47/03/30
بسم الله الرحمن الرحیم
مرجعیّة النساء/مرجعیّة النساء و قضاءهنّ /المرجعیّة و القضاء
الموضوع: المرجعیّة و القضاء/مرجعیّة النساء و قضاءهنّ /مرجعیّة النساء
طرح النقاش
إحدىُ قضايا الفقهِ المعاصرِ هي مرجعيّةُ النساءِ. قال القائد المعظّم عامَ 1403 هـ.ش خلالَ خطابٍ للنساءِ: اليومَ عددُ النساءِ المجتهداتِ ليسَ بالقليلِ، و نعتقدُ أنّه في كثيرٍ من المسائلِ النسائيةِ التي لا يملكُ الرجالُ تمييزًا جيّداً و صحيحاً بشأنها، يجبُ على السيداتِ أن يقلّدنَ المجتهداتِ.[1]
لقد صارت هذهِ العبارةُ للقائد المعظّم محلَّ نقاشٍ ونقدٍ و دراسةٍ في المحافلِ العلميةِ. إذْ أبدى بعضُهم إعجاباً بها بينما انتقدها آخرون. و السؤالُ الرئيسي هو:
•هل المرجعيةُ للنساءِ جائزة بصورةٍ عامةٍ أم لا؟
•هل المرجعيةُ للنساءِ في المسائلِ الخاصةِ بالنساءِ صحيحةٌ للنساءِ؟
إنَّ قولَ القائد المعظّم هذاَ يقتضي أن يُولى اهتمامٌ أكبرُ لهُ و أن يُجرى حولَهُ نقاشٌ علميٌّ. يجبُ أن يُراجعَ هذا الرأيُ من حيثُ مبادئِه الفقهيةِ و الأدلّةِ العلميّةِ إلى أيِّ مدىً هو مقبولٌ، و هل يمكنُ اعتمادهُ كنظريةٍ معتبرةٍ في الفقهِ أم أنّه لا تتوفرُ دلائلُ كافيةٌ لقبولِه و لا يمكنُ القبولُ بهِ.
و قد صرّحَ القائد المعظم قائلًا: «يجبُ على السيداتِ أن يقلدنَ المجتهدَةَ.»
هذا التعبيرُ «يجبُ» دالٌّ على الوجوبِ لا على الإباحةِ المجرّدةِ. و بالأخصِّ في المسائلِ الخاصّةِ بالنساءِ (كالحَيضِ و النفاسِ و الاستحاضةِ، و الجنابةِ لدى النساءِ) التي ليسَ لدى الرجالِ إدراكٌ كاملٌ لها، يطرح لزومُ رجوعِ النساءِ إلى المجتهداتِ النساءِ.
ضرورةُ هذا النقاش في المجتمعِ اليومَ
تشكلُ النساءُ نصفَ المجتمعِ و لَهنَّ مطالبٌ و احتياجاتٌ خاصةٌ. كما أنَّ الرجوعَ إلى الأعلَمِ في سائرِ العلومِ (مع غضّ النظرِ عن الجنسِ) أمرٌ عقلائيٌّ، فكذلك يَجوزُ طرحُهُ في الفقهِ.
مثالٌ: كما أنَّ المريضَ في الطبِّ يلجأُ إلى الأعلَمِ سواءٌ كان الطبيبُ رجلاً أم امرأةً، فالمعيارُ في الفقهِ هوَ «الأعلَميّةُ» لا الجنسُ.
أبدَتْ بعضُ السيِّداتِ في الاختباراتِ و الأطروحاتِ العلميةِ موهبةً و دقّةً عاليَتَين، و ظَهَرْن حتى بمستوى الاجتهادِ الحقيقيِّ. و هذا يدلُّ على أنَّ الموهبةَ العلميّةَ لا علاقةَ لها بالجنسِ.
مكانةُ التقليدِ في الفقهِ
الإنسانُ إمّا مجتهدٌ أو مُقلّدٌ أو مُحتاطٌ. إذا بلغ الاجتهادَ فعليه اتباعُ رأيه؛ لأنّ «رجوع الجاهل إلى العالم» لا معنى له حين يكونُ الشخصُ عالماً بنفسه. أدِلّةُ التقليدِ (العقليةُ، النقليةُ، بناء العقلاء و الرجوعُ إلى المتخصّص) كلّها تشيرُ إلى رجوعِ الجاهلِ إلى العالمِ.
شرطُ الرجوليّةِ في كلامِ الفقهاءِ
• المشهورُ لدى العلماء أنّ مرجعَ التقليدِ ينبغي أن يكونَ رجلاً.
• في كلامِ القدما لم يُطرحْ موضوعُ مرجعيةِ النساءِ.
• ذكرَ الشهيدُ الثاني في شرحِ اللمعة شروطَ الإفتاءِ و قالَ إنّ القاضيَ يجبُ أن يكونَ مجتهدًا و متوفراً فيه شروطُ الإفتاءِ و من ذلك «الرجوليّة»؛ .«وفي الغيبة ينفذ قضاء الفقيه الجامع لشرائط الإفتاء وهي البلوغ والعقل والذكورة...» [2]
• أشارَ الشهيدُ الأوّلُ إلى هذا الموضوعِ إجمالاً و قالَ إنّ القاضيَ يجبُ أن يكونَ مجتهداً و مستوفياً لشروطِ الإفتاءِ.
عدمُ طرحِ المسألةِ عندَ القدماء
في كلامِ فقهائنا المتقدّمِين لم يذكر أحدٌ مرجعيةَ النساءِ؛ لأنّ بُنيةَ تحصيلِ النساءِ و إمكانِ الاجتهادِ لهنّ لم تكن متاحةً أصلاً ذاك الزمان. کانتْ معظمُ آثارِ القدماءِ مجردَ نقلٍ لأحاديثِ الأئمةِ، و الاجتهادُ بالمفهومِ المعاصرِ لم يكنْ شائعاً في تلكَ الزمان.
مکانة هذا النقاش في أبوابِ الفقهِ
يُطرحُ هذا البحثُ في عدّةِ مواضعٍ فقهيةٍ:
• كتابُ الاجتهادِ و التقليدِ: شروطُ الإفتاءِ و المرجعيةُ.
• كتابُ القضاءِ: إمكانيةُ قضاءِ النساءِ.
• كتابُ الجهادِ: وجوبُ الجهادِ أو عدمُ وجوبهِ على النساءِ.
هناك فقهاءُ مثل المرحومِ آيةِ اللهِ الخوئي في «تنقيح» و آيةِ اللهِ مرتضوي لنگرودي في «الدرّ النضيد» تناولوا هذه المسألةَ تفصيلاً في مباحثِ الاجتهادِ و التقليدِ.
هذا النقاش فقهيّ أو أصولي
بَعْضُهُمْ اعتَبَرَ هذهِ المسألةَ أصوليّةً (ما يَقَعُ في طَريقِ الاسْتِنْباطِ). أمّا البَحثُ الأصوليُّ فليسَ استِنْباطَ الحُكمِ نفسهُ، بَلْ البَحثٌ الأصوليٌّ یقع في طَريق استِنْباطِ الأحكامِ.
• وَ لكِنَّ المَشهورَ یعتقدون بأنَّها مَسْأَلَةٌ فِقهيّةٌ؛ لِأنَّها تَتَعَلّقُ بفِعلِ المُكَلَّفِ (الإِفتاءُ و التَّقليدُ).
لِذَا تَدخُلُ شُروطُ المَرْجَعِيّةِ، مِثْلُ الرُّجوليّةِ أَو عدمِها، في زُمْرَةِ المَسائِلِ الفِقهيّةِ.
مَوْضِعُ النِّزاعِ الرَّئيسيّ
• جَميعُ العُلَماءِ يقْبَلونَ أنّهُ إذا بَلَغَتِ المرأةُ الاجتهادَ الحقيقيَّ وَ اعتَقدَت أنَّها أعلَمُ، فَوَاجِبٌ عليها أن تَعمَلَ بِرأْيِها و لا يَجوزُ رُجوعُها إلى غَيْرِها.
• الاختِلافُ هُوَ: هَل تَستَطِيعُ مِثلُ هذهِ المرأةِ أن تَكُونَ مَرجِعَ تقليدٍ لِلغَيرِ (سواءً نِساءً أَو رِجالاً) أم لا؟
إن قُلْنا في المَسائِلِ النِّسائيّةِ إنَّ النِّساءَ يَجُوزُ أن يَكُنَّ مَراجعَ، فهَذا واضِحٌ؛ لأنَّ الرَّجُلَ لا يَحِضُ ولا يَنفُسُ، وفي هذه المسائلِ الخاصّةِ يَجوزُ لِلنِّساءِ الرُّجوعُ إلى مُجتهِدَةٍ.
أمّا النقاش في أنّه ما الحکم في غَيْرِ المَسائِلِ النِّسائيّةِ؟
• إذا كانَ المَستوىُ العِلميُّ بينَ المرأةِ و الرَّجلِ مُتساوٍ، أو كانتِ المرأةُ أعلَمَ منَ الرَّجلِ، فَهَل يَجوزُ في هذه الحالِ القَولُ إنَّ المرأةَ تَستَطيعُ أن تَكُونَ مَرجِعَ تقليدٍ في المُطلَقِ (سِواءً في المَسائِلِ النِّسائيّةِ أو غَيرِها) لِلرِّجالِ والنِّساءِ؟
• أم يَنبَغِي القَولُ إنَّ مَرجَعِيّةَ النِّساءِ مَحصورَةٌ في النِّساءِ و فِي مَسائِلَ خَاصّةٍ فَقطِ؟
الأصلُ الأوّليُّ في مسألةِ مرجعیّة النساء
النُّقطةُ التي يجبُ النقاش حولها هي: إذا لم تَقنعْنا دلائلُ قائِلِي الرجوليّةِ (أي شرطُ كونِ المرجعِ رجلاً)، و في المقابلِ لم تُقنعْنا دلائلُ قائِلِي جوازِ مرجعيّةِ النِّساءِ، فما هوَ الأصلُ الأوّليُّ في هذه الحالِ؟
• في بعضِ أبوابِ الفقهِ، إذا شككنا (مثلاً في الطهارة أو النجاسة)، يكونُ الأصلُ الأوّليُّ الطهارةُ.
• أمّا في هذه المسألةِ، التي نَجهلُ فيها إمكانيّةَ كونِ المرأةِ مَرجعَ تقليدٍ أم لا، فما هوَ الأصلُ الأوّليُّ؟
أصلُ عدمِ الحجّيّةِ
الأصلُ الأوّليُّ هنا هوَ عدمُ الحجّيّةِ.
• أيْ إذا لم نعثرْ على دلائلَ كافيةٍ للإثباتِ أو النفيِ، فالأصلُ أنَّ فِتْوى المرأةِ ليستْ حجّةً.
• و بعبارةٍ أخرى: الشكُّ في الحجّيّةِ يساوق و یساوي عدمَ الحجّيّةِ.
دليلُ أصلِ عدمِ الحجّيّةِ
لأصلِ عدمِ الحجّيّةِ تُذكرُ دلائلُ، منها:
• استصحابُ العدمِ الأزلِيِّ: قبلَ ولادةِ هؤلاءِ النساءِ لم يكنْ لهُنَّ قولٌ ذو حجّيّةٍ، ولأنَّ الموضوعَ سالِبٌ لِانتفاءِه، نستصحبُ أنّه حتى الآن لا توجدُ لهُنَّ حجّيّةٌ.
نقدُ القائد المعظّمِ على استصحابِ العدمِ الأزلِيِّ
قال القائد المعظّم «هذا الاستصحابُ بعدمِ الأزلِيِّ غيرُ مقبولٍ؛ لأنَّ العقلاءَ لا يَقبَلونَ مثلَ هذا الاستصحابَ. لذلك لا يمكنُ أن يكونَ استصحابُ العدمِ الأزلِيِّ أساساً قويًا لأصلِ عدمِ الحجّيّةِ.»
فالأصلُ العامُّ هو: كلُّ ما شككنا في حجّيّتهِ، فالأصلُ فيهِ عدمُ الحجّيّةِ، ما لم تَثبُتْ لهُ الحجّيّةُ قطعاً.
و بناءً عليهِ، يلزمُ أن نُدارس هذا الأصلَ الأوّليَّ أوّلاً، ثم ننتقلَ إلى دلائلِ المؤيّدينَ و المعارِضينَ و نقَيِّمَ ما إذا كانتْ دلائلُهم كافيةً لإثباتِ شرطِ الرجوليّةِ أم لا.