« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

46/11/01

بسم الله الرحمن الرحیم

لزوم تدارك انخفاض القیمة/التضخّم و انخفاض قیمة النقد /فقه النقد

 

الموضوع: فقه النقد/التضخّم و انخفاض قیمة النقد /لزوم تدارك انخفاض القیمة

خلاصة الجلسة السابقة: کان نقاشنا في الفقه المعاصر حول تدارك انخفاض قیمة النقد و أنّه هل یجب تدارك هذا الانخفاض أم لا؟ قد طرحنا في هذا الصدد استدلالاتٍ و روایاتٍ و الآن نشیر إلی إحدی هذه الروایات المهمّة أعني موثّقة إبراهیم بن عبدالحمید و أیضاً نستند إلی صحیحة یوسف بن أیّوب. نطلب منکم أیّها الأعزّاء أن تدقّقوا النظر في الروایات و اذکروا لنا ما استفدتم من هذه الروایات.

دراسة موثّقة إبراهیم بن عبدالحمید

الحسن بن محمّد بن سماعة[1] عن جعفر بن سماعة[2] عن ابراهيم بن عبدالحميد[3] عن عبد صالح[4] عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يكون له عند الرجل دنانير أو خليط له يأخذ مكانها ورقاً في حوائجه و هي يوم قبضها سبعة و سبعة و نصف بدينار ، و قد يطلبها الصيرفيّ و ليس الورق حاضراً فيبتاعها له الصيرفيّ بهذا السعر سبعة و سبعة و نصف ثمّ يجئ يحاسبه و قد أرتفع سعر الدنانير و صار بإثني عشر كلّ دينار هل يصلح ذلك له و إنّما هي له بالسعر الأوّل يوم قبض منه دراهمه فلا يضرّه كيف كان السعر؟ قال: يحسبها بالسعر الأوّل فلا بأس به».[5]

مضمون الرواية هو: أنّ شخصاً أودع عند آخر مقداراً من الدنانير (نقود ذهبيّة) على سبيل الأمانة، لا على سبيل القرض، بل على وجه الرفقة أو الوديعة. و كلّما احتاج المودّع طلب من الأمين أن يعطيه جزءاً من هذا المال. و في ذلك الوقت، كانت قيمة الدينار الواحد تعادل سبعةَ دراهم أو سبعةً و نصف درهم (نقود فضّيّة). كان الأمين يذهب بالدينار إلى الصرّاف و يحوّله إلى دراهم (بسعر سبعة أو سبعة و نصف درهم) و يسلّمها إلى صاحب المال. و مع مرور الوقت، ارتفعت قيمة الدينار حتّی وصل إلى اثني عشر درهماً. و الآن بعد أن حان وقت الحساب فالسؤال هو: هل معيار الحساب هو يوم القبض (يوم استلام الدراهم) أم يوم الأداء (يوم الدفع النهائي)؟

يقول الإمام (عليه السلام): المعيار هو السعر الأوّل، أي نفس سعر اليوم الذي دُفعت فيه الدراهم لصاحب المال (سبعة أو سبعة ونصف درهم). و الأمين ليس مسؤولاً عن ارتفاع قيمة الدينار إلى اثني عشر درهماً؛ لأنّه أعطى الدراهم عند الدفع بسعر ذلك اليوم.

إستنتاجُنا من هذه الرواية هو أنّ معيارَ الحسابِ هو يومُ الأداءِ (يومُ الدفعِ). بمعنى أنَّ الأمينَ إذا كان قد دفعَ الدَّراهمَ في وقتِها بسعرِ اليومِ (سبعةُ أو سبعةُ دراهمَ و النصف)، فإنَّهُ لا یکون مسؤولاً عن تغيُّرِ قيمةِ النقد. و إذا كان جزءٌ من النقد لم يُدفعْ بعدُ، فربما يمكنُ القولُ بأنَّهُ يجبُ حسابُ الجزءِ المتبقّي بسعرِ اليومِ، و لكنَّ هذا ليسَ صريحاً في الروايةِ. و إذا تمَّ الدفعُ على مراحلَ مختلفةٍ، مثلًا جزءٌ بسعرِ سبعةِ دراهمَ و جزءٌ بسعرِ اثني عشرَ درهمًا، فيجبُ حسابُ كلِّ مرحلةٍ بسعرِ ذلك اليومِ.

هذهِ الروايةُ تشبهُ صحيحةَ عبدِ الملكِ بنِ عُتبةَ التي ناقشناها سابقاً، و هيَ أيضاً تدلُّ على يومِ الأداءِ. إذنْ، المعيارُ هو اليومُ الذي دُفِعَ فيهِ المالُ و سعرُ ذلك اليومِ هوَ الملاكُ.

دراسة صحیحة یوسف بن أیّوب

محمّد بن أحمد بن يحيى عن أبى إسحاق عن ابن أبي عمير عن يوسف بن أيّوب شريك إبراهيم بن ميمون عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال: «في الرجل يكون له على رجل دراهم فيعطيه دنانير و لا يصارفه فتصير الدنانير بزيادة أو نقصان قال: له سعر يوم أعطاه».[6]

هذه الرواية صحيحة الإسناد؛ لأنّ رواتها جميعاً إماميّون ثقات معتمَدون و قد نُقلت عن الإمام الصادق (عليه السلام).

ثمّ إنّ الموضوع في هذه الروایة بخلاف الروايات السابقة التي كان الشخص يعطي ديناراً و يأخذ درهماً، فإنّ الأمر هنا معكوس: شخص أودع دراهم (نقوداً فضّيّةً) أمانةً و تسلّم تدريجيّاً دنانير (نقوداً ذهبيّةً). و قد تغيّرت قيمة الدينار بمرور الزمن، فارتفعت أحياناً و انخفضت أخرى. و السؤال هو: ما هو السعر المحاسَب به عند الحساب؟

يقول الإمام (عليه‌السلام): المعيار هو سعر يوم أعطاه (سعر یوم ٍأعطي فیه الدنیار)؛ أي في كلّ مرّة يُسلّم فيها الأمين الدينار لصاحب المال، يجب أن تُحسب قيمة ذلك الدينار بسعر ذلك اليوم نفسه.

برأینا هذه الرواية تدلّ دلالةً واضحةً على أنّ المعيار هو یوم الأداء (يوم الدفع). قيمة النقود في اليوم الذي تمّ فيه الدفع هي المعتبرة، لا يوم الحساب النهائيّ و لا يوم الإيداع. تتوافق هذه الرواية مع موثّقة إبراهيم بن عبد الحميد و صحيحة عبد الملك و كلّها تؤكّد على يوم الأداء.

التطبيق على النقود الاعتباريّة المعاصرة

اعترض بعض العلماء بأنّ هذه الروايات واردة في الدينار و الدرهم (نقود ذات قيمة ذاتيّة) و لا يمكن تعميمها على النقود الاعتباريّة المعاصرة (مثل الدولار أو الريال)؛ لأنّ النقود الاعتباريّة لا قيمة ذاتيّة لها. و لكن برأینا هذا الإشكال غير وارد. كانت القيمة النسبيّة للدينار و الدرهم تتغيّر في زمن الأئمّة (عليهم السلام)، علی سبیل المثال كان الدینار یبلغ من سبعة دراهم إلى اثني عشر درهماً و هو یشابه الانخفاض أو ارتفاع قيمة النقود الاعتباريّة المعاصرة. عندما ارتفعت قيمة الدينار من سبعة دراهم إلى اثني عشر درهماً، كان هذا شبيهاً بالتضخّم أو تغيّر سعر الصرف المعاصر. بناءً علی هذا، يمكن تعميم قاعدة يوم الأداء على النقود الاعتباريّة.

علی سبیل المثال إذا حدّد شخص مهراً بمبلغ عشرة آلاف تومان في عام الألف و ثلاثمأة و أربعین من الهجريّ الشمسي، و أراد الآن في عام الألف و أربعمأة و أربع من الهجريّ الشمسي دفعَه، فيجب حساب قيمة العشرة آلاف تومان في يوم الدفع (مع لفت النظر إلی التضخّم أو مؤشّر الأسعار) و یجب دفع ما يعادلها. و الدليل العقليّ يؤيّد هذه القاعدة أيضاً؛ لأنّ عدم جبران انخفاض قيمة النقود يؤدّي إلى ضرر الدائن و هو خلاف العدل.

أمانة أو معاملة؟

ذهب بعض العلماء إلى اعتبار هذه الحالات معاملةً (البيع و شراء الدينار بالدرهم) و لكن برأینا هي أمانة و ليست معاملةً. و ظاهر الروايات يشير إلى أنّ الشخص جعل النقد على سبيل الرفق أو الوديعة لدى الأمين و تسلّم جزءاً منه تدريجيّاً. ففي ذلك الزمان، لم تكن البنوك موجودةً و كان الناس يودّعون أموالهم لدى الأشخاص الموثوق بهم (مثل من كان بيته آمناً) و كان الأمين يردّ المال إلى صاحبه تدريجيّاً و إذا تغيّرت قيمة المال، نشأ الخلاف. تقول الروايات إنّ المعيار هو سعر يوم الدفع (يوم الأداء).

لو افترضنا أنّها معاملة، لأصبحت المسألة أبسط؛ لأنّ سعر يوم المعاملة هو المعتبر. و لكن لمـّا كانت الروايات تستخدم ألفاظاً مثل «الأمانة» و «الرفاقة» فإنّ قاعدة الأمانة هي التي تُطبق فالأمين مسؤول عن قيمة النقد في يوم الدفع، لا القيمة الجديدة و لا القديمة.

مقارنة مع أحکام الغصب

يجب دفع أعلى القيم في الغصب طبقاً لرأي بعض العلماء؛ لأنّ الغاصب استولى على المال بغير حقّ و يجب أن یقوم بالتدارك في أصعب الحالات. علی سبیل المثال إذا كانت قيمة مال عند الغصب عشرة توماناتٍ ثمّ أصبحت القيمة مأة تومان في زمن الدفع، يجب على الغاصب أن يدفع مأة تومان. أمّا في الأمانة فالأمين مسؤول فقط عن قيمة المال في يوم الدفع. و الروايات المبحوث عنها تشير إلى أنّه إذا دفع الأمين المال في وقته و بالسعر السائد يوم الدفع فإنّه لا يكون مسؤولاً عن زيادة قيمة المال بعد ذلك. إذن في بحث انخفاض قيمة النقد، تُطبق قاعدة الأمانة (يوم الأداء) لا قاعدة الغصب.

دراسة رفع الخلاف بالمصالحة:

ذهب بعض العلماء إلى بيان رفع الخلاف بالصلح؛ بحيث يرون وجوب الصلح. لكن هذا الرأي غير صائب؛ لأنّ هذه الدعوى غير قابلة للصلح. عندما يصیر الفرق الماليّ جسیماً لا يمكن المصالحة. یمکن أن يقال إنّ الصلح أمر حسن، لكن لا يمكن القول بوجوبه هنا. عند تحديد المهر بعشرة آلاف تومان، كان يمكن شراء عدّة بيوت؛ أمّا الآن لو أعطيت عشرة آلاف تومان لفقير لما أخذها.

 


[1] ثقة.
[2] ثقة.
[3] إماميّ ثقة.
[4] الإمام الکاظم علیه‌السلام.
logo