46/11/15
بسم الله الرحمن الرحیم
لزوم تدارك انخفاض القیمة/التضخّم و انخفاض قیمة النقد /فقه النقد
الموضوع: فقه النقد/التضخّم و انخفاض قیمة النقد /لزوم تدارك انخفاض القیمة
خلاصة الجلسة السابقة: کان کلامنا في الفقه المعاصر حول تدارك انخفاض قیمة النقد و أنّه هل یجب التدارك عند انخفاض قیمة النقد؟ یوجد هناك قولان:
1. الوجوب أو جواز تدارك انخفاض قیمة النقد.
2. عدم الوجوب أو عدم جواز تدارك قیمة النقد.
قد دارسنا في الجلسات الماضیة دلائل لزوم تدارك انخفاض قیمة النقد (مثل قاعدة لا ضرر و الاحتفاظ علی القدرة الشرائیّة).
الرأي السادس: تأثیر العلم أو عدم علم المقرض بالتضخّم
یری آیةالله الهاشميّ الشاهروديّ أنّ تدارك انخفاض قیمة النقد یرتبط بعلم المقرض و عدمه بالتضخّم:[1]
• إذا علم المـُقرض أنّ قیمة النقد ستنخفض (مثلاً یعلم أنّ نسبة التضخّم ثلاثون أو أربعون بمأة) و یُقرض مع هذا العلم فحینئذٍ قد أقدم علی ضرره و لا یضمن المدین تدارك انخفاض قیمة النقد؛ إلزاماً للدائن بقاعدة الإقدام.
◦ المثال: تعلم أنّ قیمة مأة ملیون تومان ستنخفض بعد ستّة أشهر بسبب التضخّم و لکنّك تُقرض مع ذلك فلا یجوز لك مطالبة المدین بتدارك التضخّم.
• اذا لم یعلم مَن أقرض بهذ الأمر و حدث الانخفاض فجأةً فإنّه مغبون وفقاً لقاعدة لا ضرر و علی المدین تدارك الضرر لهذه القاعدة.
◦ المثال: في البلاد التي یکون التضخّم فیها قلیلاً إذا انخفضت قیمة النقود فجأةً بحیث لم یعلم المـُقرض فعلی المدین تدارك الضرر.
دلیل المدّعی:
قد أتی آیةالله الهاشميّ الشاهروديّ بهذا التفصیل نظراً إلی خیار الغبن في المعاملات:
• في المعاملات، إذا جهل البائع القیمة الواقعیّة و صار مغبوناً فله خیار الغبن و یستطیع فسخ المعاملة أو أن یُتدارك ضرره.
• أمّا إذا أقدم علی البیع عالماً بالقیمة الحقیقیّة ثمّ صار بعد ذلك مغبوناً فلا خیار له؛ إذ هو بنفسه أقدم علی الضرر علی نفسه.
• هکذا بالنسبة إلی القرض فإذا أقدم العالم بالتضخّم علی الإقراض فعملُه هذا یشبه إقدام العالم بالغبن علی البیع من حیث عدم الضمان. و لکن إذا لم یعلم فهو کالجاهل بالغبن و یجب تدارك الضرر المتوجّه علیه.
التحلیل و النقد:
• نقاط القوّة:
◦ الاستدلال بقاعدة الإقدام منطقي: إذا أقدم شخص علی الضرر مع العلم فلا یجوز له مطالبة التدارك.
◦ أمّا قیاس المقام بخیار الغبن في المعاملات ففیه تأمّل؛ إذ في کلیهما (المعاملة و القرض) نقاش حول الضرر و العلم.
◦ هذا التفصیل في البلاد التي یقلّ فيه التضخّم أو یوجد التضخّم فجأةً، یبدو معقولاً.
• نقاط الضعف:
◦ في البلاد التي تواجه التضخّم المرتفع (مثل إیران) یعلم جمیع الناس عادةً بالتضخّم الموجود (ثلاثون أو أربعون بمأة أو أکثر) و لو کان المقدار المحدّد من التضخّم لیس معلوماً لدیهم و لکن أصل التضخّم معلوم فبالتالي لا یکون لهذا التفصیل أثر عمليّ في مثل هذه المجتمعات فإنّ جمیع الناس یقرضون مع العلم بالتضخّم.
◦ الدلیل الأساسيّ للزوم تدارك انخفاض قیمة النقد، هو الحفاظ علی القوّة الشرائیّة لا مجرّد العلم و عدمه. النقد الاعتباريّ (خلافاً للذهب و الفضّة) کانت قیمته بالقوّة الشرائیّة. إذا أعطی المـُقرض نقداً إلی أحد فهو في الحقیقة قد نقل القوّة الشرائیّة إلیه و له أن یستردّ نفس هذه القوّة سواء علم بالتضخّم أم لا.
◦ قاعدة لا ضرر عامّة و لا تکون مشروطةً بالعلم و عدمه فإنّ قوله- تعالی: ﴿لَا تَظْلِمُونَ وَ لَا تُظْلَمُونَ﴾[2] یُنفي الظلم سواء علم المـُقرض أم لا.
الحاصل:
هذا الرأي على الرغم من قابليّتها للنقاش من الناحية النظريّة، غير مقبولة عمليّاً و بالنظر إلى العرف و دليل الحفاظ على القوّة الشرائيّة. إنّ تدارك انخفاض قيمة النقد واجب، سواء كان المقرض عالماً بالتضخّم أم لا، للأسباب التالية:
• إنّ مَن أقرض فهو ینقل القوّة الشرائیّة عرفاً لا الورق النقدي.
• إنّ قاعدة لا ضرر تنفي الضرر مطلقاً.
هذا التفصيل هو في الغالب تبرير لأولئك الذين لا يريدون قبول تدارك انخفاض قيمة النقد و لكنّه لا يتّفق مع أدلّة «لا ضرر» و الحفاظ على القوّة الشرائيّة.
الرأي السابع: الفرق بین أسباب التضخّم (الدولة أو السوق)
إقترح بعض أنّ تدارك انخفاض قیمة النقد یرتبط بالتضخّم:[3]
• إذا کان سبب التضخّم هو الدولة (مثلاً: إذا رفعت الدولة أسعار الدولار و الیورو أو السلع) فعلی المدین تدارك انخفاض قیمة النقد.
◦ المثال: تعلن الدولة أنّ قیمة الدولار لزوّار كربلاء كانت خمسین ألف تومان في العام الماضي و أصبحت سبعین ألف تومان هذا العام. إنّ هذا التضخّم قد أحدثته الدولة، فعلى المدين تدارك نقص قيمة النقد.
• إذا كان عامل التضخّم هو السوق (كمثال قيام المستثمرين برفع الأسعار عن طريق احتكار الدولار أو إحداث فقاعات سعريّة)، فإنّ المدين غير ضامن.
◦ المثال: يقوم المستثمرون بتجميع الدولار و بيعه بأسعار مرتفعة خلال أيّام العيد. هذه فقاعة و لا یجب التدارك على المدين.
دلیل المدّعی:
• التضخّم الحکوميّ رسميّ و مستدام فیجب تدارکه.
• التضخم السوقيّ (الفقاعة) مؤقّت و غير واقعي و قد يزول، لذا لا يلزم التدارك.
التحلیل و النقد:
• نقاط القوّة:
◦ إنّ التمييز بين التضخّم الحكوميّ و التضخّم السوقيّ قابل للنقاش من الناحية الاقتصاديّة.
◦ في الحالات التي ترفع فيها الحكومة الأسعار رسميّاً (مثل دولار الزوّار)، يُعتبر هذا التضخّم تضخّماً حقيقيّاً عرفاً.
• نقاط الضعف:
◦ يتوقّف ضرر المقرض في العرف على نتيجة التضخّم، لا على سببه. يقول الناس: «كنت أستطيع شراء كذا و كذا بمئة مليون في العام الماضي، أمّا الآن فلا أستطيع» هذا ضرر حقيقي، سواء كان العامل هو الحكومة أم السوق.
◦ التضخّم السوقيّ عادةً ليس مؤقّتاً. على سبيل المثال، إذا ارتفع سعر الدولار عشرة آلاف تومان فمن الممکن أن ينخفض ألفاً أو ألفي تومان فقط. هذا الانخفاض القلیل لا یتدارك الضرر.
◦ إنّ الناس یراجعون إلی السوق لا إلی الدولة. إنّ الدولة تعطي الدولار أشخاصاً معدودةً بقیمة معیّنة و لکنّ العرف یعتبر قیمة السوق هو المعیار. علی سبیل المثال إذا کان الدولار في السوق ثمانین ألف تومان فالعرف یقول: یحاسَب ضرر المـُقرض بهذه القیمة لا القیمة الحکومیّة.
◦ قاعدة «لا ضرر» تُنفي الضرر بشكل مطلق، سواء كان عامل التضخّم الحكومة أم السوق.
الحاصل:
هذا التفصيل أيضاً غير مقبول. العرف يقيس الضرر بالقوّة الشرائيّة في السوق، لا بعامل التضخّم. إذا أقرض شخص مأة مليون تومان و الآن لا يستطيع شراء تلك السلع بها فقد تضرّر و هذا الضرر يجب تدارکه، سواء كانت الحكومة هي عامل التضخّم أم السوق.
الرأي الثامن: تأثیر نیة المـُقرض (النقد الاعتباري أو قدرة الشراء)
قدّم آیةالله الهاشميّ الشاهروديّ تفصيلاً آخر و هو أنّ تدارك انخفاض قیمة النقد یرتبط بنیّة المـُقرض:[4]
• إذا نوى المـُقرض إقراض النقود الاعتباريّة (النقود الورقيّة)، فإنّه يستردّ نفس النقود الاعتباريّة عند الدفع و لا يضمن التضخّم.
المثال: ینوي أنّي أعطیك مأة ملیون تومان من النقود الورقیّة و سأطلب منك المأة نفسها من دون التفات إلی التضخّم. إذا نوى المـُقرض إقراض القوّة الشرائيّة، فيجب عليه عند الاسترداد استلام معادل القوّة الشرائيّة و يكون المدين ضامناً للتضخّم.
المثال: ینوي أنّي قد أعطیك قوّةً شرائیّةً قدرها مأة ملیون (مثلاً یعادل خمسة سکوك ذهبیّة) و علیك أن تعید نفس القوّة الشرائیّة.
دلیل المدّعی:
• ما یُنقل في القرض إمّا أن یکون مثل النقد (النقد الاعتباري) أو قوّة الشراء.
• إذا کان ما نوی المـُقرض، هو النقد الاعتباريّ فهو مثل اقتراض شيء مثليّ (کالحنطة) و یجب استرداد ذاك المثل.
• إذا کان ما نوی المـُقرض هي القوّة الشرائیّة فهو مثل اقتراض القیمة (مثل قیمة الذهب) و یجب استرداد القیمة المعادلة.
التحلیل و النقد:
• نقاط القوّة:
◦ من الناحية النظريّة، فإنّ التمييز بين النقود الاعتباريّة و القوّة الشرائيّة قابل للنقاش.
◦ النیّة مؤثّرة في بعض المعاملات (مثل العقود) فربّما یکون لها تأثیر في القرض أیضاً.
• نقاط الضعف:
◦ لا يُقرض أحد النقد من أجل ورقه عرفاً، بل من أجل قوّته الشرائيّة. قيمة النقود الاعتباريّة هي بقوّتها الشرائيّة، لا بظاهر الورق أو الرقم الاسمي. عندما يُقرض شخصٌما مأة مليون تومان، فإنّه ينقل القوّة الشرائيّة عرفاً.
◦ لا دور للنیّة في العرف الخارجي. لا یلتفت الناس إذا أقرضوا إلی ظاهر النقد أو عدده الإسميّ بل یتفکّرون ما هو الذي یتمکّنون من شرائه به.
◦ لیس النقد الاعتباريّ مثل الذهب أو الحنطة حتّی یستردّ مثله. تکون قیمة النقد الاعتباري في سعره و هذه القوّة یجب أن تتدارك.
◦ قاعدة لاضرر و آیة ﴿لَا تَظْلِمُونَ وَ لَا تُظْلَمُونَ﴾[5] تنفيان الضرر سواء کانت نیّة المـُقرض النقد الاعتباري أو القوّة الشرائیّة.
الحاصل:
لا يمكن قبول هذه النظريّة أيضاً من الناحية العمليّة. فالمقرض عادةً ينقل القوّة الشرائيّة لا مجرّد النقود الورقيّة. إنّ النيّة (سواء كانت نقوداً اعتباریّةً أو قوّةً شرائيّةً) لا يمكنها حلّ مشكلة التضخّم و ذلك لأنّ:
• النقد الاعتباريّ یکون وسیلةً لانتقال قوّة الشراء عرفاً فحسب.
• یجب تدارك انخفاض قیمة النقد لقاعدة لا ضرر و الحفاظ علی القوّة الشرائیّة مع غضّ النظر عن النیّة. هذه النظريّة مثل النظريّة الأولى، هي تبرير نظريّ، لكنّها لا تتوافق مع الواقع الخارجيّ و العرف.
طریق التدارك مع الفتوی بعدم لزوم التدارك
إذا صُدِرت فتوى بعدم وجوب التدارك، فهل هناك طريقة تمكّن بها المـُقرض (الدائن) من مطالبة تدارك انخفاض قيمة النقد؟
قال بعض: یشترط علی المدین بأن یتدارك انخفاض القیمة عند الاسترداد.[6]
• هذا الشرط لیس مخالفاً للقرآن و السنّة.
• یوجب خروج مسألة التدارك عن الإبهام.
التحلیل و النقد:
• یجب أن یناقَش علی المبنی:
• إذا کان المبنی وجوب تدارك انخفاض قیمة النقد، وجب التدارك سواء أُشترط التدارك أم لا.
• إذا کان المبنی أنّ تدارك انخفاض القیمة، من الربا و حراماً فإنّه لا یصبح حلالاً بالاشتراط.