47/06/10
بسم الله الرحمن الرحیم
التعقیبات في الصلاة
موضوع: التعقیبات في الصلاة
اعوذ بالله من الشیطان الرجیم بسم الله الرحمن الرحیم
الحمدلله رب العالمین و الصلاة و السلام علی سیدنا و نبینا حبیب اله العالمین ابوالقاسم المصطفی محمد و آله الطاهرین واللعن علی اعدائهم اجمعین اللهم عجل لولیک الفرج و العافية و النصر
مسألة 9: لا بأس بالذكر و الدُّعاء في جميع أحوال الصلاة بغير المحرّم، و كذا بقراءة القرآن غير ما يوجب السجود، و أمّا الدُّعاء بالمحرّم كالدُّعاء على مؤمن ظلماً فلا يجوز بل هو مبطل للصلاة و إن كان جاهلًا بحرمته، نعم لا يبطل مع الجهل بالموضوع كما إذا اعتقده كافراً فدعا عليه فبان أنّه مسلم.
..........................................................
الظاهر عدم الإشكال والخلاف، بل في المستند الظاهر الإجماع على جواز الذكر والدعاء وكذلك قراءة القرآن في غير ما يوجب السجود، في جميع أحوال الصلاة: في حال القيام والقعود والركوع والسجود. نعم، حُكم بكراهة القراءة فيهما وفي حال التشهد وغير ذلك، سواء كان بقصد القربة أو بداعي إيقاظ الغير أو تنبيهه على أمر أو غيره من المقاصد.
وذلك:
أولًا: إن أدلة قاطعية الكلام ظاهرة في كلام الآدمي؛ فإن المنصرف إليه من إطلاقات الأدلة الكلام المغاير بالنوع لأذكار الصلاة، بل في بعض الروايات كمعتبَرة الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنِ الرِّضَا ع قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ التَّسْلِيمُ تَحْلِيلَ الصَّلَاةِ وَ لَمْ يُجْعَلْ بَدَلُهَا تَكْبِيراً أَوْ تَسْبِيحاً أَوْ ضَرْباً آخَرَ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ لِلْمَخْلُوقِينَ وَ التَّوَجُّهَ إِلَى الْخَالِقِ كَانَ تَحْلِيلُهَا كَلَامَ الْمَخْلُوقِينَ وَ الِانْتِقَالَ عَنْهَا وَ ابْتِدَاءُ الْمَخْلُوقِينَ فِي الْكَلَامِ أَوَّلًا بِالتَّسْلِيمِ.[1]
وغيرها مما يدل على ذلك.
فالأدلة قاصرة عن شمول الذكر والدعاء والقراءة، مع أن الصلاة مركبة من هذه الأمور، فكيف تشملها أدلة المنع؟
وثانيًا: إن جملة من النصوص دالة على جوازها:
منها: صحيحة عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنِ الرَّجُلِ يَتَكَلَّمُ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ بِكُلِّ شَيْءٍ يُنَاجِي بِهِ رَبَّهُ قَالَ نَعَمْ.[2]
ومنها: صحيحة الحلبي قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع كُلُّ مَا ذَكَرْتَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ وَ النَّبِيَّ ص- فَهُوَ مِنَ الصَّلَاةِ الْحَدِيثَ.[3]
ومنها: مرسلة حماد عن أبي عبد الله عليه السلام قَالَ: كُلُّ مَا كَلَّمْتَ اللَّهَ بِهِ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ فَلَا بَأْسَ.[4]
ورواية عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ: شَكَوْتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع تَفَرُّقَ أَمْوَالِنَا وَ مَا دَخَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ عَلَيْكَ بِالدُّعَاءِ وَ أَنْتَ سَاجِدٌ فَإِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إِلَى اللَّهِ وَ هُوَ سَاجِدٌ قَالَ قُلْتُ فَأَدْعُو فِي الْفَرِيضَةِ وَ أُسَمِّي حَاجَتِي فَقَالَ نَعَمْ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ص- فَدَعَا عَلَى قَوْمٍ بِأَسْمَائِهِمْ وَ أَسْمَاءِ آبَائِهِمْ وَ فَعَلَهُ عَلِيٌّ ع بَعْدَهُ.[5]
وأما الإتيان بها بسائر الأغراض، فمنها:
ما رواه الصدوق رحمه الله تعالى عن عَمَّارِ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الرَّجُلِ يَسْمَعُ صَوْتاً بِالْبَابِ وَ هُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَتَنَحْنَحُ لِتَسْمَعَ جَارِيَتُهُ أَوْ أَهْلُهُ لِتَأْتِيَهُ فَيُشِيرَ إِلَيْهَا بِيَدِهِ لِيُعْلِمَهَا مَنْ بِالْبَابِ لِتَنْظُرَ مَنْ هُوَ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَ عَنِ الرَّجُلِ وَ الْمَرْأَةِ يَكُونَانِ فِي الصَّلَاةِ فَيُرِيدَانِ شَيْئاً أَ يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَقُولَا سُبْحَانَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ وَ يُومِئَانِ إِلَى مَا يُرِيدَانِ وَ الْمَرْأَةُ إِذَا أَرَادَتْ شَيْئاً ضَرَبَتْ عَلَى فَخِذِهَا وَ هِيَ فِي الصَّلَاةِ.[6]
ومنها: صحيحة عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ فِي صَلَاتِهِ فَيَسْتَأْذِنُ إِنْسَانٌ عَلَى الْبَابِ فَيُسَبِّحُ وَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ وَ يُسْمِعُ جَارِيَتَهُ فَتَأْتِيهِ فَيُرِيهَا بِيَدِهِ أَنَّ عَلَى الْبَابِ إِنْسَاناً هَلْ يَقْطَعُ ذَلِكَ صَلَاتَهُ وَ مَا عَلَيْهِ قَالَ لَا بَأْسَ لَا يُقْطَعُ بِذَلِكَ صَلَاتُهُ.[7]
وايضاً عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ يَكُونُ فِي صَلَاتِهِ وَ إِلَى جَانِبِهِ رَجُلٌ رَاقِدٌ فَيُرِيدُ أَنْ يُوقِظَهُ فَيُسَبِّحُ[8] وَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ لَا يُرِيدُ إِلَّا لِيَسْتَيْقِظَ الرَّجُلُ هَلْ يَقْطَعُ ذَلِكَ صَلَاتَهُ وَ مَا عَلَيْهِ قَالَ لَا يَقْطَعُ ذَلِكَ صَلَاتَهُ وَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.[9]
ومنها: صحيحة مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَؤُمُّ الْقَوْمَ وَ أَنْتَ لَا تَرْضَى بِهِ فِي صَلَاةٍ يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ إِذَا سَمِعْتَ كِتَابَ اللَّهِ يُتْلَى فَأَنْصِتْ لَهُ فَقُلْتُ فَإِنَّهُ يَشْهَدُ عَلَيَّ بِالشِّرْكِ فَقَالَ إِنْ عَصَى اللَّهَ فَأَطِعِ اللَّهَ فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ فَأَبَى أَنْ يُرَخِّصَ لِي فَقُلْتُ لَهُ أُصَلِّي إِذَنْ فِي بَيْتِي ثُمَّ أَخْرُجُ إِلَيْهِ فَقَالَ أَنْتَ وَ ذَاكَ قَالَ إِنَّ عَلِيّاً ع كَانَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَرَأَ ابْنُ الْكَوَّاءِ وَ هُوَ خَلْفَهُ وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ[10] - فَأَنْصَتَ عَلِيٌّ ع تَعْظِيماً لِلْقُرْآنِ حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَةِ ثُمَّ عَادَ فِي قِرَاءَتِهِ ثُمَّ أَعَادَ ابْنُ الْكَوَّاءِ الْآيَةَ فَأَنْصَتَ عَلِيٌّ ع أَيْضاً ثُمَّ قَرَأَ فَأَعَادَ ابْنُ الْكَوَّاءِ فَأَنْصَتَ عَلِيٌّ ع- ثُمَّ قَالَ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ[11] - ثُمَّ أَتَمَّ السُّورَةَ ثُمَّ رَكَعَ الْحَدِيثَ.[12]
ومنها: رواية أَبِي جَرِيرٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى ع قَالَ: قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَدَعَاهُ الْوَالِدُ فَلْيُسَبِّحْ فَإِذَا دَعَتْهُ الْوَالِدَةُ فَلْيَقُلْ لَبَّيْكِ.[13] وفي سندها علي بن إدريس عن محمد عن اخيه ابي جرير: ولم يرد فيهم شيء. وتحمل على صلاة النافلة.
أما الدعاء بالمحرم – كما إذا دعا على المؤمن ظلمًا – فلا يجوز بل يبطل الصلاة، وإن كان جاهلًا بحرمته.
نعم، إذا كان جاهلًا بالموضوع، كما إذا اعتقد بأنه كافر ومستحق للدعاء عليه، فبان أنه مؤمن فلا يحرم ولا يكون مبطلاً.
وتقدم الكلام مفصلاً في الدعاء لطلب الحرام في مسألة القنوت، وذكرنا الأقوال في المسألة فجماعة قالوا بالحرمة والبطلان، كالماتن رحمه الله تعالى، وادعوا ان عليه الأصحاب، وجماعة قالوا بالحرمة ومنعوا البطلان، وجماعة أشكلوا في البطلان واحتاطوا، وذكرنا تفصيلها فلا نعيد.
وتقدَّم مع الجهل بالموضوع بأن اعتقد انه كافر وبان انه مسلم لا يكون حراماً ولا مبطلاً، ولكن هذا في الجاهل القاصر كالمجتهد المخطئ، وأما الجاهل المقصِّر فحكمه كالعامد المتعمِّد، ولعلَّ مراد الماتن رحمه الله تعالى ذلك أيضاً ذلك.