47/02/26
بسم الله الرحمن الرحیم
مبطلات الصلاة
الموضوع: مبطلات الصلاة
بقي أمران
الأمر الأول: ما عن المفيد رحمه الله في المقنعة من التفصيل بين المتيمم إذا صدر منه الحدث في أثناء الصلاة ووجد الماء، فإنه لا يقطع بل يتوضأ ويبني على صلاته، وبين غيره، سواء كان متيمماً ولم يجد ماءً أو كان متوضئاً فصدر منه الحدث، فإنه يقطع صلاته ويطهر ويستأنف صلاته.
واختاره الشيخ في النهاية والمبسوط وكذلك ابن أبي عقيل، وقواه في المعتبر وصاحب المدارك.
واستدل على ذلك بصحيحة زُرَارَةَ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَ هُوَ مُتَيَمِّمٌ فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ أَحْدَثَ فَأَصَابَ مَاءً قَالَ يَخْرُجُ وَ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ الَّتِي صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ.[1] والرواية وردت بطرق متعددة كلها معتبرة.
وقوله أحدث وإن كان مطلقاً، ولكن الشيخ رحمه الله حملها على صدور الحدث نسياناً، ويخصص بموردها وهو التيمم، وأنه تقيد به الإطلاقات الدالة على قاطعية الحدث.
ووجه في المعتبر تخصيص الحكم بالمتيمم دون المتوضئ: بأن التيمم مبيح للصلاة ولا يكون رافعاً للحدث، فإذا صدر منه الحدث فيرفع الإباحة فقط، وتبقى الصلاة بحالها، ولا يؤثر في إيقاع الحدث إذ لا حدث بعد حدث، فإذا جدد الوضوء وبنى فقد تمت صلاته مقدار منها بالتيمم السابق ومقدار منها بالوضوء اللاحق. وهذا بخلاف المتوضئ، فإنه بعد ارتفاع الحدث بالوضوء وحصول الطهارة، فالحدث العارض رافع وقاطع للصلاة، فلا مناص من الاستئناف.
وأجيب عن التوجيه بوجهين[2] :
الأول: بأن هذا يبتني على القول بالإباحة، وهو خلاف التحقيق، بل الصواب أن التيمم أيضاً رافع كالوضوء؛ لأن التيمم أحد الطهورين كما ورد في الرواية، وقد يستفاد من نفس هذه الرواية؛ فإنه ورد في صدرها: "لمكان أنه دخلها وهو على طهر يتيمم".
الثاني: أن لازم هذا أنه إذا كان المتيمم قد أحدث بما يوجب الغسل ووجد الماء، أو بما يوجب الوضوء ولم يجد ماءً، فلابد عليه من التيمم، ففي الصورتين لا يقطع صلاته ويبني عليها، مع أنه لم يقل به أحد حتى نفس هذا القائل، فالتوجيه لا يتم.
أما حكم المسألة: فهل يمكن القول بتخصيص الروايات الدالة على نقض الصلاة بالحدث مطلقاً - سواء كان عن عمد أو عن سهو - أم لا؟
إن المانع من التخصيص بصورة التيمم وجهان:
الأول: أن الطهارة الحاصلة من التيمم هي بدل عن طهارة الوضوء، فلا تكون أقوى من الطهارة الحاصلة من الوضوء إذا لم تكن أضعف، ضرورة أن البدل لا يكون أعظم شأناً وأقوى تأثيراً من المبدل منه، فالحكم بعدم الانتقاض للصلاة بالحدث الصادر من المتيمم دون المتوضئ بعيد جداً.
الثاني: أن التعبير بالطهر في صدر الرواية كاشف عن ضابط، وهو أن العبرة بمطلق الطهارة من دون تخصيص بالتيمم، فكل ما صدر منه مع الطهارة لا ينتقد بصدور الحدث، سواء كان من الوضوء أو التيمم، فلابد من الحكم بصحة الصلاة والبناء عليها إذا كان الحدث صادراً من المتوضئ، مع أنه لا يقول به قائل، ولا يمكن القول به لما ورد من الروايات الكثيرة الدالة على ناقضية الحدث للطهارة وقاطعيته للصلاة.
فحينئذ لا محيص من حمل الرواية على التقية؛ حيث إنها موافقة للعامة، أو رد علمها إلى أهلها.
واستدل في المستمسك، أن القول بعدم حجيتها من جهة إعراض المشهور، فإذا كان سبب الإعراض هو التقية فهو، وإلا فالإعراض بنفسه لا يتم صغرى ولا كبرى كما تقدم مراراً.
وكذلك تأويل الحديث بأن المراد من الركعة أي الصلاة من باب اطلاق تسمية الجزء على الكل، وقوله: "ما مضى من صلاته" أي من تمام الصلاة السابقة التي أتى بها مع التيمم، فهو بعيد كما لا يخفى.