« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

46/11/08

بسم الله الرحمن الرحیم

لزوم تدارك انخفاض القیمة/التضخّم و انخفاض قیمة النقد /فقه النقد

 

الموضوع: فقه النقد/التضخّم و انخفاض قیمة النقد /لزوم تدارك انخفاض القیمة

 

خلاصة الجلسة الماضیة: کان کلامنا في الفقه حول تدارك انخفاض قیمة النقد. هناك قولان رئیسیّان:

    1. عدم الوجوب أو عدم جواز تدارك انخفاض قیمة النقد.

    2. الوجوب أو جواز تدارك انخفاض قیمة النقد.

قد تمّت دراسة أدلّة هذين القولين في الجلسات السابقة. و اليوم سنحدّث عن قول بعض الأعاظم منهم آية الله البهجت (رحمه الله) و آية الله مكارم الشيرازي. و رغم أنّهم قائلون بوجوب تدارك انخفاض قيمة النقد و لکنّهم ذهبوا إلی الاحتياط في المصالحة أو مراعاة العرف العام. كذلك سنشير إلى رأي آية الله الصافيّ الگلبايگاني حول تدارك الضرر الناشئ عن التأخير في الدفع و معايير تدارك انخفاض قيمة النقد.

لزوم التدارك و الاحتیاط في المصالحة

قال آية الله البهجت (رحمه الله): یجب تدارك انخفاض قيمة النقد و الأحوط المصالحة؛ أي يحدّد الدائن و المدين مقدار المتدارك بالتوافق (المصالحة). كما أكّد آية الله مكارم الشيرازي على ضرورة تدارك انخفاض قيمة النقد و لكنّه أوصى بالمصالحة في بعض الحالات و أشار إلى دور العرف العام.

کلام آیة الله المکارم:

يقول آية الله مكارم الشيرازي: «عصرنا هذا، بما فيه من شدّة و اتساع للتضخّم، هو من نتائج النقود الورقيّة. فإذا تمّ الاعتراف به (تدارك انخفاض القیمة) في العرف العام، فلن يدخل في مسألة الربا. أمّا في بيئتنا و ما شابهها، حيث لا یحاسَب معدّل التضخم بين الناس في العرف العام، فإنّه یعتبر بینهم من الربا تماماً و لا یحاسب لدیهم التفاوت من التضخّم».

     في الودائع المصرفيّة، تُحسب نسبة التضخّم و لا يُعدّ الربح المدفوع للمودّع رباً، لأنّه قد رسخ في العُرف.

     لکن في المعاملات الشخصيّة (مثل القرض بين شخصين) إذا لم يقبل العُرف العام تدارك التضخّم، فإنّ أخذ مبلغ إضافيّ لتدارك التضخّم يُعدّ رباً.

     مثال: إذا استقرضتُ منك مائة مليون تومان و قلتَ لي يجب أن أُعيد مائة و عشرين مليوناً (بسبب التضخّم)، فإن العُرف العام يعدّ هذا من الربا، لأنّه لم يرسخ بعدُ في العُرف أنّ التضخّم يجب تدارکه. لذا في هذه الحالات، إمّا أن تُعيد المائة مليون نفسها أو تتصالح.

تحلیل کلام آیةالله المکارم:

إنّ قبول سماحة آیة الله المکارم لأصل التدارك و إحالته الفروع إلى العرف العام، هو بمعنی أنّه إذا لم یقبل العرف تدارك التضخّم، فإنّ أخذ مبلغ إضافيّ قد یکون مصداقاً للربا. هذا الرأی هو نوع من الاحتیاط في العمل لتجنّب شبهة الربا.

لماذا يوصي هؤلاء الأعلام، على الرغم من قولهم بوجوب التدارك، بالاحتياط في المصالحة أو مراعاة العرف؟

هناك وجهان لهذا الاحتیاط:

    1. عدم وضوح الأدلّة (غموض في المسألة): إذا لم تكن أدلّة تدارك انخفاض قيمة النقود واضحةً تماماً للمجتهد، فإنّهم يحتاطون و يقولون: «تصالحوا». لكن هذا لا يتّفق مع فتواهم الصريحة (بوجوب التدارك). فإذا كانت الأدلّة غامضةً، فلماذا أفتوا بوجوب التدارك؟ يبدو هذا تناقضاً، حيث ينبغي عليهم إمّا أن يقولوا بشكل قاطع إن ّ التدارك لازم أو غير لازم. و قد تكون التوصية بالمصالحة دالّةً على تردّد في الأدلّة.

    2. عدم وضوح طريقة التدارك: الوجه الثاني هو أنّ الطريقة الدقيقة لتدارك انخفاض قيمة النقود غير محدّدة. فمثلاً:

        3. كيف نحسب التضخّم؟

        4. هل بنسبة تضخّم البنك المركزيّ أم سعر الذهب أم الدولار أم شيء آخر؟

        5. قد لا يكون معدّل التضخّم دقيقاً (فقد يعلن البنك المركزيّ عن تضخّم أقلّ أو أكثر).

لهذا السبب، أوصى هؤلاء الأعلام بالمصالحة ليقوم الدائن و المدين بالاتفاق على مقدار المتدارك و تجنّب شبهة الربا أو الخلاف.

طرق تدارك انخفاض قیمة النقد

قد أُقترحت عدّة طرق لتدارك انخفاض قیمة النقد، یجب أن ندارسها حتّی نجد أیّها أکثر عقلانیّةً:

    1. المحاسبة بالعملة الأجنبیّة (مثل الدولار):

یقترح بعض بأن نحاسب سعر النقد بالدولار أو العملات الثابتة؛ إذ سعر الدولار یتغیّر قلیلاً بالنسبة إلی النقود المحلیّة (مثل الریال).
هنا إشکال:

        2. سعر الدولار يتأثّر بالقضايا السياسيّة (مثل المفاوضات و العقوبات أو الحرائق في مكانٍ ما). هذه الأسعار لا تعكس القيمة الحقيقيّة للدولار، بل هي أجواء سياسيّة يفاقمها الخصوم أحياناً.

        3. الدولار ليس معياراً دقيقاً؛ لأنّ قيمته تعتمد أيضاً على عوامل عالميّة و سياسيّة.

الحاصل: هذه الطریقة لیست موثوقةً تماماً.

    4. المحاسبة بالذهب:

الإقتراح الآخر هو أن نحاسب سعر النقد بالذهب (مثل الصکوك الذهبية)؛ على سبيل المثال، إذا كان سعر الصکوك الذهبيّة قبل عام ستّین مليون تومان و أصبح الآن ثمانین مليون تومان؛ فإنّ تدارك انخفاض قيمة النقد يجب أن يستند إلى هذا الارتفاع.

المیزة:

        5. الذهب ذو قيمة جوهريّة و هو أقلّ تأثراً بالضجيج السياسيّ بالنسبة إلی الدولار.

هنا إشکال:

        6. سعر الذهب أيضاً يعتمد على الدولار في بعض الأحيان (فإذا ارتفع الدولار، يرتفع سعر الذهب أيضاً).

        7. حباب قیمة السعر في العملة الذهبيّة (الفرق بين السعر الحقيقيّ و سعر السوق) قد تجعل الحساب غير دقيق.

الحاصل: هذه الطريقة أفضل من الحساب بالدولار؛ لأنّ الذهب ذا قيمة جوهريّة و هو معيار أكثر منطقيّةً. و قد أيّد بعض العلماء هذه الطريقة أيضاً.

الحساب بمعدّل تضخّم البنك المركزيّ أو معدل تضخّم مركز الإحصاء الإيراني:

يعلن البنك المركزيّ أو مركز الإحصاء الإيرانيّ عن معدّل التضخّم (على سبيل المثال، ثلاثون أو ثلاث و ثلاثون بالمائة سنويّاً). و يمكن إجراء التدارك بناءً على هذا المعدّل.

المیزة

        8. هذا هو المعدّل الرسميّ و يستخدم في المحاكم (على سبيل المثال لحساب المهر).

        9. يُفترض صحّة إعلان البنك المركزيّ عن المعدّل الصحيح.

إشکال

        10. لا يكون معدّل التضخّم المعلَن، دقيقاً في بعض الأحيان. على سبيل المثال، لا يتمّ أخذ بعض الأقلام (مثل الإسكان) في الحسبان عند الحساب أو قد تعلن الحكومة عن تضخّم أقلّ للحفاظ على المظهر.

        11. في الفضاء الافتراضيّ و بين الناس، یتمّ تداول معدّلات مختلفة (على سبيل المثال، أربعون بالمائة) تختلف عن المعدّل الرسميّ.
الحاصل: هذه الطريقة معقولة أيضاً و لكن نظراً إلی احتماليّة عدم دقّة معدّل التضخّم، فقد لا تكون عادلةً تماماً.

تدارك الضرر الناتج من التأخیر

يرى آية الله صافي الگلبايگاني (رحمه الله) عدم لزوم تدارك انخفاض قيمة النقد، لكن لديه رأي مختلف بشأن التأخير في أداء الدين، قال: «بشكل عام، إذا كان دين الأشخاص عبارةً عن أوراق نقديّة متداولة و ما شابهها و حلّ موعد وفاءه أو كان الاشتغال بالذمّة به نقداً و بعبارة أخرى كان الدين حالّاً أو في حكم الحال و مع مطالبة الدائن، يتسامح المدين في التأخير في الأداء و مع زيادة مؤشّر الأسعار و تغيّر القدرة الشرائيّة، ينخفض ماليتّه و القدرة الشرائيّة بشكل زائد عن المتعارف عليه بحیث لا یُتسامح فيه، فالظاهر أنّ العرف يعتبر الدائن متضرّراً و أنّ المدين يضمن الضرر المذكور الناتج عن تأخير دفع دين الدائن. کما أنّه لو احتفظ شخص عدواناً بأوراق نقديّة أو شيك أو سند شخص آخر حتّى تنخفض قيمته، فإنّه يضمن نقصان القيمة و الضرر اللاحق بصاحب الأوراق النقديّة».

     إذا كان الدين (مثل الأوراق النقديّة) له موعد محدّد (على سبيل المثال، الأوّل من بهمن) أو كان حالّاً (يجب دفعه نقداً) و تأخّر المدين في دفعه رغم مطالبة الدائن و تسبّب هذا التأخير في انخفاض القوّة الشرائيّة للدائن بسبب زيادة التضخّم، فإنّ المدين يضمن الضرر الناتج عن هذا التأخير.

     مثال: إذا كنتُ مديناً لك بمبلغ مأة مليون تومان و كان من المقرّر دفعه في الأوّل من بهمن، و لكنّك تأخّرتُ في الدفع لمدّة ستّة أشهر رغم مطالبتك، و یسبّب التضخّم خلال هذه الفترة في انخفاض قيمة النقد، فإنّي أستحقّ التدارك عن الضرر الحاصل عن هذا التأخير في أداء الدين بسبب انخفاض القوة الشرائيّة.

     الدلیل: نعم، هذا الضرر يعتبر ناشئاً عن تأخير غير مبرّر و استناداً إلى قاعدة «الغاصب يُؤْخَذُ بِأَشَدِّ الْأَحْوَالِ» (الغاصب مسؤول في أشدّ الأحوال) فإنّ المدين الذي تهاون و تأخّر في الدفع يكون ضامناً للضرر.

التحلیل:
هذا الرأي لآیة الله الصافيّ هو التفصیل:

     بشكل عام، لا يرون وجوب تدارك انخفاض قيمة النقد. لكن في حالة التأخير في الدفع و لأنّ الدائن قد تضرّر و المدين مسؤول عن التأخير، فإنّ تدارك الضرر واجب.

إشکال علی هذا التفصیل:

هذا التفصيل لا يبدو منطقيّاً تماماً. إذا لم يكن تدارك انخفاض قيمة النقد لازماً بشكل عام، فلماذا يكون لازماً في حالة التأخير؟ و إذا كان لازماً فلماذا لا يكون لازماً في غير حالة التأخير؟

     يجب تدارك انخفاض قيمة النقد في جميع الحالات (لأنّ الدائن يتضرّر).

     أو لا يجوز التدارك لأنّه مصداق للربا (بحسب قول بعض العلماء الذين يرون أنّ أيّ زيادة هي ربا). أخذ مبلغ إضافيّ إمّا رباً أو ليس بربا. هذا التفصيل لآية الله الصافي (التدارك لازم في التأخير و لكن ليس لازماً في غير التأخير) لا يتّفق مع أصل العدالة و قاعدة لا ضرر. إذا كان الدائن يتضرّر في كلتا الحالتين، فلماذا يكون التدارك لازماً في التأخير فقط؟

التفصیل بین المهر و غیره

يرى بعض الفقهاء أنّ تدارك انخفاض قيمة النقد لازم في المهر، و لكنّها ليست لازمةً في غيره. فالشخص الذي جعل مهر زوجته قبل خمسين عاماً ألف تومان و يريد دفعه الآن، يجب عليه حساب قيمته الحاليّة و دفعها.

إشکال في التفصیل:

يبدو أنّ هذا الرأي ليس صحيحاً أيضاً؛ لأنه إذا كان تدارك انخفاض قيمة النقد لازماً في حالة ما، فيجب أن يكون لازماً في جميع الحالات. كما أنّ القلّة أو كثرة الفرق في القيمة لا تحدث فرقاً في الحكم.

التفصیل بین العالم بالتفاوت و الجاهل به

قد فرّق البعض بين من علم أنّ هناك فرقاً في القيمة و من لم يعلم؛ فالذي علم أنّ النقد الذي يقرضه سينخفض في قيمته، ليس له حقّ في استرداد أكثر منه.

logo