« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ مسلم الداوري

47/02/22

بسم الله الرحمن الرحیم

مبطلات الصلاة

 

الموضوع: مبطلات الصلاة

 

أما الكلام في السهو فحكمه كالعمد، بلا فرق بينهما، فيوجب البطلان لإطلاق الأخبار ومعاقد الإجماعات، وتصريح بعضهم بعدم الخلاف في ذلك.

ولكن في الشرائع نسب إلى بعضهم عدم البطلان لو صدر الحدث سهواً، ولكن عن المصباح للمحقق الهمداني الظاهر أن مرادهم بالحدث السهوي في المقام ما يقابل العمد، أي الخارج اضطراراً وبلا اختيار، فيختص بما إذا سبق الحدث لا السهو في مقابل العمد. فإنه مضافاً إلى ظهور عباراتهم في ذلك، لم ترد الصحة مع السهو حتى في رواية ضعيفة حتى يتوهم الحكم بالصحة.

وأما مع الاضطرار فالمشهور هو البطلان، ونسب الخلاف إلى الشيخ رحمه الله في الخلاف والمبسوط، وإلى السيد& في المصباح، ونسب إلى المفيد رحمه الله القول بالصحة فيما إذا تيمم وصلى وفي الأثناء أحدث و وجد الماء، وفي غير هذه الصور حكم بالاستئناف، واختاره الشيخ في النهاية والمبسوط وابن أبي عقيل، وقواه في المعتبر.

وربما نوقش في نسبة القول إلى الشيخ والسيد بأنه لا ظهور في كلامهما في اختيار الحكم بالصحة، بل ذكرا - كما في الخلاف والمصباح - أن من سبقه الحدث من بول أو ريح أو غير ذلك لأصحابنا وإتيان إحداهما - وهو الأحوط - أنه تبطل صلاته، فهذه العبارة لا يظهر منها مخالفة المشهور، بل عن الخلاف قال بعد ذلك: "الذي أعمل به وأفتي به الرواية الأولى". وفي الحكم بالصحة في خصوص المتطهر بالتيمم الذي ذكره المفيد رحمه الله، يأتي أن جماعة قالوا به كالمحقق الأردبيلي حيث جزم به وقواه في المدارك وغيرهما.

أما الحكم لو أحدث مع الاضطرار، فالمشهور هو البطلان:

أولاً: للإجماعات وإطلاقات الأخبار المتقدمة التي تقدمت في صورة العمد، مضافاً إلى الأخبار الخاصة، منها:

موثقة عَمَّارِ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ فِي صَلَاتِهِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ حَبُّ الْقَرْعِ كَيْفَ يَصْنَعُ قَالَ إِنْ كَانَ خَرَجَ نَظِيفاً مِنَ الْعَذِرَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ‌ءٌ وَ لَمْ يُنْقَضْ وُضُوؤُهُ وَ إِنْ خَرَجَ مُتَلَطِّخاً بِالْعَذِرَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَ إِنْ كَانَ فِي صَلَاتِهِ قَطَعَ الصَّلَاةَ وَ أَعَادَ الْوُضُوءَ وَ الصَّلَاةَ.[1]

ومنها صحيحة الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ قَالَ: سَأَلْتُهُ يَعْنِي أَبَا الْحَسَنِ ع‌ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى الظُّهْرَ أَوِ الْعَصْرَ فَأَحْدَثَ حِينَ جَلَسَ فِي الرَّابِعَةِ قَالَ إِنْ كَانَ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَشْهَدُ أَنَ‌ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ص فَلَا يُعِدْ وَ إِنْ كَانَ لَمْ يَتَشَهَّدْ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ فَلْيُعِدْ.[2]

ومنها صحيحة عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ قَالَ: وَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ وَجَدَ رِيحاً فِي بَطْنِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ وَ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى أَخْرَجَ الرِّيحَ مِنْ بَطْنِهِ ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَلَّى فَلَمْ يَتَوَضَّأْ هَلْ يُجْزِيهِ ذَلِكَ قَالَ لَا يُجْزِيهِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وَ لَا يَعْتَدُّ بِشَيْ‌ءٍ مِمَّا صَلَّى.[3]

ومنها ما رواه أبو الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَخْفِقُ وَ هُوَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ إِنْ كَانَ لَا يَحْفَظُ حَدَثاً مِنْهُ إِنْ كَانَ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَ إِعَادَةُ الصَّلَاةِ وَ إِنْ كَانَ يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ وَ لَا إِعَادَةٌ.[4]

ومنها ما رواه الْحُسَيْنِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِذَا أَحَسَّ الرَّجُلُ أَنَّ بِثَوْبِهِ بَلَلًا وَ هُوَ يُصَلِّي فَلْيَأْخُذْ ذَكَرَهُ بِطَرَفٍ ثَوْبِهِ فَلْيَمْسَحْهُ بِفَخِذِهِ وَ إِنْ‌ كَانَ بَلَلًا يَعْرِفُ فَلْيَتَوَضَّأْ وَ لْيُعِدِ الصَّلَاةَ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ بَلَلًا فَذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ.[5]

واستدل على القول بالصحة والبناء على الصلاة بروايتي الفضيل وأبي سعيد القماط المتقدمتين.

صحيحة الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع أَكُونُ فِي الصَّلَاةِ فَأَجِدُ غَمْزاً فِي بَطْنِي أَوْ أَذًى أَوْ ضَرَبَاناً فَقَالَ انْصَرِفْ ثُمَّ تَوَضَّأْ وَ ابْنِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِكَ مَا لَمْ تَنْقُضِ الصَّلَاةَ بِالْكَلَامِ مُتَعَمِّداً وَ إِنْ تَكَلَّمْتَ نَاسِياً فَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْكَ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِياً قُلْتُ وَ إِنْ قَلَبَ وَجْهَهُ عَنِ الْقِبْلَةِ قَالَ نَعَمْ وَ إِنْ قَلَبَ وَجْهَهُ عَنِ الْقِبْلَةِ.[6]

ورواية أَبِي سَعِيدٍ الْقَمَّاطِ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع- عَنْ رَجُلٍ وَجَدَ غَمْزاً فِي بَطْنِهِ أَوْ أَذًى أَوْ عَصْراً مِنَ الْبَوْلِ وَ هُوَ فِي صَلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوِ الثَّانِيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ فَقَالَ إِذَا أَصَابَ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ لِحَاجَتِهِ تِلْكَ فَيَتَوَضَّأَ ثُمَّ يَنْصَرِفَ إِلَى مُصَلَّاهُ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ فَيَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ لِحَاجَتِهِ مَا لَمْ يَنْقُضِ الصَّلَاةَ بِالْكَلَامِ قَالَ قُلْتُ: وَ إِنِ الْتَفَتَ يَمِيناً أَوْ شِمَالًا أَوْ وَلَّى عَنِ الْقِبْلَةِ قَالَ نَعَمْ كُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ سَهَا فَانْصَرَفَ فِي رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ ثُمَّ ذَكَرَ سَهْوَ النَّبِيِّ ص.[7]

والوجه في الاستدلال بأن المراد خروج الحدث من جهة الاضطرار عن غير اختيار، وإنما ذكر السبب في الروايتين كناية، والمراد منه المسبب، أي وقع الحدث وصدر منه بغير اختيار.

ونوقش فيه بأن الروايتين خارجتان عن محل الكلام، وإنما تدل على وقوع هذه الأشياء من الغمز والأذى لا الحدث، بل يقع الحدث بعد هذه الأمور متعمداً وباختياره، أي السؤال قبل الخروج وانه يجد غمزاً أو أذى، وهل يجوز له في هذه الحالة تحصيل الراحة بإخراج الريح اختياراً، أو يجب عليه الصبر والمقاومة إلى أن يفرغ من الصلاة؟ فالحكم يكون عن قبل الخروج لا بعده.

والشاهد على ذلك ما ورد في صحيحة عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ ع عَنِ الرَّجُلِ يُصِيبُهُ الْغَمْزُ فِي بَطْنِهِ وَ هُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصْبِرَ عَلَيْهِ أَ يُصَلِّي عَلَى تِلْكَ الْحَالِ أَوْ لَا يُصَلِّي فَقَالَ إِنِ احْتَمَلَ الصَّبْرَ وَ لَمْ يَخَفْ إِعْجَالًا عَنِ الصَّلَاةِ فَلْيُصَلِّ وَ لْيَصْبِرْ.[8]

و صحيحة عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ قَالَ: وَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ وَجَدَ رِيحاً فِي بَطْنِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ وَ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى أَخْرَجَ الرِّيحَ مِنْ بَطْنِهِ ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَلَّى فَلَمْ يَتَوَضَّأْ هَلْ يُجْزِيهِ ذَلِكَ قَالَ لَا يُجْزِيهِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وَ لَا يَعْتَدُّ بِشَيْ‌ءٍ مِمَّا صَلَّى.[9]

وحينئذ فالاستدلال بالروايتين للمدعى بأن الحدث الصادر من غير اختيار لا يوجب البطلان غير تام، وعلى فرض التسليم فهما مخالفان لما تقدم من الروايات الخاصة التي دلت على بطلان الصلاة. غاية الأمر يمكن الاستدلال بهما فيما إذا كان سببه غير اختياري كالغمز والأذى ولا يمكن الصبر عليه، أو أنه إذا أمكن فيوجب الكراهة وعدم مقبولية الصلاة، فيقال بجواز الانصراف والرجوع والبناء على الصلاة، ويحكم بصحة صلاته.

ويأتي فيه الوجهان المتقدمان من أنه خلاف الروايات المشهورة التي هي مورد لعمل الأصحاب، والروايتان شاذتان، وثانياً: موافقتان للعامة فتحملان على التقية، مضافاً إلى ما ذكر من عدم صلاحيتهما في أنفسهما. فالأقوى هو المشهور

 


[1] الوسائل ج1، ص: 259، أبواب نواقض الوضوء، ب5 ح5.
[2] الوسائل ج7، ص:234، أبواب قواطع الصلاة، ب1 ح6.
[3] الوسائل ج7، ص:235، أبواب قواطع الصلاة، ب1 ح8.
[4] الوسائل ج1، ص:257، أبواب نواقض الوضوء، ب3 ح6.
[5] الوسائل ج7، ص:234، أبواب قواطع الصلاة، ب1 ح5.
[6] الوسائل ج7، ص:235، أبواب قواطع الصلاة، ب1 ح9.
[7] الوسائل ج7، ص:237، أبواب قواطع الصلاة، ب1 ح11.
[8] الوسائل ج7، ص:251، أبواب قواطع الصلاة، ب8 ح1.
[9] الوسائل ج7، ص:235، أبواب قواطع الصلاة، ب1 ح8.
logo