46/07/28
بسم الله الرحمن الرحیم
فضیلة العلم و العالم/صفات المؤمن /جنود العقل و الجهل
الموضوع: جنود العقل و الجهل/صفات المؤمن /فضیلة العلم و العالم
ملخّص الجلسات السابقة: قد أشیر في المباحث السابقة إلى قيمة العلم، و ذُکرت هنا روایة یُفهم منها أنّ العلم يجب أن يسري إلى قلب الإنسان. في بعض الأحایین يكون طلب العلم مجرّد لقلقة اللسان؛ بمعنى أنّ العلم لا يؤثّر في قلب الإنسان و في بعضها يصل العلم إلى القلب و يؤثّر فيه. عندما تجرّبون شيئاً ما و تصلون إلى نتائج فسيصبح علمكم قضيّةً قلبيّةً و تؤمنون به.
من أین نعلم أنّ العلم قد أثّر فینا أم لا؟ قد نقل في روایة من أبي بصیر أنّه قال: «سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیهالسلام) يَقُولُ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (علیهالسلام) يَقُولُ يَا طَالِبَ الْعِلْمِ إِنَّ الْعِلْمَ ذُو فَضَائِلَ كَثِيرَةٍ فَرَأْسُهُ التَّوَاضُعُ وَ عَيْنُهُ الْبَرَاءَةُ مِنَ الْحَسَدِ وَ أُذُنُهُ الْفَهْمُ وَ لِسَانُهُ الصِّدْقُ وَ حِفْظُهُ الْفَحْصُ وَ قَلْبُهُ حُسْنُ النِّيَّةِ وَ عَقْلُهُ مَعْرِفَةُ الْأَشْيَاءِ وَ الْأُمُورِ وَ يَدُهُ الرَّحْمَةُ وَ رِجْلُهُ زِيَارَةُ الْعُلَمَاءِ وَ هِمَّتُهُ السَّلَامَةُ وَ حِكْمَتُهُ الْوَرَعُ وَ مُسْتَقَرُّهُ النَّجَاةُ وَ قَائِدُهُ الْعَافِيَةُ وَ مَرْكَبُهُ الْوَفَاءُ وَ سِلَاحُهُ لِينُ الْكَلِمَةِ وَ سَيْفُهُ الرِّضَا وَ قَوْسُهُ الْمُدَارَاةُ وَ جَيْشُهُ مُحَاوَرَةُ الْعُلَمَاءِ وَ مَالُهُ الْأَدَبُ وَ ذَخِيرَتُهُ اجْتِنَابُ الذُّنُوبِ وَ زَادُهُ الْمَعْرُوفُ وَ مَاؤُهُ الْمُوَادَعَةُ وَ دَلِيلُهُ الْهُدَى- وَ رَفِيقُهُ مَحَبَّةُ الْأَخْيَارِ».[1]
قد أشیر في بحث الأخلاق السابق إلی أن یجب علی طالبي العلم الالتزام بشروط خاصّة. قال الإمام الصادق (علیه السلام): «الْعِلْمُ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ مَنْ يَشَاءُ»[2] لا یحصل العلم بكثرة التحصيل، بل هو نور إلهيّ يوضع في قلب الإنسان. يجب أن يكون هذا النور مصحوباً بالمعنویّة. في العلوم الأخرى، كلّما قرأتَ أكثر فستتقدّم في هذا العلم، لكن في العلم الدينيّ ليس الأمر كذلك. قد يقرأ شخص كثيراً و لكن لا يصل إلى المناصب العالية، بينما یمکن أن يدرس شخص قلیلاً و لکن يصل إلى درجات عالية من العلم و المعنويّة.
علائم تأثیر العلم في الإنسان:
التواضع:
يجب أن يكون العلم مصحوباً بنور إلهيّ و على الإنسان أن یراقب قلبه و أنّه هل دخل هذا النور في قلبه أم لا؟ قد ذُکرت في الروایة المرویّة عن الإمام الصادق (علیه السلام) التي بیّنّاه في الجلسة السابقة علاماتٌ، منها التواضع. إذا زاد تواضعك فهذا يدلّ على أنّ هذا العلم قد أثّر فيك. أمّا إذا شعرتَ بالعظمة و اعتقدت أنّك شخصیّة مهمّة و حدث فیك التکبّر، فهذا يعني أنّ هذا العلم لم يؤثّر فيك. يجب على الإنسان أن يتحلّى بالتواضع دائماً خصوصاً عندما يرتفع مقامه.
عدم وجود الحسد: علامة أخرى تدلّ على أنّ العلم قد أثّر في قلب الإنسان هي عدم وجود الحسد. إذا كنتَ تشعر بالسعادة من تقدّم الآخرين و تفرح بتطوّر أصدقائك و المحيطين بك، فهذا يدلّ على أنّ العلم قد أثّر فيك. أمّا إذا كنت تشعر بالحسد و تريد تقليل شأن الآخرين فهذا يدلّ على أنّ هذا العلم لم يؤثّر فيك.
الاستماع إلى كلام الآخرين:
هناك علامة أخرى ذكرها الإمام الصادق (عليه السلام) و هي الاستماع إلى كلام الآخرين. إنّ الذين في قلوبهم نور العلم يستمعون إلى كلام الجميع حتّى لو كانت الكلمات صغيرةً و عاديةً فهم يستمعون إلیها من دون تعصّب و یقبلونها إذا کانت صحيحةً.
الصدق و البحث عن المسموعات:
هناك علامة أخرى و هي الصدق في القول. من وصل إلى العلم الحقيقيّ فإنّه دائماً يقول صدقاً و يتجنّب الكذبَ. و هو أیضاً یقوم بالبحث عمّا سمع من المعلومات الجدیدة حتّی یفهم أنّها صحيحة أم لا؟
حسن النية:
هناك علامة أخرى أشار إليها الإمام الصادق (عليه السلام) هي حسن النية. إذا كنت دائماً تنوي مساعدة الآخرين و ترغب في خدمة الناس فهذه علامة على أنّ العلم قد أثّر في قلبك. إنّ الذين يساعدون الآخرين و يشعرون بالرحمة تجاههم فهم سائرون في الطريق الصحيح.
البصيرة و دقّة النظر:
العلامة التالية هي العقل و البصيرة. إنّ من يحمل العلم الحقيقيّ في قلبه، يفكر دائماً بدقّة و يقوم بأعماله بتفكّر و تأمّل. يجب أن يكون هذا الشخص دقيقاً و بصيراً و یتجنّب الجهل.
الرحمة:
العلامة الأخرى هي امتلاك يد رحيمة. إنّ الذين دخل العلم في قلوبهم فهم لا یزالون يساعدون الآخرين و يمدّون يد العون للمحتاجين و الفقراء عند الاحتیاج. هم يسعون لحلّ مشاكل الناس و مساعدتهم.
التواصل مع العلماء:
العلامة الأخرى هي الرغبة في الاقتراب من العلماء. إنّ من وجد العلم الحقيقيّ فهو لا یزال یهتمّ بالجلوس مع العلماء و الاستفادة من علمهم.
إمتلاك هدفٍ صحيح:
العلامة الأخرى هي امتلاك هدف صحيح في الحياة. هذا الشخص يكون صائباً في كلّ عمل و یکون فکره صحيحاً. هدفه هو النموّ في العلم و المعنویّة و هو یرید النجاح في الآخرة أيضاً.
الورع و التقوى:
«وَ حِكْمَتُهُ الْوَرَعُ» ﴿وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾[3] . هذه الحكمة هي الورع؛ أي التقوى و البعد عن المحرّمات و تجنّب المشتبهات. في الأمور المشتبهة التي لا يعرف أنّه حلال أو حرام فهو يبتعد عنها. إذا كان لدینا هذا الورع و التقوى، فهذا هو علامة على أنّ نور العلم قد حصل لنا.
النجاة في الدنيا و الآخرة:
«وَ مُسْتَقَرُّهُ النَّجَاةُ» في النهاية يقول الإمام الصادق (عليه السلام) إنّ الذين بلغوا هذه الصفات فسیُنجَون في الدنيا و الآخرة. «وَ قَائِدُهُ الْعَافِيَةُ» قائدهم و مرشدهم هو العافية في الدنيا و الآخرة. «وَ مَرْكَبُهُ الْوَفَاءُ» عندما يريد الإنسان أن يسلك طريقاً ما فإنّه يحتاج إلى مركب قد يكون طائرةً أو سيّارةً أو فرساً أو جملاً، فهم سیصبحون بالوفاء بالعهد و الصدق في القول و العمل، محبوبین في قلوب الناس.
«وَ سِلَاحُهُ لِينُ الْكَلِمَةِ» کذلك الذين يرغبون في أن يكون لهم تأثير في المجتمع يجب أن يتعاملوا مع الناس بکلام طیّب و مع الحبّ لا بالتهديد و القوّة. كثير من الناس يحاولون بلوغَ أهدافهم باستخدام التهديد و العنف و لكن الذين يتصرّفون بالمحبّة و الأدب و الكلام الطيّب فلا یزالون في مکانة أفضل من قلوب الناس. «وَ سَيْفُهُ الرِّضَا وَ قَوْسُهُ الْمُدَارَاةُ» يضع السيف و السلاح و السهام و القوس جانباً و یرضی عن الناس و يتعامل معهم بلطف و مراعاة.
«وَ جَيْشُهُ مُحَاوَرَةُ الْعُلَمَاءِ» أكبر جيش للإنسان هو تأييد العلماء و محبّتهم. إذا كان جميع العلماء يعرفونك و يؤيّدونك و يقبلونك فذلك سيكون أعظم جيش لك. لا حاجة لتشكيل مجموعة من الأشخاص المسلّحين و المهدِّدين. بل صاحِبْ العلماء و استفد من تأييدهم. عندما يؤيّدك العلماء فستصل إليك المحبوبيّة بین الناس و القوّة الحقیقیّة بشكل طبيعي. هذه القوّة تتحقّق من خلال الكلام الطيّب و الأعمال الصالحة و الوفاء بالعهد، لا من خلال التهديد و القوّة.
«وَ مَالُهُ الْأَدَبُ» ثروته في أدبه. قد يكون هناك شخص غنيّ جدّاً و لکن يمنح نفسه في سبیل المال و الثروة و لكن مع ذلك لا يؤثّر هذا الشخص على الآخرين فحسب بل کثیراً ما يواجه الكراهيّة أو التجاهل. في المقابل، إنّ من يتحدّث بالأدب و يعامل الآخرين بالاحترام فسيجذب الجميع إليه و سيصبح محبوباً. في الحقيقة، الثروة الحقيقيّة توجد في الأخلاق و الأدب.
«وَ ذَخِيرَتُهُ اجْتِنَابُ الذُّنُوبِ وَ زَادُهُ الْمَعْرُوفُ» يجب على الإنسان أن يتجنّب الذنوب في حياته و أن یقوم من خلال ترك المعاصي بادّخار الأعمال الصالحة. من يتجنّب الذنوب و يسير في الطريق الصحيح ففي الحقيقة يهيّئ لنفسه زاداً لرحلته إلی الآخرة. في ما يتعلّق بالسفر و السلوك في مسار الحياة يُقال إنّه يجب أن يكون الإنسان متسامحاً و طيبّاً مع الجميع.
«وَ مَاؤُهُ الْمُوَادَعَةُ» عندما يكون الإنسان حسن الخلق في سفره أو في حياته اليوميّة فإنّ جميع من حوله يحبّونه و يشعرون بالراحة معه. في الحقيقة، الأخلاق الطيّبة تجعل الجميع يقفون إلى جانبك حتّی یُجعل مسار حياتك أسهل و أيسر.
«وَ دَلِيلُهُ الْهُدَى» في النهاية، الهداية و الإرشاد من عند الله. عندما یسیر الإنسان مسار حياته بشكل صحيح وفقاً لمراد الله فإنّ الله سیهديه و سيرشده إلی الطريق الصحيح. هذه الهداية تتجلّى من خلال الإلهامات الإلهيّة و إرشادات المعصومين أو حتّى من خلال الاستخارات، في حياة الإنسان. و بالتالي عندما يتوكّل الإنسان على الله و يقوم بارتباطه مع الله فإنّ الله سيهديه إلی الطريق الصحيح و یحمي عنه في حياته.