصوم عن نفسه فليعلم أنّ عدم الصحّة يستند إلى فقدان محتوى الإجارة من اشتراط مالكيّة العمل و إنتفاع المستأجر، فلمّا كان واجباً على الأجير فلا عمل له حتى يملك و المستأجر هنا لا يحصل له الملك و النفع. و لو وجب عليهما بنحو الكفائي أو التخييري و هنا إذا لم يعتبر المباشرة على المستأجر كالجهاد و استأجره لأجل أن يكون نائبا عنه و حينئذٍ فيصحّ الإجارة لتحقّق الأمرين المعتبرين في الإجارة و توضيحه أنّ النائب من جهة أنّه واجب عليه كفائيّاً مالك لعمله و المستأجر أيضاً يملك عمله أي عمل الأجير.
و أمّا إن اعتبر المباشرة كالصلاة على الميّت أو استأجره لأن يجاهد الأجير لنفسه فلا يصحّ لأجل فقدان الإعتبار الثانى من الإعتبارين. و أمّا فرض التخيير مثل أن يكون الوجوب على كلّ منهما تخييراً أو كان على أحدهما تخييريّا و كان على الآخر عيناً على وجه التعيّني، المثال: ما إذا وجب على الأجير إمّا الصوم أو إطعام ستيّن مسكيناً و وجب على المستأجر قضاء صوم أبيه بالوجوب العيني التعيّني، فإذا لم يعتبر المباشرة في عمل المستأجر يصحّ أن يأخذ نائباً للصوم و لو كان الصوم واجباً على الأجير من باب التخيير بين الصوم و بين الإطعام و لكن لو تعذّر على الأجير الإطعام و ضاق الوقت للصوم لا يجوز أن يصير نائباً و وجهه تعيّن الواجب أي الصوم عليه».[1]
الواجب یمكن أن يكون عينيّاً، أو كفائيّاً، أو تخييريّاً؛ مثل صوم شهر رمضان الذي هو واجب على كلّ مكلّف. إذا قال شخص لآخر: «صُمْ صومك، و سأدفع لك في مقابل ذلك عشرة ملايين تومان» فهذه الإجارة غير صحيحة؛ لأنّ العمل واجب عيني و الشخص الأجير مُكَلَّفٌ بأدائه. و في هذه الحالة:
1. الأجير ليس لديه ملكية للعمل ليتمكّن من رفع الید عنه في إطار عقد الإجارة.
2. لا يُتصوَّر نفعٌ للمستأجر؛ لأنه ليس صاحب نفع مباشر في أداء الأجير لواجبه العيني.
بناءً على ذلك، يرى العديد من الفقهاء، و منهم الإمام الخميني (رحمهالله)، أنّ مثل هذه الإجارة باطلة.
خلافاً للرأي السابق، يعتقد المرحوم المحقّق الخوئي (قدّس سرّه) أنّ هذه الإجارة صحيحة. و توضيح ذلك أنّه إذا قال المستأجر: «صُمْ صومك، و سأدفع لك عشرة ملايين»، فعقد الإجارة هذا صحيح، و يجب على المستأجر أن يدفع الأجرة بعد إتمام العمل؛ و ذلك للأسباب التالية:
• على الرغم من أنّ الصوم واجب، إلّا أنّ الأجير يمكنه أن يقصد قصد القربة بنفس العمل الواجب.
• عقد الإجارة ناظر إلى التشجيع نحو العمل و لا ينافي قصد القربة.
و لهذا السبب، حتى لو كان العمل الواجب تعبّدياً، فإنّ الإجارة عليه صحيحة؛ خاصّةً في الحالات التي يوجد فيها دافع لتقوية الإيمان و التشجيع على أداء الواجب (مثل تشجيع الإبن على الصلاة أو الصوم).
آراء الفقهاء في الفروض المختلفة:
الف) الواجب العيني
• رأي المرحوم الإمام الخميني: الإجارة باطلة؛ لأنّ العمل الواجب يتعلّق بذمّة المكلّف، و بالتالي ليس قابلاً لتمليك الغیر.[2]
إضافةً لذلك، يعتقد المرحوم الإمام أنّ بعض الواجبات هي دَيْن بالإضافة إلى كونها واجبةً، و لا يجوز أخذ الأجرة لأجلها. «أنّ الواجبات التي اعتبر فيها الدينيّة و الملكيّة للواجب- تعالى- لا يجوز الأجر عليها.»[3] مثل الحجّ و الصوم و إن یکونا واجبین و لکنّهما دین و علی ذمّة المکلّف و لا یمکن تحقّق الإجارة.
• المرحوم الخوئی (رحمهالله): الإجارة صحیحة؛ إذ لا ینافي قصد القربة أخذَ الأجرة و العقد ناظر إلی إلی الداعي لا ماهیة العبادرة.
«عدم منافاة الوجوب بما هو وجوب لأخذ الأجرة من دون فرق بين أنحائه من العيني و الكفائي و التعييني و التخييري.»[4]
ب) الواجب الکفائي
في الواجبات الكفائية كـتجهيز الميّت أو المشاركة في الجهاد، تصحّ الإجارة إذا لم تُشترط المباشرة. و يتفق على هذا كلّ من الإمام الخميني و المحقّق الخوئي؛ لأنّ أداء الواجب من أيّ مكلَّف يكفي، و لا مانع من أن يُؤجِّر أحد الأفراد نفسه للقيام به.
و الواجب الكفائي أيضاً على نوعين: النوع الأول (على سبيل البدلية): وهو ما يكون واجباً على فرد واحد على سبيل البدلية (قابل للانطباق على كل فرد)، و يسقط عن الباقين بفعله من قِبَل أحدهم؛ كـدفن الميّت.
النوع الثاني: و هو ما لا يكون واجباً على فرد واحد، بل هو واجب على جميع المكلّفين؛ كـالجهاد.
«إنّه لو قلنا فيه بأنّه واجب على كلّ مكلّف و إن سقط عنهم بإيجاد واحد منهم فلا إشكال في صحّة اعتبار العهدة عليهم و السقوط بأداء بعضهم. و إن قلنا بأنّ المكلّف فيه واحد من المكلّفين قابل للانطباق على كلّ مكلّف في الخارج و إن لم يكن الانطباق إلّا بنحو التبادل- بمعنى أنّه لا يجب عليهم عرضا كالصاع من الصبرة المبتاع، فإنّه منطبق على كلّ صاع من صيعان الصبرة لكنّ المملوك ليس إلّا صاعا واحدا، فهو منطبق على كلّ تبادلا. فاعتبار العهدة و الدينيّة أيضاً ممّا لا إشكال فيه.…و كيف كان لو اعتبرت في الكفائي العهدة و الدينيّة يكون الكلام فيه كالعيني، فإنّ المفروض وقوع الإجارة على الواجب و مع كون العمل ملكا للّه- تعالى- لا يصحّ تمليكه لغيره. لكن ليس في الواجبات الكفائيّة ظاهرا ما يعتبر فيها العهدة و الدينيّة للّه- تعالى- و لا جعل استحقاق و عهدة لغيره. و أنّ تجهيز الميّت و كذا إنقاذ الغريق بل و طبابة الطبيب ليست من هذا القبيل و ليس فيها من آثار الحقّ و الملك شيء. فالأقوى صحّة الاستيجار في الكفائيّات إلّا إن ثبت في كفائي اعتبار الملكية له- تعالى- أو لغيره».[5]
ج) الواجب التخییري
في الواجبات التخييريّة مثل الخصال الثلاثة في الكفّارات (إطعام ستّين مسكيناً أو صوم ستين يوماً أو تحرير رقبة)، فإنّ الإجارة جائزة أيضاً.
مثال: إذا اختار شخص الإطعام بدلاً من الصوم، يمكنه في الوقت نفسه أن یؤجّر نفسه للآخر ليصوم نيابةً عن غيره.
التحلیل النهائي:
1. في الواجبات العینیّة:
هناك خلاف جوهري بين الفقهاء في هذه المسألة. فالإمام الخميني يرى بطلانها، بينما المحقق الخوئي يرى صحّتها. دليل الإمام هو أنّ التكليف في الواجبات العينية يقع على عاتق المكلَّف، و بما أنّ العمل ليس ملكاً له، فلا يقبل الإجارة. أمّا المحقق الخوئي فيقول: إنّ وجوب العمل لا يتعارض مع قابليّته للتمليك، لأنّ الأجير يملك فعله و يمكنه أن يتعهد بأداء ذلك العمل مقابل أجر. و مثال ذلك أن يُستأجَر ليؤدّي صلاته في أوّل الوقت أو أن يجهر بها ليتعلّم غيره، و حتى المرحوم الإمام یمکن أن لا يورد إشكالاً على هذه الأمثلة. و من جهة أخرى، فرغم أنّ الإجارة قد تكون سفهيّةً، إلّا أنّ المعاملة السفهيّة ليست باطلةً، بل الباطل هو معاملة السفيه.
2. في الواجبات الکفائیّة و التخییریّة:
يتّفق كلا الرأيين (الإمام و الخوئي) على صحّة الإجارة، بشرط عدم اشتراط مباشرة الشخص فيها.
الخلاصة
من مجموع الأقوال و الأدلة، يمكن استنتاج ما يلي:
• الأجرة على الواجبات التوصّلية و التخييرية جائزة بلا إشكال.
• الأجرة على الواجبات الكفائية صحيحة، بشرط عدم اشتراط المباشرة.
• الأجرة على الواجبات العينية موضع اختلاف؛ فالإمام الخميني يرى أنّها باطلة، بينما يرى المحقق الخوئي أنّها صحيحة.
• في مقام التجمیع، يبدو رأي المحقّق الخوئي أكثر قابليةً للدفاع من ناحية إمكانيّة تحقّق قصد القربة و كون الدافع في دفع الأجرة عقلائيّاً.