47/02/20
بسم الله الرحمن الرحیم
مبطلات الصلاة
الموضوع: مبطلات الصلاة
فصل في مبطلات الصلاة و هي أُمور،
أحدها: فقد بعض الشرائط في أثناء الصلاة كالستر و إباحة المكان و اللِّباس و نحو ذلك ممّا مرّ في المسائل المتقدِّمة.
الثاني: الحدث الأكبر أو الأصغر، فإنّه مبطل أينما وقع فيها و لو قبل الآخر بحرف، من غير فرق بين أن يكون عمداً أو سهواً أو اضطراراً عدا ما مرّ في حكم المسلوس و المبطون و المستحاضة. نعم، لو نسي السلام ثمّ أحدث فالأقوى عدم البطلان، و إن كان الأحوط الإعادة أيضاً.
أما الأول من الشرائط كالستر وإباحة المكان واللباس والاستقبال فقد تقدم الكلام فيه مفصلاً - أصولها وفروعاتها- في البحوث المتقدمة.
وأما الثاني وهو الحدث، فتارة يقع الكلام في وقوعه عمداً؛ فإنه مبطل للصلاة إجماعاً بقسميه كما في الجواهر، بل عن الوحيد قدس سره أنه عد من ضروريات الدين أو المذهب، ولم ينسب الخلاف إلا إلى الصدوق رحمه الله في خصوص ما لو صدر الحدث بعد السجدة الأخيرة من الركعة الأخيرة كما يأتي الكلام فيه، وإن كان كلامه مطلقاً، ولكن مراده إذا صدر منه سهواً.
واستدل عليه مضافاً إلى الإجماع المذكور بوجوه:
الأول: بأن الطهارة شرط في الصلاة بلا خلاف، والمشروط ينتفي بانتفاء شرطه.
ونوقش فيه بأن القاعدة تامة إذا كانت الطهارة شرطاً في الأكوان المتخللة أيضاً، وأما إذا كانت شرطاً في الأجزاء دون الأكوان، وقلنا بأن الأكوان خارجة عن كونها من الصلاة، فلا يضر وقوع الحدث فيها.
وما يقال بأن مقتضى ما ورد من الروايات بأن الصلاة تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَ تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ[1] .، وأيضاً ما ورد من قوله عليه السلام: لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ.[2] الظاهر منها أن الصلاة أمر واحد من هيئة متصلة من أولها إلى آخرها، والطهارة شرط فيها، فكما هي شرط في الأجزاء كذلك في الأكوان المتخللة، فلا بد من استمرارها فيها. أجاب عنه بأنه:
أولاً: هذه الروايات ضعيفة سنداً.
ثانياً: إنها لا تدل على أن الأكوان أيضاً داخلة فيها، بل غاية ما تدل أنها أمر واحد مركب من الأجزاء المعينة أولها التكبير وآخرها التسليم، أما كون الأكوان أيضاً دخيلة فيها فلا دلالة فيها بوجه.
وكذلك "لا صلاة إلا بطهور" أي لا بد من اعتبار الطهارة في الصلاة واستمرارها إلى آخرها إجمالاً، وأما وجودها حتى في الأكوان فلا تدل عليه، بل ولا إشعار فيها.
الثاني: أن المحدث في أثناء الصلاة، إما أن يتصدى لتحصيل الطهارة فتبطل صلاته من جهة الفعل الكثير الماحي لصورة الصلاة، وإن لم يتطهر تقع بقية الأجزاء بلا طهارة، فلا مناص من القول بالبطلان.
ونوقش فيه بأنه أخص من المدعى؛ لأنه يمكن تصور الماء لديه والاقتصار بأقل الواجب، فلا يوجب فعلاً كثيراً منافياً للصلاة، خصوصاً إذا كانت وظيفته التيمم، فالأمر واضح. فهذا الوجه غير تام ايضاً.
ثالثاً: بما دلت عليه الروايات الكثيرة جداً الدالة على بطلان الصلاة بالحدث، منها ما ورد في باب القواطع؛ منها ما رواه زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ إِلَّا مِنْ خَمْسَةٍ الطَّهُورِ وَ الْوَقْتِ وَ الْقِبْلَةِ وَ الرُّكُوعِ وَ السُّجُود[3]
ومنها ما رواه أَبو بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ إِلَّا أَرْبَعَةٌ الْخَلَاءُ وَ الْبَوْلُ وَ الرِّيحُ وَ الصَّوْتُ.[4] وعبر عنه بالخبر، واسمه عبد الله بن محمد، عدّه ابن شهر آشوب من خواص الإمام الصادق عليه السلام، وورد في التفسير ونوادر الحكمة، وروى عنه المشايخ الثقات.
ومنها صحيحة عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ قَالَ: وَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ وَجَدَ رِيحاً فِي بَطْنِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ وَ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى أَخْرَجَ الرِّيحَ مِنْ بَطْنِهِ ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَلَّى فَلَمْ يَتَوَضَّأْ هَلْ يُجْزِيهِ ذَلِكَ قَالَ لَا يُجْزِيهِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وَ لَا يَعْتَدُّ بِشَيْءٍ مِمَّا صَلَّى.[5]
ومنها ما رواه الْحُسَيْنِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِذَا أَحَسَّ الرَّجُلُ أَنَّ بِثَوْبِهِ بَلَلًا وَ هُوَ يُصَلِّي فَلْيَأْخُذْ ذَكَرَهُ بِطَرَفٍ ثَوْبِهِ فَلْيَمْسَحْهُ بِفَخِذِهِ وَ إِنْ كَانَ بَلَلًا يَعْرِفُ فَلْيَتَوَضَّأْ وَ لْيُعِدِ الصَّلَاةَ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ بَلَلًا فَذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ.[6]
والحسين روى عنه ابن أبي عمير، وورد في النوادر.
ومنها صحيحة الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ قَالَ: سَأَلْتُهُ يَعْنِي أَبَا الْحَسَنِ ع عَنْ رَجُلٍ صَلَّى الظُّهْرَ أَوِ الْعَصْرَ فَأَحْدَثَ حِينَ جَلَسَ فِي الرَّابِعَةِ قَالَ إِنْ كَانَ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَشْهَدُ أَنَ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ص فَلَا يُعِدْ وَ إِنْ كَانَ لَمْ يَتَشَهَّدْ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ فَلْيُعِدْ.[7]
وفيه محمد بن القاسم، وثقه النجاشي هو وأباه وجده، وأيضاً الحسن بن الجهم وثقه النجاشي، وأما عباد بن سليمان فقد وقع في النوادر، وعبر عن هذه الرواية بالخبر.
ومنها موثقة عَمَّارِ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ فِي صَلَاتِهِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ حَبُّ الْقَرْعِ كَيْفَ يَصْنَعُ قَالَ إِنْ كَانَ خَرَجَ نَظِيفاً مِنَ الْعَذِرَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَ لَمْ يُنْقَضْ وُضُوؤُهُ وَ إِنْ خَرَجَ مُتَلَطِّخاً بِالْعَذِرَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَ إِنْ كَانَ فِي صَلَاتِهِ قَطَعَ الصَّلَاةَ وَ أَعَادَ الْوُضُوءَ وَ الصَّلَاةَ.[8]
ومنها ما رواه أبو الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَخْفِقُ وَ هُوَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ إِنْ كَانَ لَا يَحْفَظُ حَدَثاً مِنْهُ إِنْ كَانَ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَ إِعَادَةُ الصَّلَاةِ وَ إِنْ كَانَ يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ وَ لَا إِعَادَةٌ.[9]
وثقه النجاشي و هو إبراهيم بن نعيم، قال له الصادق عليه السلام: أنت ميزان لا عين فيه.[10] لثقته، له كتاب يرويه جماعات، وأصله يرويه جماعة منهم محمد بن الفضيل وصفوان.
ومحمد بن الفضيل مشترك بين الضبي الثقة والأزدي الذي رمي بالغلو، وقال الشيخ: ضعيف، ولكن عدّه المفيد من الفقهاء والأعلام الذين يؤخذ منهم الحلال والحرام، وورد في التفسير والنوادر، فيحمل الضعف على رميه بالغلو، وروى عنه الحسين بن سعيد في كتابه. وعبر عنها بالخبر
وغيرها من الروايات في الأبواب المختلفة والموارد المتفرقة كالمسلوس والمبطون وغيرهما.
وفي مقابل هذه الروايات الكثيرة روايتان تدلان على عدم كون الحدث مبطلاً للصلاة: إحداهما صحيحة الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع أَكُونُ فِي الصَّلَاةِ فَأَجِدُ غَمْزاً فِي بَطْنِي أَوْ أَذًى أَوْ ضَرَبَاناً فَقَالَ انْصَرِفْ ثُمَّ تَوَضَّأْ وَ ابْنِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِكَ مَا لَمْ تَنْقُضِ الصَّلَاةَ بِالْكَلَامِ مُتَعَمِّداً وَ إِنْ تَكَلَّمْتَ نَاسِياً فَلَا شَيْءَ عَلَيْكَ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِياً قُلْتُ وَ إِنْ قَلَبَ وَجْهَهُ عَنِ الْقِبْلَةِ قَالَ نَعَمْ وَ إِنْ قَلَبَ وَجْهَهُ عَنِ الْقِبْلَةِ.[11]
وثانيتهما رواية أَبِي سَعِيدٍ الْقَمَّاطِ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع- عَنْ رَجُلٍ وَجَدَ غَمْزاً فِي بَطْنِهِ أَوْ أَذًى أَوْ عَصْراً مِنَ الْبَوْلِ وَ هُوَ فِي صَلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوِ الثَّانِيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ فَقَالَ إِذَا أَصَابَ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ لِحَاجَتِهِ تِلْكَ فَيَتَوَضَّأَ ثُمَّ يَنْصَرِفَ إِلَى مُصَلَّاهُ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ فَيَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ لِحَاجَتِهِ مَا لَمْ يَنْقُضِ الصَّلَاةَ بِالْكَلَامِ قَالَ قُلْتُ: وَ إِنِ الْتَفَتَ يَمِيناً أَوْ شِمَالًا أَوْ وَلَّى عَنِ الْقِبْلَةِ قَالَ نَعَمْ كُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ سَهَا فَانْصَرَفَ فِي رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ ثُمَّ ذَكَرَ سَهْوَ النَّبِيِّ ص.[12]
وهو خالد بن سعيد، وثقه النجاشي، وورد في النوادر، وعنه روى المشايخ الثقات. وموسى بن عمر بن يزيد الصيقل له كتاب رواه الكليني، وورد في نوادر الحكمة، فهو ثقة، فإشكال السيد بالضعيفة غير وارد على ما بيناه.