بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی
45/10/21
بسم الله الرحمن الرحیم
إشکال کون التأمین غرریّاً/ ماهیّة التأمین/التأمین
الموضوع: التأمین/ ماهیّة التأمین/ إشکال کون التأمین غرریّاً
خلاصة الجلسة السابقة: کان البحث في الفقه المعاصر حول «عقد التأمین» و أنّ التأمین جائز شرعاً أم لا؟ من الإشکالات التي قد دورست في هذا الموضوع هي مسألة الغرر. قد ورد أن «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّىاللهُعَلَيْهِوسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ»[1] و في عقد التأمین أیضاً غرر و جهالة؛ إذ لا یعلم المستأمن مقدار ما یستفید و لا المؤمّن مقدار الخسارة التي یجب أن یتدارکها، یمکن أن یقع التصادم عشر مرّات و یمکن أن لا تقع أيّ حادثة. و حیث أنّ العوض و المعوّض مجهولان صار التأمین غرریّاً. قلنا في جواب هذا الإشکال: إنّ الجهالة في عقد التأمین لا تضرّ بالصحّة؛ إذ الجهالة موجودة في العقود المؤیّدة من جانب الشرع أیضاً کعقد المضاربة و المزارعة و المساقات و نحوها. مثّلنا بأنّه قد جعلت الروایة بیع العبد الآبق مع الضمیمة صحیحاً. إنّ الجهالة موجودة أیضاً في عقد التأمین و لکن حیث أنّ العقلاء یقدمون علی التأمین و یعلمونه ذا مصلحة فحینئذٍ لا بأس به.
مرأی الشیخ الأعظم الأنصاري
ثمّ إنّه للشیخ الأنصاري (رحمهالله) مرأی آخر. و بناءاً علی ما رآه مع روایة «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّىاللهُعَلَيْهِوَآلهوسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ»[2] ، یضرّ وجود الجهالة في کلّ عقد إلّا إذا کان هناك دلیل خاصّ دالّ علی عدم کون الجهالة مضرّةً بالصحّة. و إذا لم یوجد دلیل خاصّ فالجهالة مضرّة بالصحّة.
هنا إشکالان علی مرأی الشیخ الأعظم الأنصاري:
الإشکال الأوّل: بناءاً علی روایة «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّىاللهُعَلَيْهِوَآلهوسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ»، الغرر المضرّ یختصّ بالبیع و لا عمومیّة له بالنسبة إلی العقود الأخری.
الإشکال الثاني: یقبل الفقهاء أنّ للقانون الکلّيّ- من أنّ الغرر مضرّ- مستثنیاتٍ کثیرةً و لکن لا یقبلون أنّ للغرر مراتب في أعلاها إشکال و لا بأس بالغرر المتوسّط أو الأدنی؛ إن کانت الجهالة تامّةً فالإشکال موجود و لکن إذا کان في مثل بیع الآبق و اللبن في ضرع الحیوان مع الضمیمة و ... یوجد مقدار من الجهالة فلا بأس به.
قال الشیخ الأنصاريّ (رحمهالله): «لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضمّ معلومٍ إليه و عدمه؛ لأنّ ضمّ المعلوم إليه لا يخرجه عن الجهالة فيكون المجموع مجهولاً؛ إذ لا يُعنى بالمجهول ما كان كلّ جزءٍ جزءٍ منه مجهولاً. و يتفرّع على ذلك: أنّه لا يجوز بيع سمك الآجام و لو كان مملوكاً؛ لجهالته و إن ضمّ إليه القصب أو غيره. و لا اللبن في الضرع و لو ضمّ إليه ما يحلب منه أو غيره على المشهور؛ كما في الروضة و عن الحدائق. و خصّ المنع جماعة بما إذا كان المجهول مقصوداً بالاستقلال أو منضمّاً إلى المعلوم. و جوّزوا بيعه إذا كان تابعاً للمعلوم ... أنّ المشهور بين المتقدّمين هو الصحّة، بل عن الخلاف و الغنية: الإجماع في مسألة السمك».[3]
ثمّ إنّ الشیخ الأنصاريّ (رحمهالله) أورد روایاتٍ[4] : «ففي مرسلة البزنطيّ- التي إرسالها كوجود سهلٍ فيها سهلٌ- عن أبي عبد اللّه (عليهالسلام)، قال: «إذا كانت أجَمَةٌ ليس فيها قصبٌ، أخرج شيئاً من سمكٍ فباع و ما في الأجمة»[5] . بناءاً علی هذه الروایة یصید مقداراً من الأسماك المعلومة فیبیع هذه المعلومة مع ضمّ مقدار مجهول. یُري نموذجاً منها ثمّ یبیع کلّها.
«و رواية معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه (عليهالسلام): «لا بأس بأن يشتری الآجام إذا كان فيها قصب».[6] و المراد شراء ما فيها بقرينة الرواية السابقة و اللاحقة». الآجام معلومة و الأسماك مجهولة؛ فلا بأس ببیع المعلوم مع ضمّ المجهول.
«و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليهالسلام) في شراء الأجَمَة ليس فيها قصبٌ إنّما هي ماء، قال: «تصيد كفّاً من سمكٍ تقول: أشتري منك هذا السمك و ما في هذه الأجَمَة بكذا و كذا».[7] أمر الإمام (علیهالسلام) في هذه الروایة بأن یصاد مقدار من السمك بعنوان النموذج و یبیعه مع ضمّ المقدار المجهول من الأجمة.
«و موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّه (عليهالسلام) كما في الفقيه قال: «سألته عن اللبن يشترى و هو في الضرع؟ قال: لا، إلّا أن يَحلب سُكُرُّجة فيقول: اشتر منّي هذا اللبن الذي في السكرّجة و ما في ضروعها بثمنٍ مسمّىً، فإن لم يكن في الضرع شيءٌ كان ما في السكُرُّجة».[8]
« ... و في الصحيح إلى ابن محبوب، عن إبراهيم الكرخيّ قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليهالسلام): ما تقول في رجلٍ اشترى من رجلٍ أصواف مائة نعجة و ما في بطونها من حملٍ بكذا و كذا درهماً؟ قال: لا بأس، إن لم يكن في بطونها حملٌ كان رأس ماله في الصوف».[9] لیس عدد الأغنام الحوامل معلوماً في هذه الروایة و ربّما لم یکن فیها أيّ حامل و لکن قد صحّح الإمام بیعها.
لکنّ الشیخ الأعظم الأنصاريّ (رحمهالله) مع أنّه أورد هذه الروایات، قال إنّ ضمّ المعلوم بالمجهول لا یحلّ المشکلة و لا یوجب صحّة البی نعم إذا کانت في موردٍ روایةٌ، نقبله و إلّا فلا یصحّ البی
لدینا إشکال في کلام الشیخ الأعظم الأنصاريّ و هو أنّه کما أنّك قد أکّدت علی مورد الروایات و لم تجوّز قیاس موارد أخری مع مورد الروایات فعلیك أن تقول في روایات نهي النبيّ کـ «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّىاللهُعَلَيْهِوَآلِهِوسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» بالاکتفاء بالبیع و عدم جریانها في العقود الأخری. إن أجریت الروایة في العقود الأخری فنحن أیضاً نأخذ القاعدة الکلّیّة المستفادة من الروایات في ضمّ المعلوم إلی المجهول ثمّ نجریها في جمیع الموارد.
نحن نواجه رأیین: لیست المعاملة الغرریّة باطلةً مطلقاً، بل تجوز في موارد کثیرة؛ لا تجوز المعاملة الغرریّة إلّا في موارد توجد فیها روایة. أيّ الرأیین صحیح؟
قرأنا في الجلسة السابقة هذه الروایات بالسند الصحیح: «سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیهالسلام عَنْ شِرَاءِ النَّخْلِ وَ الْكَرْمِ وَ الثِّمَارِ ثَلَاثَ سِنِينَ أَوْ أَرْبَعَ سِنِينَ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ يَقُولُ إِنْ لَمْ يُخْرِجْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَخْرَجَ فِي قَابِلٍ وَ إِنِ اشْتَرَيْتَهُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا تَشْتَرِهِ حَتَّى يَبْلُغَ فَإِنِ اشْتَرَيْتَهُ ثَلَاثَ سِنِينَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ فَلَا بَأْسَ وَ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الثَّمَرَةَ الْمُسَمَّاةَ مِنْ أَرْضٍ فَهَلَكَ ثَمَرَةُ تِلْكَ الْأَرْضِ كُلُّهَا فَقَالَ قَدِ اخْتَصَمُوا فِي ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّیاللهعلیهوآله فَكَانُوا يَذْكُرُونَ ذَلِكَ فَلَمَّا رَآهُمْ لَا يَدَعُونَ الْخُصُومَةَ نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ الْبَيْعِ حَتَّى تَبْلُغَ الثَّمَرَةُ وَ لَمْ يُحَرِّمْهُ وَ لَكِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ خُصُومَتِهِمْ«.
یستفاد من هذه الروایة لا خصوصیّة في نهي النبيّ (صلّیاللهعلیهوآله) من البیع الغرري، بل هو لرفع الخصومة و الدعوی. و حیث إنّهما لم یصلحا فنهی النبيّ (صلّیاللهعلیهوآله) عنه حتّی لا یقع مثل هذه الحادثة؛ فإذا لم تکن هناك خصومة و کلاهما راضیان بجهالة المبیع فلا بأ إن لم یکونا أهل الخصومة فلا بأس و لکن إذا کانا من أهلها فعلیهما أن یحدّدا مشخّصات المبیع حتّی لا تقع حادثة.
من جانب آخر استفادتنا من مجموع الروایات أنّ الغرر لم یکن مبطلاً مطلقاً، بل له مراتب، مرتبته الأعلی مبطلاً و لا بأس بمراتبه الأدنی.
معنی الغرر هو الجهالة المنتهیة إلی الخطر؛ إن کانت الجهالة توجب الخطر فهي مبطِلة و إن لم تکن هکذا بل توجب اطمئنان النفس فلا بأس بها. التأمین فیه جهالة و لکن إذا أمّن سیّارةً باهظة الثمن بمقدار قلیل من الفلوس فلدیه اطمئنان النف