« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

47/03/29

بسم الله الرحمن الرحیم

دراسة الحرمة المطلقة/التكسب بالواجبات /المكاسب المحرمة

 

الموضوع: المكاسب المحرمة/التكسب بالواجبات /دراسة الحرمة المطلقة

ملخص الجلسة السابقة:

النقاش الفقهيّ المطروح في كتاب «المكاسب المحرّمة» يتعلّق بحكم اكتساب المال و الأجرة على أداء الأعمال التي تجب على الإنسان شرعاً (أي ما يجب على الإنسان فعله). و بناءً على الرأي الذي طرحه الشيخ الأنصاري (قدس سره الشريف)، فإن الاكتساب و الأجرة على أداء الواجبات غير جائز، و يُعدّ هذا النوع من الكسب كسباً حراماً.

مَدَی شمول حكم الحرمة:

فيما يتعلّق بمدى شمول حكم الحرمة، یطرح السؤال حول ما إذا كان حكم حرمة الاكتساب على الواجبات يشمل جميع أقسام الواجبات أم أنّه يجري في بعضها فقط؟

و تشمل أقسام الواجبات المبحوث عنها ما يلي:

الواجب العيني

الواجب التعييني والتخييري

الواجب الكفائي

الواجب التوصّلی والعبادی

اقسام واجبات مورد بحث شامل موارد ذیل است:

• الواجب العیني

• الواجب التعییني و التخییري

• الواجب الکفایي

• الواجب التوصّلي و التعبّدي.

القول الأول: الحرمة المطلقة للأجرة على الواجبات

القول الأوّل هو أنّ حرمة التكسّب لأداء الواجبات هي حرمة مطلقة. و مطلقة يعني أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون هذا العمل الواجب واجباً عينياً أو تخييرياً أو تعبدياً أو توصّلياً أو كفائياً. و على هذا الأساس، فإن أخذ المال و الاجارة (كونه أجيراً) و الاستئجار لأداء الواجب باطل، و يُعدّ من باب أكل المال بالباطل.[1] [2]

آثار الحرمة المطلقة في الواجبات الکفائية

إذا سرى حكم الحرمة بإطلاقه على الأمر الواجب و شمل الواجب الكفائي أيضاً، فإنّ ذلك سيؤدّي إلى مفاسد کثیرة في النظام الاجتماعي.

أمثلة لذلك:

     غسل الميت و تكفينه و دفنه: إنّ أداء هذه الأمور واجب و وفقاً لهذا القول لا يجوز أخذ الأجرة عليها.

     الأطباء: إذا كان الطبيب منحصراً (سواء كان واجباً عينياً أو كفائياً)، فلا يجوز له أخذ الأجرة على المعالجة.

     المهن الضرورية: إنّ كثيراً من شؤون نظام المجتمع، كالخِبازة و الجِزارة، هي من واجبات النظام، و في حال إطلاق الحرمة، لا يحق للخبّاز أخذ الأجرة.

     القضاء: إذا كان القاضي في مدينة‌مٍا منحصراً، فلا يحقّ له أن يشترط أخذ المال ليقوم بالقضاء.

     الآثار الاجتماعيّة: في حال عدم جواز أخذ الأجرة على الواجب الكفائي، سيختلّ نظام المجتمع و تترتّب على ذلك آثار و تبعات كثيرة.

يقول أنصار هذا الرأي بأنّ على هؤلاء الأفراد أن يأخذوا رواتبهم من بيت المال، و لا يحقّ لهم أخذ الأجرة مقابل أداء الواجب. كما أنّه لا يجوز للطبيب الامتناع عن العلاج في حالة وجوبه؛ بل يجب عليه أن يطبب و إذا قدّم أحدٌ هديةً أو هبةً، فلا مانع، أما اشتراط المال و الامتناع عن العلاج في حال قلّة الأجرة، فهو حرام و باطل.

أدلّة القول بالحرمة المطلقة و نقدها

لإثبات القول الأوّل (الحرمة المطلقة)، أُقيمت أدلّة سنقوم بعرضها و نقدها في ما يلي:

الدليل الأول: الإجماع

قد ادّعى بعض العلماء، كسماحة السيد علي الطباطبائي في كتابه «رياض المسائل»، الإجماع على أنّ أخذ الأجرة على الواجبات، سواء كانت كفائيةً أو تعبديةً أو تخييريةً أو توصّلية فهو أمر محرّم.

و إليك نصّ ما جاء في كلامه:

«[من أنواع المکاسب المحرمة] أخذ الأُجرة علىٰ القدر الواجب من تغسيل الأموات و نحوها الواجبات الأُخر التي تجب علىٰ الأجير عيناً أو كفايةً وجوباً ذاتيّاً، بلا خلاف، بل عليه الإجماع في كلام جماعة و هو الحجة».[3]

نقد الإجماع:

يُوجّه إلى هذا الدليل نقدان رئيسيان:

1. عدم تحقّق الإجماع: هذا الإجماع غير مُحقَّق؛ لإنّ أقوال العلماء في هذه المسألة كثيرة، و قد قبل بعضهم تحريم الأجرة في بعض أقسام الواجبات دون بعضها الآخر.

2. الإجماع مدرکي: إنّ هذا الإجماع هو إجماع مدركي، بمعنى أنّه مستند إلى مجموعة من الروايات الموجودة في هذا الشأن. و الإجماع المدركي لا يمتلك حجّيةً مستقلّةً بذاته، بل يجب دراسة مدركه (مستنده).

الدليل الثاني: منافاة الأجرة لقصد القربة و الإخلاص

الاستدلال الثاني علی حرمة أخذ الأجرة: هو أنّ أخذ الأجرة ينافي شرط الإخلاص و قصد القربة اللازمين لأداء الواجبات. و حیث كانت الواجبات (خاصّةً الواجبات التعبُّدية) تتطلب قصدَ القربة، فإنَّ استلامَ المالِ (الأجرة) يُعتبر مانعاً من تحقُّقِ قصدِ القربة، و ذلك لأنَّ الشخصَ يؤدّي العملَ من أجلِ المالِ لا من أجلِ الله تعالى.

«أخذ الأُجرة علىٰ‌ القدر الواجب ینافي المأمور به كتاباً و سنّةً».[4]

نقد منافاة الأُجرة لقصد القربة:

1. عدم الشمول في الواجبات التوصليّة: هذا الإشكال يُطرح فقط في الواجبات التعبدية. فكثير من الواجبات، مثل الواجبات التوصليّة، لا تحتاج إلى قصد القربة. على سبيل المثال، الطبابة (إن كانت واجبةً لحفظ النظام أو كفائياً) و دفن الميّت و غسل الميت، لا تتطلّب قصد القربة.

2. إمكان قصد القربة مع وجود الأجرة (الداعي على الداعي): السؤال الأهم هو: هل تُنافي الأُجرة قصد القربة أم لا؟

◦ مثال الصلاة و الحجّ الاستیجاریین: في الصلاة و الحجّ النيابي (الاستئجاري)، قصد القربة شرط لصحة العمل. فإذا صلّی المصلّي رياءاً في الصلاة الاستئجارية، تبطل الصلاة.

◦ الجواب عن طریق الداعي علی الداعي: إذا كان الدافعُ الأوليُّ لقبولِ النيابةِ هو الحصولُ على الأُجرةِ (الداعي الأول)، فإنه بإمكانِ المؤدِّي عند مباشرةِ العملِ أن يقصدَ القربةَ ويؤديَ العملَ للهِ تعالى (الداعي الثاني/الداعي على الداعي).

◦ الشواهد: يُمكن لشخصٍ مُتديِّنٍ أن يقبلَ مالاً مقابلَ النيابةِ، و لكنّه عند قراءةِ الصلاةِ، يُؤدّيها في الخلوةِ، مُتوضئاً وُضوءاً صحيحاً، و مُراعياً كاملَ الشروطِ، مُتوجهاً بها إلى اللهِ و نيابةً عن الميتِ. في هذه الحالةِ، لا تُنافي الأُجرةُ قصدَ القربةِ، بل يرتبطُ الأمرُ بتديُّنِ الفردِ و التزامهِ. إذْ يستطيعُ الفردُ أخذَ المالِ و عدمَ أداءِ الصلاةِ أصلاً، و لكن إذا كان مُتدَيِّناً، فإنه يُقدِمُ على إتمامِ العملِ كاملاً بقصدِ القربةِ.

الحاصل: أخذُ الأُجرةِ لا يُنافي قصدَ الإخلاصِ، و يستطيعُ الإنسانُ المُتديِّنُ المُلتزمُ أن يقصدَ القربةَ الكاملةَ على الرغمِ من استلامِ الأُجرةِ. و بناءً على ذلك، فإن الاستدلالَ بأن أخذَ الأُجرةِ على الواجباتِ باطلٌ لمنافاته الإخلاصَ، هو استدلالٌ غيرُ صحيحٍ.

 


logo