46/07/20
بسم الله الرحمن الرحیم
لزوم تدارك انخفاض القیمة/التضخّم و انخفاض قیمة النقد /فقه النقد
الموضوع: فقه النقد/التضخّم و انخفاض قیمة النقد /لزوم تدارك انخفاض القیمة
خلاصة الجلسة السابقة: کان البحث في الفقه المعاصر حول مسألة انخفاض قيمة النقد و أنّه هل یلزم تدارك هذا الانخفاض أم لا؟ و لأجل دراسة هذا الموضوع، من الأمور الأساسيّة التي يجب تحديدها هي ماهية النقد و الأوراق النقدیّة؛ أي هل النقد من النوع المثلّي أم القيمي؟ و لتوضيح هذه القضيّة، تجب علينا دراسة الآراء المختلفة و تقديم الأدلّة على كلّ منها. في هذه الأرضیّة هناك أربعة آراء مطروحة:
1. الرأي الذي يعتبر النقد مثليّاً.
2. الرأي الذي يعتبره قيمیّاً.
3. الرأي الذي يعتبره لا مثليّاً و لا قيميّاً.
4. الرأي الذي يعتبره مرکّباً من المثليّ و القيمي.
الآن تجب علينا دراسة الأدلّة على كلّ من هذه الآراء. في البداية، من الضروريّ توضيح ما هو المقصود بـ "المثلّي" و "القيمي".
تعریف المثليّ و القیمي
المثليّ هو الأشياء التي تتساوى أجزاؤها من حيث القيمة و السعر؛ مثل الحنطة و الشعير و الأرز؛ «ما تساوت أجزاؤه من حيث القيمة». على سبيل المثال، تتساوی أجزاء نصف كيلو أو كيلو واحد أو كيلوان من الأرز من حيث السعر. أما الأشياء مثل البيت و الفرس أو الجمل، التي لا تتساوى أجزاؤها من حيث القيمة، فإنّها تعتبر قيميّةً. في هذه الموارد يمكن القول بأن رأس الجمل له قيمة و أرجله لها قيمة أخری.
الدلائل الفقهیّة
جاء في القرآن الکریم: ﴿فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ﴾؛[1] أي إذا تعرّضتم للإعتداء فاعتدوا بنفس الاعتداء لا أزید. کما ورد في الروایات: «عَلَی الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّیَهُ»؛[2] أي كلّ شيء أخذتموه من شخص آخر، يجب عليكم ردّه. إذا بقي عین المال يجب إرجاعه و إذا تلف، يجب دفع مثله أو قيمته.
تشیر هذه المباني الفقهيّة إلی أنّ في الحالات التي لا يكون فيها عین المال موجوداً، يصبح من المهمّ تحديد کون الشيء مثلیّاً أو قيميّاً. لهذا السبب فإنّ دراسة الآراء و الأدلّة المتعلّقة بها أمر ضروري.
من الأصول المهمّة في الفقه هو أنّه إذا أخذ شخص مالاً من الآخر، فإنّه ملزم بإرجاع نفس المال لصاحبه و إذا تلف عین المال، يجب دفع مثله، و إذا لم يكن مثل المال موجوداً، فیصل دور دفع القیمة. هذه القاعدة تستند إلى الروایة المشهورة: «عَلَی الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّیَهُ».
توضیح القاعدة
1. الأولويّة في ردّ العين: إذا أخذ مال من شخص آخر، فإنّ الأصل یقتضي إعادة نفس المال (العين) إليه.
2. في حالة تلف العين: إذا تلف عين المال، تجب إعادة الشيء الأقرب منه أي مثله إلى صاحبه.
3. في حالة عدم إمکان دفع المثل: إذا لم یکن مثل المال موجوداً، یجب دفع القیمة.
هذا الترتیب قد استنبط من القرآن و الروایات و بناء العقلاء. قد جاء في القرآن الکریم: «لَا یَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِیبِ نَفْسه»؛[3] أي إنّ التصرّف في مال شخص آخر من دون رضاه غير جائز؛ و لذلك إذا تلف المال أو ضاع، يجب على المتلف أن یرضي صاحب المال و هذا الرضا لا يتحقّق إلّا مع العدل في التدارك.
الدلائل الفقهیّة و العقلیّة
1. القرآن: آیة ﴿فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ﴾؛[4] تشير إلى أنّه يجب تدارك الخسارة بنفس المقدار من دون التجاوز عن ذلك.
2. الروایات: روایة «عَلَی الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّیَهُ»؛[5] تدلّ علی وجوب إعادة نفس المال أو تدارکه.
3. بناء العقلاء: عقلاء العالم يتّفقون أيضاً على هذه القاعدة و هي أنّه إذا تصرّف شخص في مال أو أتلفه فإنّه يجب عليه التدارك؛ أوّلاً بإعادة العين ثمّ بمثلها و في النهاية بالقيمة.
هذا الترتیب (إعادة العين ثمّ المثل ثمّ القيمة) هو الأقرب إلى العدالة و الإنصاف و قد تمّ تأكيده في القرآن و الروايات و عرف العقلاء. لهذا أفتى الفقهاء بناءً على هذه القاعدة بأنّ «الضمان المثليّ یکون بالمثل و الضمان القيميّ بالقيمة». هذه القاعدة ليست فقط متوافقةً مع الإنصاف و العدالة بل هي بعنوان أصل عامّ قد وقعت مورد القبول في تدارك الخسائر.
بالنسبة إلی الأشياء المتلفة فالحكم واضح: إذا كانت العين موجودةً، يجب إرجاع نفس العين. و إذا تلفت العين، يجب دفع مثلها و إذا لم يتوفّر مثلها، یصل دور دفع قيمتها. حینئذٍ إذا تلفت نقود شخصٍ مّا أو أخذت منه بأيّ سبب كان (الغصب أو القرض أو المهر أو أيّ عنوان آخر) فهناك سؤال هو أنّ: «النقد من النوع المثليّ أو القيمي»؟
افترض أنّك أخذت خمسة ملایین تومان (على سبيل المثال، في شكل حزمة من مئة ورقة نقديّة من فئة خمسين ألف تومان) من شخصٍ ما. هل يجب عليك إرجاع نفس الأوراق النقديّة بالضبط (إذا کان النقد مثلیّاً) أو إرجاع أوراق نقديّة تعادلها من حيث القيمة (إذا كان النقد قیمیّاً)؟
دراسة مثلیّة النقد أو قیمیّته
في الفهم الأوّلي، يُعتبر النقد مثلیّاً. بمعنی إذا كنت قد أخذت خمسة ملايين تومان من شخصٍ ما، تجب عليك إعادة نفس المبلغ له، حتّى و إن اختلفت نوع الأوراق النقديّة. على سبيل المثال، إذا كان النقد الأصليّ یتکوّن من أوراق نقديّة من فئة خمسين ألف تومان، يمكنك إعادته بأوراق نقديّة فئة مئة ألف تومان أو عشرة آلاف تومان، لأنّ قيمتها متساوية.
مفهوم «الطولي» و «العرضي» في النقد
1. العرضي (المتقارن زماناً): إذا كان النقد يُردّ في مدة قصيرة (مثل عدّة ساعات أو عدّة أیّام قلیلة)، يتّفق الجميع على أنّ ردّ نفس المبلغ حتّى و إن اختلفت الأوراق النقدیّة، يدلّ على أنّ النقد مثلي.
2. الطولي (المتباعد زماناً): إذا مرّت فترة طويلة (كسنة أو سنتين أو عشر سنوات)، يطرح السؤال: هل يكفي ردّ نفس المبلغ أم يجب تدارك انخفاض قيمة النقد؟
في مثل هذه الظروف، يرى بعض الفقهاء أنّه إذا كان النقد مثليّاً، يكفي ردّ نفس المبلغ (كخمسة ملايين تومان)؛ لأنّ مثليّة النقد قد حفظت. و لكن إذا اعتبر النقد قيميّاً، يجب محاسبة القيمة الحقيقيّة للنقد عند الدفع؛ لأنّ قدرته الشرائيّة قد تنخفض مع مرور الزمن.
الرأي الغالب هو أنّ النقد في الظروف العاديّة مثليّ و يكفي ردّ نفس المبلغ. و لكن في الظروف التي تتغيّر فيها قيمة النقد تغیّراً كبيراً (مثلاً لأجل التضخّم)، یمکن لزوم تدارك انخفاض القيمة مراعاةً للعدالة.
قضیّة انخفاض قیمة النقد في تأدیة الدیون
إفترض أنّك قد أخذت مبلغ خمسة ملايين تومان (على سبيل المثال، مئة ورقة نقديّة من فئة خمسين ألف تومان) من شخصٍ ما و الآن بعد مرور عشر سنوات، تعيد نفس المبلغ، يطرح السؤال: أ من العدل أن یُدفع هکذا؟
1. التقارن زماناً (العرضي): إذا دُفع النقد فوراً أو بعد فترة زمنيّة قصيرة (مثل ساعة أو بضعة أيام) فإنّ الجميع يتّفق على أنّ هذا الدفع من العدل؛ لأنّ قيمة النقد لم تتغيّر بشكل كبير و الأوراق النقديّة المعادة تُعتبر مماثلةً لتلك الأوراق النقدیّة المأخوذة.
2. الفترة الزمنيّة الطويلة: و لكن إذا مرّ عشر سنوات، فهل إعادة نفس المبلغ أي مئة ورقة نقديّة من فئة خمسين ألف تومان يعتبر عدلاً؟ الإجابة على هذا السؤال تعتمد على مسألة انخفاض قيمة النقد.
3. مثال: كان یتمکّن الشخص مع خمسة ملايين تومان قبل عشر سنوات من شراء عشرین كيساً من الأرز، لكن الآن يمكنه شراء خمسة أكياس فقط. و بالتالي فإنّ القيمة الحقيقيّة للنقد قد انخفضت و إعادة نفس المبلغ لا يمكن أن تحقّق العدالة.
تفاوت الآراء
بعض الأشخاص یمکن أن یقولوا إنّ إعادة نفس المبلغ من النقد كافية؛ لأنّ النقد من وجهة النظر الشرعيّ يُعتبر مثليّاً و بالتالي يكفي إعادة مثله. في المقابل، هناك رأي آخر يقول إنّه يجب تدارك انخفاض قيمة النقد؛ لأن القدرة الشرائيّة بها قد تغيّرت و إعادة نفس المبلغ لا يمكن أن تلبّي احتياجات صاحب النقد.
المثال العملي
إفترض أنّ المعمار قام بإصلاح منزل لك منذ عشرة سنین من قبل و كانت تكلفة الإصلاح عشرة ملايين تومان. الآن بعد مرور عشر سنوات، تعيد إليه نفس المبلغ من عشرة ملايين تومان. یمکن أن يقول المعمار: «هذه العشرة ملايين لیست له قیمة تساوي نفس القيمة التي كانت عليها قبل عشر سنوات. بهذا المبلغ، لا يمكن تغطية نفس التكاليف».
هناك رأیان:
1. أنت تقول: «هذه العشرة ملایین هو نفس الشيء الذي وافقنا علیه».
2. یقول المعمار: «هذه العشرة ملایین لا تعادل التکلفة الواقعیّة لعملي في هذا الزمان».
هذا الاختلاف في النظر ناشٍ عن التفاوت في فهم مثلیّة النقد أو قیمیّته و عن تأثیر انخفاض القیمة أیضاً. إذا تمّ اعتبار النقد مثلیّاً فإعادة نفس المبلغ کافیة و لکن إذا لوحظ انخفاض قیمة النقد فمن اللازم إعادة القیمة الواقعیّة عند الدفع حتّی یجري العدالة.
هذه المسألة من الموضوعات الغامضة في الفقه المعاصر و تحتاج إلی دراسة أدقّ من وجهة نظر الشرع و الاقتصاد.
دراسة اختلاف الرأي في کون النقد مثليّاً أو قيميّاً
في استدامة النقاش حول مثليّة أو قيميّة النقد و تأثير مرور الوقت على قيمته، تمّ طرح العديد من الآراء من قبل العلماء. هذه الآراء تهدف إلى توضيح الواجب الشرعيّ و العرفيّ في تأدیة الديون أو المهر، نظراً إلى انخفاض قيمة النقد.
النظريّة الأولی: النقد مثليّ مطلقاً
بناءً على هذه النظريّة، يُعتبر النقد مثليّاً فلذا تکفي إعادة نفس المبلغ المأخوذ. على سبيل المثال، إذا اقترض الشخص عشرة ملايين تومان فإنّ إعادة نفس المبلغ (من دون نظر إلى تغيّر قيمته) تكون كافيةً.
النظریّة الثانیة: مثليّة النقد و لکنّ اختلف الأمر في تأدیته مع مرور الزمان
هذه النظرية تشير إلى أنّ النقد في الشروط التي يمرّ فيها وقت طويل و یحدث تفاوت فاحش في القيمة، على الرغم من أنّ النقد يُعتبر مثليّاً، إلّا أنّ النقد في وقت التأدیة ليس مثل النقد عند ثبوت الدين.
على سبيل المثال، إذا كانت عشرة ملايين تومان حین الاقتراض تساوي عشرة رؤوس من الغنم و الآن أصبحت تساوي فقط رأساً واحداً من الغنم، فإنّ إعادة نفس المبلغ لم تعدّ عدلاً. و العرف أيضاً لا يعتبر هذا المبلغ مكافئاً أو مثلاً.
النظريّة الثالثة: ضرورة محاسبة القیمة الواقعیّة
بعض العلماء يرون أنّه تجب محاسبة القيمة الحقيقيّة للنقد عند الدفع. فإذا كان هناك تفاوت فاحش في القيمة، فإنّ إعادة نفس المبلغ (مثل ألف تومان المأخوذ للمهر) لن تُحقّق العدالة. و بالتالي، تجب محسابة القدرة الشرائيّة للنقد في وقت الدفع و یجب تدارك انخفاض القیمة تحقیقاً للعدالة.
النظريّة الرابعة: تحدید الشروط حین العقد
في هذا الرأي، يُعتبر الشرط المذکور حین العقد هو العامل الحاسم. فإذا ذکر في العقد أنّه یجب دفع مبلغ معیّن (مثل عشرة ملايين تومان) من دون تغییر فإنّ نفس المبلغ يكون كافياً. أمّا إذا لم يُذكر ذلك في العقد، تجب محسابة القيمة الحقيقيّة للنقد عند التأدیة.
• الاستدلال: تحدید الشروط عند العقد، یمنع من الاختلافات اللاحقة.
أمثلة تطبيقيّة
1. المهر: إذا تمّ تحديد المهر حین العقد بمبلغ ألف تومان و كان هذا المبلغ يعادل عدّة قطع من السکك الذهبيّة آنذاك و لكن الآن لا يعادل سوى جزء من قطعة واحدة، فإنّ إعادة نفس المبلغ (ألف تومان) لن تكون عدالةً.
2. القرض: إذا اقترض شخص عشرةَ ملايين تومان ثمّ أدّی بعد عشرين عاماً نفس المبلغ بينما قيمته قد انخفضت، فإنّ إعادة نفس المبلغ لا يمكن أن تلبّي احتياجات المقرض.
شرط دفع عین المبلغ
إذا صرّح حین العقد بدفع نفس المبلغ (مثل عشرة ملایین تومان) من دون تغییر فإنّ هذا الشرط صحیح شرعاً و عرفاً و لا بأس به.
شرط الدفع بالقیمة الحالیّة
إذا اشترط في العقد أن تحاسب القیمة الحالیّة عند الدفع (مثل جعل معادل قیمة الذهب أو الدولار أو أيّ معیار آخر عند العقد) فهذا جائز شرعاً و لیس رباً.
• المثال: یذکر في العقد أنّه يجب دفع عشرة ملايين تومان وفقاً للقيمة الحاليّة. إذا كانت قيمة النقد قد انخفضت، یحاسب المبلغ المدفوع بحیث يعادل القيمة الحقيقيّة لعشرة ملايين تومان في وقت العقد.
حالة الإبهام في الشرط
إذا لم یوجد لدی العقد أيّ شرط للدفع و تُرك الأمر مبهماً، يجب الرجوع إلى العرف و الرأي العقلائي. ففي هذه الحالات، لا یجعل العرف عادةً القیمة الحقیقیّة هو الملاك، خاصّةً إذا كان هناك انخفاض كبير في قيمة النقد.
التضخّم و تأثیره علی الدفع
1. إذا حوسب التضخّم: إذا اشترطت في العقد محاسبة التضخّم فهذا الشرط جائز و لا بأس به؛ بمعنی أنّه یجب تناسب المبلغ المدفوع مع القیمة الحقیقیّة للنقد حین الدفع.
2. إذا لم یحاسب التضخّم: إذا غضّ النظر عن التضخّم و دُفع نفس المبلغ الأوّل فقد أمکن حصول انخفاض شدید في موارد و بالتالي یمکن أن لا یکون موافقاً للعدالة.
التفاوت بین محاسبة التضخّم و الربا
• محاسبة التضخّم: الشرط الذي يُوضَع استناداً إلى محسابة انخفاض قيمة النقد ليس رباً و هو جائز؛ لأنّ هدفه هو الحفاظ على القيمة الحقيقيّة للنقود.
• الربا: إذا كان المبلغ المستردّ أكثر من القيمة الحقیقیّة للنقود و لم یکن شرط الزيادة في الدفع مستنداً إلى التضخّم، فإنّ هذا العمل يعدّ ربا محرّماً.
دراسة القيمة الذاتية و الاعتبارية للنقود و اختلافها عن السلع المثليّة و القيميّة:
النظریّة الأولی: النقد لا مثليّ و لا قیمي
يرى بعض الفقهاء و العلماء أنّ النقود في ذاتها ليست مثليّةً و لا قيميّةً. و يرجع سبب هذه النظريّة إلى الاختلاف الجوهريّ بين النقود و السلع ذات القيمة الذاتية.
1. القیمة الذاتیّة للسلع:
• إنّ السلع كالأرزّ و الزيت و الجوز و القماش و الغنم و الدجاج لها قيمة ذاتيّة. فهذه السلع مرغوب فیها و محتاج إلیها عند العقلاء و یشتريها الناس لاستعمالها مباشرةً.
• المثال: من یذهب إلی الحانوت لشراء الطعام فهو یشتري سلعاتٍ کالأرزّ و العسل و الزبدة ؛ لأنّها ضروریّة للاستهلاك المباشريّ و تلبیة احتیاجاته الیومیّة.
1. القیمة الاعتباريّة للنقد:
• لیس للنقد خلافاً للسلع المذکورة، قیمة ذاتیّة. لا یرید الناس الفلوس لأجل نفسها بل یعتبرونها وسیلةً للتبادل و شراء السلعات.
خصائص النقد:
◦ كونه وسيلةً: النقد هو أداة لتحقيق أهداف أخرى، مثل شراء السلع أو الخدمات.
◦ عدم کونه موضوعاً: على عكس السلع مثل العسل أو الأرزّ التي تُستخدم بشكل مباشر، فإنّ النقد بحدّ ذاته ليس هو هدفاً و لا تکون له موضوعيّة.
◦ اعتماد النقد علی الاعتبار: قيمة النقد تعتمد على الاعتبار و علی الدعم الذي تقدّمه الحكومة أو النظام الاقتصاديّ للنقد. فإذا أعلنت الحكومة أنّ النقد لا قيمة له، فإنّه لا يمكن استخدامه بعد ذلك.
التمییز بین السلعة و النقد
• السلع (مثلیّةً کانت أو قیمیّةً): السلع التي يرغب الناس في اقتنائها و لها قيمة ذاتیّة، تنقسم إلى قسمين:
◦ المثلي: السلعة التي توجد بكثرة في السوق و يمكن العثور على بديل مشابه لها (مثل الأرزّ أو الزيت).
◦ القیمي: السلعة التي تمتاز بخصائص خاصّة و لا يمكن بسهولة إيجاد بديل دقيق لها (مثل السجّاد اليدويّ أو المنزل).
◦ النقد: النقد ليس مثلیّاً و لا قیمیّاً؛ إذ ليست له قيمة ذاتيّة بل يُستخدم فقط كأداة للتبادل و الاعتبار الاقتصادي.
النظريات المتعلّقة بماهیة النقد في الضمان المالي:
النظریّة الأولی: النقد لا مثلیّاً و لا قیمیّاً
بعض الفقهاء يعتقدون أنّ النقد خارج عن دائرة الأشياء المثلیّة أو القيميّة و لا يمكن تطبيق هذين المفهومين عليه. بعبارة أخری، هو خارج من المقسم تخصّصاً. أدلّة هذه النظریّة کالتالي:
1. خروج النقد من المثليّ و القیمي:
2. يُطلق مصطلح المثليّ و القيميّ على السلع التي لها قيمة ذاتيّة، بينما النقد ليست له قيمة ذاتيّة.
3. النقد هو مجردّ أداة اعتباريّة للتبادل و لا يمكن جعله في تصنیف السلع المثلیّة أو القیمیّة.
4. المیزان في تدارك انخفاض قیمة النقد:
5. إذا تصرّف شخص في نقود شخص آخر فعلیه أن یتدارك انخفاض قیمة النقد.
6. معیار الدفع، القیمة الحقیقیّة للنقد عند الدفع لا القیمة الإسمیّة لهذا النقد.
النظریّة الثانیة: النقد یکون مثلیّاً و قیمیّاً
على عكس النظرية الأولى، يعتقد عدّة من العلماء بأنّ النقد يمكن أن يكون مثليّاً أو قيميّاً و ذلك حسب شروط الضمان و وقت الدفع:
1. النقد بعنوان کونه مثلیّاً:
2. إذا دُفع النقد خلال فترة قصیرة (کساعة أو یوم)، یمکن أن یعتبر النقد مثلیّاً.
3. في هذه الحالة، یعاد المبلغ الإسميّ (مثل عشرة ملایین) من دون أيّ تغییر.
4. النقد بعنوان کونه قیمیّاً:
5. إذا دُفع النقد بعد فترة طویلة (مثل عشرین سنةً) فإنّ قیمة النقد قد تغیّرت و لا یمکن اعتباره حینئذٍ مثلیّاً.
6. في هذه الظروف، تجب محاسبة القیمة الواقعیّة للنقد حین الدفع.
النظریّة الثالثة: النقد بعنوان القیمي
بعض الفقهاء يرون أنّ النقد يجب أن يُحاسب دائماً بعنوان القیمي. طبقاً علی هذه النظرية، تجب محاسبة قيمة النقد الحقيقيّة و دفعها حتّی إذا دفع النقد بعد فترة قصیرة. و بالتالي تجب محاسبة قيمته الفعليّة في وقت الدفع حتّى إذا اعتبر النقد مثليّاً أو قيميّاً.
النظریّة الرابعة: النقد بعنوان المثلي
هذه النظريّة تبیّن من مرأی متباینة أنّه یمکن اعتبار النقد مثلیّاً، خاصّةً بالنسبة إلی الدفع في الفترات القصیرة. في هذه الحالة یجب دفع المبلغ الاسميّ للنقد من دون النظر إلى التغيّرات في قيمته.
النتیجة النهائيّة:
في کلّ واحد من النظریّات الأربعة، النتيجة المشتركة المستفادة هي: أنّه في حالة مرور وقت طويل، لا يُعتبر النقد مثليّاً أو قيميّاً، و يجب دفع قيمته الحقيقيّة عند الدفع. هذا يعني أنّه في أيّ حال من الأحوال، إذا أردنا دفع النقد بعد فترة طويلة فعلینا أن ندفع قيمته الحقيقيّة عند الدفع، نظراً إلی قیمة النقد التي قد تغیّرت مع مرور الوقت.
و في النهاية، یشیر کلّ واحد من هذه النظریّات إلى أنّه تجب محاسبة القیمة الحقیقیّة للنقد عند الدفع و هذه هي الطریقة المناسبة لحفظ العدالة في المعاملات المالیّة.