47/06/09
بسم الله الرحمن الرحیم
التعقیبات في الصلاة
موضوع: التعقیبات في الصلاة
اعوذ بالله من الشیطان الرجیم بسم الله الرحمن الرحیم
الحمدلله رب العالمین و الصلاة و السلام علی سیدنا و نبینا حبیب اله العالمین ابوالقاسم المصطفی محمد و آله الطاهرین واللعن علی اعدائهم اجمعین اللهم عجل لولیک الفرج و العافية و النصر
مسألة 8: لا فرق في البطلان بالتكلّم بين أن يكون هناك مخاطب أم لا، و كذا لا فرق بين أن يكون مضطرّاً في التكلّم أو مختاراً. نعم، التكلّم سهواً ليس مبطلًا و لو بتخيّل الفراغ من الصلاة.
..........................................................
التكلّم في الصلاة تارة يكون عمدًا، سواء كان هناك مخاطَب أم لا، وسواء كان مضطرًا أو مكرَهًا أم مختارًا، وتارة يكون سهوًا، وأن تخيل أنه فرغ من الصلاة.
ففي الصورة الأولى (العمد)، لا إشكال في بطلان الصلاة حسب ما تقدم في صورة الاختيار.
وأما في صورة الاضطرار والإكراه، فقد يُقال بعدم البطلان لحديث الرفع، ونُسب إلى المنتهى والذكرى وصاحب المدارك التوقف في الحكم؛ حيث إن إطلاقات الأدلة تشمل صورة الاختيار وعدمه، وإطلاق حديث الرفع يقتضي رفع الحكم تكليفًا ووضعًا، فيقع التعارض في صورة الاضطرار في التكلم في الصلاة، ويُقدَّم حديث الرفع لحكومته على الأحكام الأولية.
ولكن أُشكل شموله محل الكلام بوجوه تقدمت في الالتفات مع الجواب عنها، ومع ذلك قال المحقق الهمداني: «وإن كان مقتضى القاعدة هو شمول حديث الرفع، ولكن الأقوى الحكم بالبطلان في المقام؛ لما استقر في أذهان المتشرعة من أن التكلم كالحدث منافٍ للصلاة وموجب لبطلانها، فالإكراه عليه عند التحليل (أي إكراه على الإبطال) فرفع حكمه رفع مؤاخذة فقط، لا رفع إبطاله<.
وأما أنَّ المستفاد من الأدلة أن المعتبر في الصلاة الهيئة الاتصالية بقوله قاطعًا للصلاة يقطعها عمدًا، كقوله الحدث يقطع الصلاة، فرفع أثر الإكراه غير مُجْدٍ لإحراز تلك الهيئة الاتصالية التي هي شرط إذ لا تثبت لوازمه العقلية.
ويمكن الجواب عن كليهما بأن الحديث يرفع قاطعية الهيئة الاتصالية، وكذلك إبطالية الكلام المكره عليه، مضافًا إلى رفع المؤاخذة، وحينئذ لا يتوقف على إحراز الهيئة الاتصالية؛ فهي محرزة طبعًا.
وأما إذا صدر الكلام سهواً، فتارة يصدر في أثناء الصلاة بأن يعلم كونه في حال الصلاة، وتارة يتخيل أو يزعم بأنه فرغ من الصلاة.
فكلا الصورتين، حكم الماتن رحمه الله تعالى بعدم بطلان الصلاة وبوجوب سجدتي السهو، ولم يُعلق عليه أحد.
أما في الصورة الأولى فلا إشكال فيها، وفي المنتهى عليه علماؤنا، ويدل عليه نصوص كثيرة، منها:
صحيحة زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي الرَّجُلِ يَسْهُو فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ يُتِمُّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ تَكَلَّمَ أَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.[1]
وصحيحة عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الرَّجُلِ يَتَكَلَّمُ نَاسِياً فِي الصَّلَاةِ يَقُولُ أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ فَقَالَ يُتِمُّ صَلَاتَهُ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ الْحَدِيثَ.[2]
ومعتبرة عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي رَجُلٍ دَعَاهُ رَجُلٌ وَ هُوَ يُصَلِّي فَسَهَا فَأَجَابَهُ بِحَاجَتِهِ كَيْفَ يَصْنَعُ قَالَ يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ وَ يُكَبِّرُ تَكْبِيراً كَثِيراً.[3]
ومرسلة الصدوق رحمه الله تعالى قَالَ رُوِيَ أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ نَاسِياً كَبَّرَ تَكْبِيرَاتٍ وَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ مُتَعَمِّداً فَعَلَيْهِ إِعَادَةُ الصَّلَاةِ.[4]
و صحيحة الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع أَكُونُ فِي الصَّلَاةِ فَأَجِدُ غَمْزاً فِي بَطْنِي أَوْ أَذًى أَوْ ضَرَبَاناً فَقَالَ انْصَرِفْ ثُمَّ تَوَضَّأْ وَ ابْنِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِكَ مَا لَمْ تَنْقُضِ الصَّلَاةَ بِالْكَلَامِ مُتَعَمِّداً وَ إِنْ تَكَلَّمْتَ نَاسِياً فَلَا شَيْءَ عَلَيْكَ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِياً.[5]
و منها ما رواه عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ الرَّازِيِّ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَصْحَابٍ لِي فِي سَفَرٍ وَ أَنَا إِمَامُهُمْ فَصَلَّيْتُ بِهِمُ الْمَغْرِبَ فَسَلَّمْتُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوَّلَتَيْنِ فَقَالَ أَصْحَابِي إِنَّمَا صَلَّيْتَ بِنَا رَكْعَتَيْنِ فَكَلَّمْتُهُمْ وَ كَلَّمُونِي فَقَالُوا أَمَّا نَحْنُ فَنُعِيدُ فَقُلْتُ لَكِنِّي لَا أُعِيدُ وَ أُتِمُّ بِرَكْعَةٍ فَأَتْمَمْتُ بِرَكْعَةٍ ثُمَّ صِرْنَا فَأَتَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع- فَذَكَرْتُ لَهُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِنَا فَقَالَ لِي أَنْتَ كُنْتَ أَصْوَبَ مِنْهُمْ فِعْلًا إِنَّمَا يُعِيدُ مَنْ لَا يَدْرِي مَا صَلَّى.[6] وقال السيد إنها ضعيفة بالرازي فهو غير علي بن النعمان النخعي.
فالظاهر عدم الخلاف في الحكم.
وأما إذا صدر التكلم بعد تخيل الفراغ عن الصلاة، فالمشهور أيضًا الصحة وأنه موجِب لسجدتي السهو، ونُسب إلى الشيخ رحمه الله تعالى في النهاية والجمل والعقود، وكذا إلى الوسيلة والاقتصاد والمهذب والفقيه، بل عن الأخير دعوى الإجماع على وجوب الإعادة.
والمنشأ للخلاف على ما ذُكِر أنه لا يعد التكلم عن سهو بعدما كان في الصلاة ولم يخرج منها واقعًا؛ فإنه يأتي بالتكلم مع قصد وعمد، ولكن سهَا في الصلاة فتخيل أنه أتى أربع ركعات مثلاً والحال أنه ركع ركعتين مثلاً، ففي الحقيقة ليس ساهيًا في الكلام، بل بشهادة العرف ساهٍ في الصلاة بتخيل خروجه منها، ومتعمد في الكلام خارج الصلاة، فيشمله « مَنْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ مُتَعَمِّداً فَعَلَيْهِ إِعَادَةُ الصَّلَاةِ.[7] <
ولكن المشهور على خلاف الفقيه والإجماع مع المشهور أولى، مضافًا إلى ضعفه، وعدم الفرق في أثناء الصلاة أو بتخيل أنه بعد الصلاة،
مضافًا إلى أن النسيان إذا كان نفس الكلام فلم يتعلق به، ولكن بوصف كونه في الصلاة يتعلق به النسيان، كما يظهر من صحيحة عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ : الرَّجُلِ يَتَكَلَّمُ نَاسِياً فِي الصَّلَاةِ يَقُولُ أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ.[8] فإنه صار عن عمد وقصد غير أنه ناسٍ أنه في الصلاة. لكن بعد ورود النصوص على الحكم بالصحة وعدم البطلان فلا يُعْبَأ بمثل هذا، منها:
صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي رَجُلٍ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ فَسَلَّمَ وَ هُوَ يَرَى أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَ تَكَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ غَيْرَ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ يُتِمُّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ وَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.[9]
وصحيحة زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي الرَّجُلِ يَسْهُو فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ يُتِمُّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ تَكَلَّمَ أَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.[10]
وصحيحة زَيْدٍ الشَّحَّامِ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى الْعَصْرَ سِتَّ رَكَعَاتٍ أَوْ خَمْسَ رَكَعَاتٍ قَالَ إِنِ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ صَلَّى خَمْساً أَوْ سِتّاً فَلْيُعِدْ إِلَى أَنْ قَالَ وَ إِنْ هُوَ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثاً ثُمَّ انْصَرَفَ فَتَكَلَّمَ فَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَ الصَّلَاةَ مَا بَقِيَ مِنْهَا فَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ص صَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ نَسِيَ حَتَّى انْصَرَفَ فَقَالَ لَهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ- يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ أَ صَدَقَ ذُو الشِّمَالَيْنِ- فَقَالُوا نَعَمْ لَمْ تُصَلِّ إِلَّا رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ فَأَتَمَّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ.[11] ولا يضر استشهاده بما نُسب إلى النبي صلى الله عليه وآله تقية.
ورواية عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ الرَّازِيِّ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَصْحَابٍ لِي فِي سَفَرٍ وَ أَنَا إِمَامُهُمْ فَصَلَّيْتُ بِهِمُ الْمَغْرِبَ فَسَلَّمْتُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوَّلَتَيْنِ فَقَالَ أَصْحَابِي إِنَّمَا صَلَّيْتَ بِنَا رَكْعَتَيْنِ فَكَلَّمْتُهُمْ وَ كَلَّمُونِي فَقَالُوا أَمَّا نَحْنُ فَنُعِيدُ فَقُلْتُ لَكِنِّي لَا أُعِيدُ وَ أُتِمُّ بِرَكْعَةٍ فَأَتْمَمْتُ بِرَكْعَةٍ ثُمَّ صِرْنَا فَأَتَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع- فَذَكَرْتُ لَهُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِنَا فَقَالَ لِي أَنْتَ كُنْتَ أَصْوَبَ مِنْهُمْ فِعْلًا إِنَّمَا يُعِيدُ مَنْ لَا يَدْرِي مَا صَلَّى.[12]
وموثقة عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي حَدِيثٍ وَ الرَّجُلُ يَذْكُرُ بَعْدَ مَا قَامَ وَ تَكَلَّمَ وَ مَضَى فِي حَوَائِجِهِ أَنَّهُ إِنَّمَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي الظُّهْرِ وَ الْعَصْرِ وَ الْعَتَمَةِ وَ الْمَغْرِبِ قَالَ يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ فَيُتِمُّهَا وَ لَوْ بَلَغَ الصِّينَ وَ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ.[13]