« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

47/04/21

بسم الله الرحمن الرحیم

مفهوم القوّامون و الدرجة/مرجعیّة النساء و قضاءهنّ /المرجعیّة و القضاء

 

الموضوع: المرجعیّة و القضاء/مرجعیّة النساء و قضاءهنّ / مفهوم القوّامون و الدرجة

 

خلاصة الجلسة السابقة: قد ذکرنا في الجلسة السابقة مسألة مرجعیّة النساء و کلام القائد المعظّم و دارسنا أیضاً آراء الفقهاء الماضین و المعاصرین في هذا الصدد.

قال الله الحکیم:

﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾[1]

شرح مختصر للآیة:

الرجال أولیاء و حرّاس علی النساء بما فضّل الله بعضهم علی بعض (من حیثیّة النظام الاجتماعي) و بما أنفقوا من أموالهم (للنساء) و الصالحات هنّ القانتات و الحافظات في غیبة (أزواجهن) أسرارهم و حقوقهم و (لکن) النساء الناشزات و المتمرّدات اللاتي تخافون من نشوزهنّ فعظوهنّ (و إن لم تؤثّر الموعظة) فاهجروهنّ في المضاجع (و إن لم یکن هناك طریق إلّا الشدّة علیهنّ حتّی یأتین بواجباتهنّ) فاضربوهنّ و إن أطعنکم بعدُ فلا تعتدوا علیهنّ (و اعلموا) أنّ الله کان علیّاً کبیراً (و قوّته أعلی القوی).

هذه الآية الشريفة محور النقاش اليوم في الفقه المعاصر؛ قد أستند إلیها أحياناً لإثبات صلاحیّة النساء للمرجعیّة و أحياناً لنفيها. استدل بعض الفقهاء بأنّ الرجال حیث هم قوّامون على النساء، فلا يمكن للنساء أن يبلغن مقام مرجع التقليد. لذا يجب تبيين المعنى الدقيق لـ«قوامون» و معنی قوله «بما فضل الله بعضهم على بعض».

دراسة مفهوم «القوّامین»

في تفسير كلمة «قوّامون» رأیان رئيسیّان بين المفسّرين:

    1. الرأي الأول: القوّام هو الذي تدبيره و إدارته و عقله فائق على الآخر. بناءً على هذا التفسير، الآية الشريفة تعبّر عن نوع من التفوّق العقليّ و التدبيري للرجال على النساء.

    2. الرأي الثاني: القوّام بمعنى القائم بالعمل، المتكفل و المسؤول في أمور الحياة و المعيشة العائليّة، أي الشخص الذي يقع على عاتقه واجب إدارة الأمور المادية للعائلة. وفق هذا الرأي، الآية تشير إلى القوّة الجسديّة و المسؤولية الاقتصادية للرجل في بيئة العائلة، لا إلى تفوّقه العقلي أو العلمي.

مدى دلالة الآية؛ عامّ في الرجل و المرأة أم خاصّ في الزوج و الزوجة؟

السؤال المهم هو أن الآية تشير إلى طبيعة الرجل و المرأة (أي مطلق الرجال قوّامون على مطلق النساء)، أم أن شأن النزول و سياق الآية يدلّ على أنّ المقصود علاقة الزوج و الزوجة؟

مع النظر في سياق الآية خاصّةً تعبيرات مثل ﴿بِما أَنفَقوا مِن أموالِهم﴾ و أيضاً ﴿فَالصّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلغَیبِ بِما حَفِظَ اللّهُ﴾ يتبیّن بوضوح أنّ موضوع الآية حياة الزوجية و علاقات الزوج و الزوجة، لا مقارنة عامّة بين الجنسين. فلهذا هذه الآية لا علاقة لها بتفوّق علمي و عقلي للرجال على النساء.

أقوال المفسّرین حول تفسیر الآیة الشریفة

الف) قال العلّامة الطباطبائي (قدس سره):

«قوله تعالى: ﴿الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ﴾ القيم‌ هو الذي يقوم بأمر غيره، و القوام و القيام مبالغة منه. و المراد «بما فضل الله بعضهم على بعض» هو ما يفضل و يزيد فيه الرجال بحسب الطبع على النساء، و هو زيادة قوة التعقّل فيهم.»[2]

النظرية الأولى، نظرية العلامة الطباطبائي التي تابعها جمع من المفسرين. بناءً على هذا الرأي، كلمة «قوّامون» تعني القائم بالتدبير و الإدارة للأمور، و المقصود من قوّامية الرجل تفوّقه في قوّة التعقّل و التدبير و الدراية في شؤون الحياة مقارنةً بالمرأة. بعبارة أخرى، الرجال بسبب الخصائص الطبيعيّة و النفسية، في مجال التدبير و الإدارة أكثر قدرةً.

بالطبع هذا الادعاء يشير إلى الواقع الخارجي القابل للفحص التجربي، و من هذا الجهة يمكن أن يكون موضوع بحث في علوم الحياة و العصبيات؛ لأنه يجب النظر في أنّه هل یکون بين دماغ الرجل و المرأة فرق هيكليّ أو وظيفيّ يمكن أن يكون أصلاً لهذا التفوّق في التدبير و العقلانية أم لا؟ إن كان من وجهة نظر العلوم الطبيّة و العصبية فرق في هيكل الدماغ، يمكن أن يكون مؤيّداً للتلقي المذكور من الآية، و إن لم یکن فرق، فهذا التفسير يحتاج إلى إعادة نظر.

و لهذا السبب، السؤال الرئيسي هو أن هل يمكن استخدام الآية الشريفة للقول بأنّ للرجال من جهة علميّة و عقليّة تفوّقاً على النساء؟ أم أنّ الآية تشير فقط إلى التفوّق في مجال المسؤوليّات التنفيذيّة و الاقتصادية؟

بناءً على رأي العلامة، قواميّة الرجل ناتجة عن زيادة قوّة التعقل و التدبير عند الرجال مقارنةً بالنساء؛ أي أنّ الطبيعة الرجاليّة من حيث التعقّل و صمود الفكر تفضّل على المرأة.

شرح: العلامة اعتبر هذا التفوّق ذاتياً و طبيعيّاً و يشير إلى الفرق العقلي بين الجنسين، لا مجرّد الدور العائلي.

قال آیةالله الگلبایگاني (قدّس‌سره) تأییداً للعلّامة الطباطبائي (قدّس‌سرّه):

«قوله تعالى ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء﴾، فإنّه ظاهر في قيموميّة الرجال على النساء، و لازمها سلطنة الرجال و حكومتهم عليهنّ دون العكس. فإن قيل: الآية واردة في مورد الزوجين. قلنا: و هل يجوز أن لاتكون المرأة ذات سلطنة في شئونها مع زوجها، و تكون لها السلطنة في خارج دارها و على غير زوجها من الرجال؟ فإن قيل: الآية المباركة تنفي ولاية النساء على الرجال، و أيّ مانع من ولاية المرأة على النساء؟ أمكن الجواب: بأن ذلك مقتضى الإجماع المركّب.»[3]

يرى آیةالله الگلبایگاني (قدس‌سرّه) أنّ الرجال لهم قوام على النساء بسبب القوّة البدنية و الرأي و العقل و أنّ شأن المرأة هو في البيت لا في ساحة المرجعيّة أو القضاء. هو لا يجيز مرجعيّة النساء و قضائهن و يعتمد على «الإجماع المركب».

و لكن كما ذكرنا، هذا الاستدلال استناداً إلى هذه الآية، غير صحيح؛ لأنّ الآية نزلت في السياق الأسري و لا تتعلّق بالمرجعية الدينيّة أو العلميّة.

ب) یقول آیةالله المکارم الشیرازي (دامت‌برکاته) ما حاصله:

﴿الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ﴾ الرجال أولیاء النساء و خادموهنّ. لتوضيح هذه الجملة يجب الانتباه إلى أنّ الأسرة وحدة اجتماعية صغيرة و يجب أن يكون لها قائد و ربّ واحد مثل أيّ مجتمع كبير، لأنه لا معنى للقيادة و الربوبية المشتركة التي يتولاها الرجل و المرأة معاً. بالتالي يجب أن يكون أحد الزوجين هو «الرئيس» و الآخر «المعاون» و تحت إشرافه، و القرآن يصرّح هنا أنّ منصب القيادة يجب أن يُعطى للرجل (لا يخطئ الظن بأنّ المقصود هو الاستبداد و الظلم و التعدي بل المقصود هو القيادة الواحدة المنظّمة مع مراعاة المسؤوليات و المشاورات اللازمة).»[4]

يرى آیةالله المکارم (حفظه‌الله) أنّ قوام الرجل تكون بسبب النفقة و المسكن و المسؤولية الأسريّة لا بسبب التفوّق العقلي أو العلمي. و يؤكّد أنّ كل نظام و أسرة تحتاج إلى قيّم، و قد جُعلت هذه المسؤولية على الرجل لما لديه من قوّة بدنيّة و قدرة أكبر على العمل لا لفضل علمي.

ج) یقول آیةالله الجوادي الآملي (دام‌ظلّه) ما حاصله:

«الآية الشريفة ﴿الرِّجالُ قَوّامونَ عَلَی النِّساء﴾ متعلقة بالمرأة مقابل الزوج لا بالمرأة مقابل الرجل بإطلاق. لا تقولوا الرجل و المرأة بل الكلام في الزوج و الزوجة أي في نطاق العلاقات الأسرية و الزواجية. هناك يجب على الرجل أن يتحمل الأعمال الشاقة لأنه وضعت مسؤولية إدارة الأسرة على عاتقه و يجب عليه القيام بأمور الحياة الصعبة.»[5]

برأینا إنّ هذا التفسير أوفق بسياق الآية و صدرها و ذيلها؛ لأنّ قوله ﴿و َبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ يبيّن أنّ الحديث عن مسؤولية الرجل المعيشيّة في الحياة الأسرية.

د) یقول آیةالله السبحاني (دامت‌برکاته):

«و مع ذلك ففي النفس من عموميّة الحكم أو إطلاقه شيء و هو أنّ وقوع الحكم أعني: كون الرجال قوّامون على النساء في ثنايا الأحكام المربوطة بالزوجين، و كون الملاك الثاني للتفضيل و القيمومة هو الانفاق، المختصّ بالزوج، يصدّنا عن الحكم القاطع بإطلاقه.»[6]

وهو يصرّح أيضاً على أنّ القوامة ليست تفضيلاً مطلقاً بين الجنسين بل هي تفضيل وظيفي و مسؤوليّ في إطار الحياة الأسرية.

برأینا لا دلالة لـ ﴿الرِّجالُ قَوّامونَ عَلَى النِّساءِ﴾ علی التفوّق العلميّ أو العقلانيّ للرجال علی النساء؛ إذ:

        1. سياق الآية أسري و يربط القوامة بالإنفاق المالي و إدارة المنزل.

        2. لا توجد قرینة في القرآن على تفضيل ذاتي لعقل الرجل على عقل المرأة.

        3. في مجال العلم و الاجتهاد، المعيار هو التخصّص و المهارة العلميّة لا الجنس كما في سائر العلوم (الطب، الرياضيات، الكيمياء وغيرها) حيث التفضيل تابع للجهد و الفردية.

لذلك لا يمكن استنتاج من الآية أن الرجال متقدمون أو أولى على النساء في العلم و الاجتهاد كما أثبتت التجارب أنّ النساء يمكن أن يسبقن الرجال في المجالات العلميّة في بعض الحالات.

نقطة هامّة في المرجعیّة و التبعیّة

مسألةُ مرجعيّة التقليد ليست من سنخ التبعيّة الشخصيّة بل هي تبعيّة علميّة و تخصّصية؛ أي إنّ المرجع يمثّل رأي خبير في علم الفقه و يتبعه المقلّدون اعتماداً على تخصّصه سواء كان ذلك الخبير ذكراً أو أنثى. لذلك لا يمكن استخدام آية ﴿الرِّجال قَوّامون النِّساء﴾ لنفي الأهليّة العلميّة أو الفقهيّة للنساء؛ لأنّ القوامة في هذه الآية تتعلّق بإدارة الحياة الأسريّة لا بالمرجعيّة العلمية و الدينيّة.

هل یجوز للمرأة أن تکون مرجعاً لامرأة أخرى؟

مسألة أخرى، حتى لو أراد أحدهم أن یحمل آیة: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ بتعصب و إصرار على عموم الرجال و النساء، و استنتج منها القوامة العامّة للرجال على النساء، فإن أقصى ما تدلّ علیه هو أنّ النساء لا یمکن أن یحکمْنَ على الرجال؛ و لکن السؤال هو: هل لا یمکن للنساء أن یکنّ قوّاماتٍ أو مراجع للنساء الأخریات؟

لنفترض أنّ هناك امرأةً متخصّصةً في الفقه و تقول: «أنا متخصّصة في مسائل الحیض و الاستحاضة و النفا لقد درست اللمعة و المکاسب، و بحثت النصوص الفقهیة، و أفهم هذه الموضوعات بدقّة أعمق من کثیر من الرجال».

هل یمکن القول في مثل هذه الحالات إنّ النساء لا یمکن أن یکنّ مراجع علمیة بین النساء؟ على سبیل المثال، في المسائل المتعلقة بالحَیض و النفاس و الجنابة، من یستطیع أن یفهم أحوال المرأة أفضل؟ المرأة أم الرجل؟

عندما تُسأل عما إذا کانت النساء یحتلمن أم لا، و في أيّ ظروف یحتلمن، فمن المؤکّد أنّ النساء أنفسهن یفهمن هذه الأمور بشکل أفضل. الرجال یفهمون هذه المسائل من الخارج و لیس لديهم إدراک تجریبي؛ فلماذا لا نقول إنّ النساء لدیهنّ تخصّص أدقّ و أعمق في بعض أبواب الفقه؟ هذا من شؤون التخصّص الفقهي نفسه، و لیس من شؤون القوامة الأسریة. و لا یمکن الاستدلال أبداً من آیة ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ على أن النساء لا یمکن أن یتصدّرن الرجال في المسائل النسائیة و الأحکام الخاصّة بالنساء؛ لأنّ ملاك الآیة هو ﴿بِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾؛ أي إذا لم یکن الرجل متکفّلاً بالإنفاق في الأسرة، فلا قوامة له على المرأة. إذن، القوامة تابعة للإنفاق، و لیست تابعةً للعقل أو العلم.

بناءً على ذلك، هناك نظريّتان أساسيّتان في هذا النقاش:

من مجموع آراء العلماء، تتضح نظريّتان في تفسير الآية:

     النظرية الأولى (العلامة الطباطبائي، و آيةالله الگلبایگاني و بعض آخر):

الرجال قوامون على النساء، لأنّ قوّة التعقّل و التدبير عندهم أكبر؛ و لذلك، فهم متفوّقون في إدارة الأسرة و المجتم

     النظرية الثانية (الآيات العظام الجوادي الآملي و المکارم الشیرازي و السبحاني و بعض آخر):

قواميّة الرجل في الآية تقتصر فقط على الواجبات الأسريّة و الاقتصاديّة؛ و لا تدلّ أبداً على التفوّق العلمي أو العقلي.

في رأينا، النظرية الثانية هي الصائبة؛ لأنّ الآية الشريفة ناظرة إلى إطار «الواجب» لا «الفضيلة». القواميّة تعني القيادة المادية، و ليست قواميّةً علميّةً أو روحيّةً. لا يوجد في الآية أيّ إشارة إلى القدرة العلمية. في العلم و الاجتهاد، المعيار هو العلمية و الاستدلال، لا الجنس. قد يتفوّق الرجال أحياناً في المسابقات العلمية، و قد تتفوّق النساء أحياناً، و ربما يثبت أنّ النساء أقدر من الرجال في بعض المجالات. و لكن في القوة البدنية، نعم، عادةً ما يكون الرجال أقوى في المصارعة و رفع الأثقال و كرة القدم؛ و لكن هذا الاختلاف الطبيعي لا علاقة له بالأهليّة العلمية و الاجتهادية. لا يوجد دليل عقلي أو نقلي على التفوّق العلمي للرجال.

نقطة علمیّة و طبیعیّة

لقد ذكر بعض الباحثين المعاصرين في العلوم التجريبيّة أن أدمغة النساء و الرجال تختلف بنيويّاً، و لكن هذا الاختلاف هو اختلاف وظيفي لا اختلاف قيمي. ففي بعض الجوانب، تكون النساء أقوى من حيث الذاكرة و التركيز العاطفي و تحليل التفاصيل؛ و في بعض الجوانب، يكون الرجال أسرع في التحليلات الفضائیّة أو سرعة اتخاذ القرار. و لكن أيّاً من ذلك لا يُعدّ دليلاً على «الأفضلية الذاتية».

دفع إشكال التفوّق في القوّة البدنيّة و الجسميّة للرجل

نقاشنا حول «الاجتهاد» هو نقاش علمي، و ليس اجتماعيّاً أو جسديّاً. الاجتهاد يعني القدرة على استنباط الأحكام من الأدلة التفصيليّة، و هذه القدرة تابعة للموهبة و الجهد العلمي، لا تابعة للجن إذا كانت هناك امرأة أعلم من رجل في علم الأصول و الفقه، فلماذا لا یكون رأیها الفقهيّة هي الأقوى؟ نحن عندما نقارن الآثار العلميّة، لا ننظر إلى ما إذا كان الكاتب رجلاً أم امرأة؛ بل ننظر أيّهما أقوى و أدق و أكثر استدلالاً.

لذا، فكما أنّ المعيار في علم الطب أو الرياضيات هو التخصّص، فكذلك المعيار في الفقه هو الأعلميّة في علم الفقه، لا الجن

دراسة الآیة الثانیة ﴿وَ لِلرِّجالِ عَلَیهِنَّ دَرَجَةٌ﴾

الآیة الأخری التي أستند إلیها، آیة (المأتان و الثمانیة و العشرون) من سورة البقرة:

﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[7]

معنی الآیة

النساء المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاث فترات من الحيض (و الطهر) و لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن (من حمل) إن كن يؤمن بالله و اليوم الآخر. و أزواجهن أحق بردهن في تلك الفترة إن أرادوا الإصلاح. و لهن (على أزواجهن) مثل الذي عليهن (من حقوق) بالمعروف، و للرجال عليهن درجة و الله عزيز حكيم.

لقد أراد بعض الفقهاء أن يستدلوا بتعبير ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ على التفوّق العام للرجال، و لكن التدقيق في بداية الآية و نهايتها يُظهر أنّ الآية ناظرة إلى الطلاق و العلاقات الزوجية، و ليست ناظرةً إلى المرجعيّة العلميّة.

 

إن العبائر کالتالي: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾، و ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾، و﴿إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا﴾، كلّها تتعلّق بمجال الأسرة. بالتالي، فإن الدرجة التي للرجال على النساء هي درجة وظيفية و حقوقية في سياق الطلاق، و ليست درجةً علميّةً أو عقلانيّةً. و في سائر شؤون الحياة، ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾، أي إنّ النساء و الرجال متساوون من حيث الحقوق الإنسانيّة.

برأينا، يجب النظر إلى قوله ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ بدقة بالنظر إلى ما قبله و ما بعده؛ فهذه الآية تتعلق بعلاقة الزوج و الزوجة في الحياة الزوجية، و ليست متعلّقةً بالمقام العلمي أو التفوّق الذاتي للرجال على النساء. في الحياة الزوجية، يتحمّل الرجل مسؤولياتٍ من جهات معيّنة، مثل دفع النفقة، و توفير المسكن، و دفع المهر، و الحقوق الأخرى التي تقع على ذمّته. و لهذا السبب، أعطى الإسلام حقّ الطلاق للرجل، و لكن هذا لا علاقة له بالمقام العلمي، بل هو حديث عن الحقوق الأسريّة.

بعض الحقوق تخصّ الرجل، و في المقابل، تمتلك النساء مكانةً رفيعةً أيضاً. الرجل مُلزم بتوفير الطعام للمرأة، و توفير المسكن، و العمل من الصباح حتى المساء، و كسب المال، و تلبية احتياجات المعيشة. حتى إنّ المرأة شرعاً غير مُلزمة بطبخ الطعام لزوجها أو غسل الأطباق أو غسل الملابس. في الواقع، الرجل في الحياة الأسرية هو بمثابة خادم للمرأة. و هذا هو أمر الإسلام؛ فقد نُظِّمت حقوق الرجل و المرأة في إطار الحياة الأسرية، و لا يدل ذلك على فضل علمي أو معنوي للرجل. الرجل مأمور بأن يخدم، ويتعب، ويدير الأسرة بمحبة. عبارة ﴿عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ لها معنى فقط في حدود العلاقات الأسرية، و ليس في مقام العلم و الفضل. هذه الدرجة تشير إلى مسؤوليات مثل حق الطلاق، كما جاء في الآية السابقة أيضاً: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾،﴾ أي إنّ للزوج حقّاً في إرجاع زوجته أثناء العدّة.

لذلك، يمتلك الزوج في الحياة الزوجية حقوقاً هي في بعض الجوانب أسمى، وفي جوانب أخرى أدنى؛ ففي المكان الذي يجب عليه أن ينفق و يوفّر المسكن و يتعب، هو في الحقيقة خادم. و في المقابل، في بعض الأمور مثل الطلاق، خُصَّ له حقّ مميّ إذن، بعض الأمور لصلاح الرجل و بعضها لصلاح المرأة، لكن أيّاً منها لا يدلّ على تفوّق علمي أو عقلي لأحدهما على الآخر.

لا يمكن أن يُفهم من هذه الآية الشريفة أنّ الرجال يسبقون النساء، أو أنّ النساء يسبقن الرجال، من الناحية العلمية؛ بل الآية تبيّن فقط تنظيم الحقوق و الواجبات في نظام الأسرة.

 


[5] زن در آینه جلال و جمال، آیت الله جوادی آملی، ص۲۱۶.
logo