« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ مسلم الداوري

47/02/27

بسم الله الرحمن الرحیم

مبطلات الصلاة

 

الموضوع: مبطلات الصلاة

 

الأمر الثاني: ما يظهر من الصدوق رحمه الله أنه إذا أحدث بعد السجدة الثانية في الركعة الأخيرة، فيتوضأ ويبني على صلاته بأن يجلس في مكان ويتشهد ويسلم، فلا تكون صلاته باطلة.

ويمكن أن يقال: إن الكليني رحمه الله أيضاً على ذلك؛ حيث إنه عقد باباً ذكر فيه الروايات التي ذكرها الصدوق رحمه الله، ولم يذكر معارضها. وكذلك مال إليه بعض المتأخرين، بل جزم الفاضل الأصفهاني منهم به، واختاره المجلسي&.

واستدل عليه بعدة روايات، منها صحيحة: زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع‌ فِي الرَّجُلِ‌ يُحْدِثُ‌ بَعْدَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ فِي السَّجْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَ قَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ قَالَ يَنْصَرِفُ فَيَتَوَضَّأُ فَإِنْ شَاءَ رَجَعَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَ إِنْ شَاءَ فَفِي بَيْتِهِ وَ إِنْ شَاءَ حَيْثُ شَاءَ قَعَدَ فَيَتَشَهَّدُ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَ إِنْ كَانَ الْحَدَثُ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ فَقَدْ مَضَتْ صَلَاتُهُ.[1]

و منها موثقة عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع الرَّجُلُ يُحْدِثُ بَعْدَ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ الْأَخِيرِ فَقَالَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَ إِنَّمَا التَّشَهُّدُ سُنَّةٌ فِي الصَّلَاةِ فَيَتَوَضَّأُ وَ يَجْلِسُ مَكَانَهُ أَوْ مَكَاناً نَظِيفاً فَيَتَشَهَّدُ.[2]

و منها موثقة عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ الاخرى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى الْفَرِيضَةَ فَلَمَّا فَرَغَ وَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ أَحْدَثَ فَقَالَ أَمَّا صَلَاتُهُ فَقَدْ مَضَتْ وَ بَقِيَ التَّشَهُّدُ وَ إِنَّمَا التَّشَهُّدُ سُنَّةٌ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَتَوَضَّأْ وَ لْيَعُدْ إِلَى مَجْلِسِهِ أَوْ مَكَانٍ نَظِيفٍ فَيَتَشَهَّدُ.[3]

و منها معتبرة ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى الْفَرِيضَةَ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ أَحْدَثَ فَقَالَ أَمَّا صَلَاتُهُ فَقَدْ مَضَتْ وَ أَمَّا التَّشَهُّدُ فَسُنَّةٌ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَتَوَضَّأْ وَ لْيَعُدْ إِلَى مَجْلِسِهِ أَوْ مَكَانٍ نَظِيفٍ فَيَتَشَهَّدُ.[4]

فإنها - لوجود محمد بن سنان - عُبِّر عنها بالخبر، ولكن قلنا: الظاهر كونه ثقة، وإنما ضُعِّف لاتهامه بالغلو، وقد روى الشيخ جميع رواياته الخالية عن الغلو والتخليط، وقد روى جميع روايات البرقي ومنها المحاسن، فقد روى هذه الرواية أيضاً وإن لم يذكر في التهذيب. وبما أن ما رواه في التهذيب من روايات زرارة وعبيد بن زرارة مطابق لهذه الرواية فيعلم أنها خالية من الغلو والتخليط، فبهذه الوجوه عبرنا عنها بالمعتبرة.

فبهذه الروايات استدل على عدم مبطليَّة الحدث في خصوص هذا المورد؛ لأنها تخصص الروايات المطلقة التي دلت على ناقضية الحدث للصلاة مطلقاً، سواء كان عمداً أو سهواً أو اضطراراً، وأشكل على ذلك: كما في الجواهر والمحقق الهمداني والسيد الاستاذ.

أولاً: بأن هذه النصوص لا بد من حملها على التقية؛ وذلك لأنها غير ناظرة إلى عدم قاطعية الحدث الواقع أثناء الصلاة بعد السجدة الأخيرة من الركعة الأخيرة، بل الظاهر منها أن الحدث واقع خارج الصلاة؛ لكون التشهد سنة وليس جزءاً واجباً من الصلاة. وهذا هو ما زعمه جماعة من العامة كأبي حنيفة وغيره من النافين لجزئية التشهد، بل بعضهم أنكر جزئية التشهد الأول أيضاً.

فبناءً على ذلك، هذه النصوص معارضة مع النصوص الكثيرة الدالة على جزئية التشهد، فتحمل على التقية. والشاهد على ذلك كثرة السؤال عن حكم هذه المسألة مع عدم الابتلاء بها إلا نادراً. وأي فرق بين صدور الحدث بعد السجدة أو قبلها؟ أو في ما بين السجدتين؟ أو في سائر الركعات؟ فيعلم من ذلك أن ثمَّ خصوصية دعت إلى إكثار هذا السؤال، وليست إلا ما قلنا من ذهاب العامة إلى الجوا

ثانياً: على فرض التسليم والقول بأن هذه الروايات تصلح لكونها مخصصة لدليل القاطعية، وليست ناظرة إلى عدم كون التشهد جزءاً للصلاة، فيقال: إنها معارضة لما دل على بطلان الصلاة ولزوم الإعادة في خصوص المورد، وهي معتبرة الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ قَالَ: سَأَلْتُهُ يَعْنِي أَبَا الْحَسَنِ ع‌ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى الظُّهْرَ أَوِ الْعَصْرَ فَأَحْدَثَ حِينَ جَلَسَ فِي الرَّابِعَةِ قَالَ إِنْ كَانَ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَشْهَدُ أَنَ‌ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ص فَلَا يُعِدْ وَ إِنْ كَانَ لَمْ يَتَشَهَّدْ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ فَلْيُعِدْ.[5]

فإنها معتبرة كما تقدم بأن عباد بن سليمان ورد في النوادر، ودلالتها ظاهرة في البطلان ولزوم الإعادة.

فإما أن يقال بترجيح رواية ابن الجهم لكونها مخالفة للعامة فتقدم، وعلى فرض عدم الترجيح يتساقطان ويرجح البطلان للإطلاقات.

 


[1] الوسائل ج6، ص:410، أبواب التشهد، ب13 ح1.
[2] الوسائل ج6، ص:411، أبواب التشهد، ب13 ح2.
[3] الوسائل ج6، ص:412، أبواب التشهد، ب13 ح4.
[4] الوسائل ج6، ص:411، أبواب التشهد، ب13 ح3.
[5] الوسائل ج7، ص:234، أبواب قواطع الصلاة، ب1 ح6.
logo