« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث التفسیر

40/07/20

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير فاتحة الكتاب

الموضوع: تفسير فاتحة الكتاب

 

تفسير فاتحة الكتاب [1]

انتهينا بحمد لله "عز وجل" من مباحث علوم القرآن التي كتبها المرجع الأعلى سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي "رحمه الله" كمقدمة تمهيدية لتفسير القرآن الكريم.

ويقال إن السيد الخوئي "رحمه الله" كان عازما على تفسير القرآن بأكمله وكتب في التفسير المقدمات من مباحث علوم القرآن وسورة الفاتحة فلما خرج تفسير الميزان في تفسير القرآن للسيد محمد حسين الطباطبائي "رحمه الله" اكتفى بما كتبه السيد صاحب الميزان لأن منهج السيد الخوئي تفسير القرآن بالقرآن وكذلك منهج العلامة الطباطبائي أيضا تفسير القرآن بالقرآن.

ويقال إن أعباء المرجعية وكثرة المراجعات حالت دون كتابة بقية التفسير. فقد سأله أحدهم لماذا لا تواصل كتابة التفسير فقال إن النصف صفحة من هذا التفسير تأخذ منه كذا من الوقت لكي يكتب تحتاج إلى مراجعات ويقال إن البعض قال له أنك تدرس التفسير وليس من المتعارف تدريس التفسير بالإضافة إلى الفقه والأصول في الحوزات العلمية في ذلك الوقت، السيد "رحمه الله" اكتفى بتفسير نموذجي يتمثل في سورة الفاتحة المؤلفة من سبع آيات

﴿بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * أهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم والضالين﴾

هذه الفاتحة مؤلفة من سور سبع والمشهور بين علماء الفريقين السنة والشيعة أن البسملة جزء من سورة الفاتحة واختلفوا في بقية سور القرآن المائة وثلاثة عشر أو المائة والإثنى عشر لأن سورة براءة لا تبدأ بالبسملة.

سؤال هل البسملة في بقية السور المائة واثني عشر جزء من السورة أو افتتاحية للسورة؟

الجواب هناك خلاف بين علماء الشيعة وهناك خلاف أيضا بين علماء السنة لكن المصحف المتداول اليوم نجد أن البسملة مرقمة في سورة الفاتحة لكنها غير مرقمة في بقية السور من السورة الثانية وهي سورة البقرة ثم سورة آل عمران إلى آخر سور القرآن وهي سورة الناس نجد البسملة غير مرقمة مثلا ﴿بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله أحد﴾ نجد أن أول آية هي﴿قل هو الله أحد﴾ ولم ترقم البسملة على أنها أول آية بخلاف سورة الحمد فإن البسملة مرقمة.

وفيها بحوث:

البحث الأول محل نزول سورة الفاتحة

وفيه أقوال ثلاثة:

القول الأول وهو المعروف المشهور أنها مكية.

القول الثاني إنها مدنية.

القول الثالث أنها نزلت مرتين لأهميتها، نزلت مرة في مكة ونزلت مرة أخرى في المدينة

والصحيح هو القول المعروف المشهور وهو أن سورة الفاتحة نزلت في مكة

ويدل على ذلك أمران:

الأمر الأول إن سورة فاتحة الكتاب هي السبع المثاني سميت بالسبع لأنها تتألف من سبع آيات وأما سميت بالمثاني فلوجوه منها أنها تثنى في كل صلاة لأنه في الركعتين الأولتين من كل صلاة تجب قراءة سورة الفاتحة فيقال السبع المثاني وهناك احتمالات أخر سنأتي عليها إن شاء الله تعالى.

إذن سورة الحمد أو فاتحة الكتاب هي السبع المثاني وقد نص على ذكر السبع المثاني في سورة الحجر مما يعني أن سورة الفاتحة قد نزلت قبل سورة الحجر وهناك إجماع على أن سورة الحجر سورة مكية مما يعني أن السورة التي نزلت قبلها وهي سورة الفاتحة سورة مكية أيضا فقد ورد في سورة الحجر قوله "عز وجل" مخاطبا نبيه الكريم "صلى الله عليه وآله" ﴿ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم﴾[2] فإذا كانت سورة الحجر التي وردت في هذه الآية مكية بالاتفاق.

إذن سورة الفاتحة أو سورة السبع المثاني مكية بلا إشكال

هذا تمام الكلام في الدليل الأول.

الدليل الثاني إن الصلاة شرعت في مكة المكرمة ووجوب الصلاة في مكة ضروري لدى جميع المسلمين ولم يعهد بصلاة تبدأ بغير فاتحة الكتاب وقد صرح النبي "صلى الله عليه وآله" بذلك في قوله (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب)[3] وهذا الحديث منقول من طريق الفريقين فقد رواه الشيخ الطوسي في التهذيب وقد رواه البخاري في صحيح البخاري.

إذن الصحيح أن سورة الفاتحة نزلت في مكة المكرمة ولم يثبت أنها نزلت في المدينة، إذن القول الثاني أنها مدنية لا دليل عليه.

القول الثالث أنها نزلت مرتين مرة في مكة ومرة في المدينة تعظيما لشأنها.

هذا القول مجرد احتمال ففي حد نفسه احتمال لكنه لم يثبت بدليل ولم يقم عليه الدليل ولا يبعد أن يكون هو الوجه في تسميتها بالمثاني، السبع المثاني يعني السبع التي نزلت مرتين. السبع التي ثني في نزولها إذ نزلت مرة في مكة ونزلت مرة في المدينة ويحتمل أن يراد بالمثاني هو وجوب الإتيان بها مرتين في الصلاة إذ أنه في الركعة الأولى وفي الركعة الثانية يجب الإتيان بسورة الحمد وسورة الفاتحة.

هذا تمام الكلام في النقطة الأولى محل نزول سورة الفاتحة وأتضح أنها مكية.

في التسمية السور ثلاث اعتبارات

طبعا تعلمون أنه تسمية سور القرآن مكية أو مدنية له ثلاث اعتبارات:

الاعتبار الأول الاعتبار المكاني ما نزل في مكة فهو مكي وما نزل في المدينة فهو مدني.

الاعتبار الثاني اعتبار زماني فما نزل قبل هجرة النبي فهو مكي ولو نزل في المدينة وما نزل بعد هجرة النبي فهو مدني ولو نزل في مكة فاللحاظ زمني.

الاعتبار الثالث اللحاظ المضموني فمضمون السور المكية يرتبط بتوحيد الله تبارك وتعالى والتذكير بالمعاد والتركيز على نبوة النبي محمد "صلى الله عليه وآله" أي أن الآيات المكية تركز على أصول العقائد الإسلامية بخلاف الآيات المدنية التي تركز على تفاصيل الأحكام الشرعية كأحكام الصلاة والصيام والحج وسائر التشريعات فما دل على أصول العقائد فهو مكي وما دل على تفاصيل الشريعة فهو مدني.

النقطة الثانية: فضل سورة الفاتحة

الأمر الأول يكفي في فضل سورة الفاتحة أنها جعلت عدلا للقرآن الكريم بأكمله في آية الحجر إذ قال تعالى ﴿ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم﴾[4] فمن الله "عز وجل" على النبي محمد "صلى الله عليه وآله" بأن أعطاه السبع المثاني والقرآن الكريم فجعلت السبع المثاني في مقابل القرآن الكريم هذا الأمر الأول في فضلها.

الأمر الثاني لابد من قراءتها في الصلاة ولا تغني عنها سائر السور حتى قال "صلى الله عليه وآله" لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب[5] مما يدل على عظم شأنها من بين بقية سور القرآن الكريم لأن الصلاة عمود الدين ولا يتم عمود الدين إلا بالفاتحة والصلاة يمتاز بها المسلم عن الكافر.

الأمر الثالث في فضلها ما اشتملت عليه سورة الفاتحة من المعارف على الرغم من اختصارها وخير الكلام ما قل ودل لا ما كثر وزل. فسورة الفاتحة على الرغم من اختصارها فيها مضامين عالية راقية جدا.

الرواية الأولى روى الصدوق بإسناده عن الحسن بن علي العسكري عن آبائه عن أمير المؤمنين "عليه السلام" أنه قال بسم الله الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب ـ إذن هذه الرواية تنص على أن البسملة آية من سورة الفاتحة ـ وهي سبع آيات يعني وسورة الفاتحة سبع آيات تمامها بسم الله الرحمن الرحيم يعني تبدأ من بسم الله الرحمن الرحيم إلى آخر الفاتحة.

سمعت رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقول من القائل؟ أمير المؤمنين ينقل عن النبي إن الله تعالى قال لي يا محمد ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم فأفرد الامتنان علي بفاتحة الكتاب وجعلها بإزاء القرآن العظيم وإن فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش[6] ، هذه الرواية الأولى من طرق الخاصة.

الرواية الثانية من طرق العامة روى البخاري عن أبي سعيد بن المعلى قال (كنت أصلي فدعاني النبي "صلى الله عليه وآله" فلم أجبه قلت يا رسول الله إني كنت أصلي قال ألم يقل الله استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم ثم قال ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد فأخذ بيدي فلما أردنا أن نخرج قلت يا رسول الله إنك قلت ألا أعلمك أعظم سورة من القرآن قال الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته)[7] إذن هذه الرواية والتي سبقتها تدل على أن أعظم آية في كتاب الله هي فاتحة الكتاب.

النقطة الثالثة: آيات سورة الفاتحة

المعروف بين المسلمين أن عدد آيات سورة الفاتحة سبع بل لا خلاف في ذلك.

نعم روي ونقل عن حسين الجعفي أنها ست وروي عن عمر بن عبيد أنها ثمان وكلا القولين شاذ مخالف لما اتفقت عليه روايات الفريقين السنة والشيعة من أنها سبع آيات وقد مر أنها هي المراد من السبع المثاني الواردة في سورة الحجر.

يبقى الكلام هل البسملة أية أو لا؟

المشهور أنها آية فمن عد البسملة آية تكون آخر آية من سورة الفاتحة طويلة ﴿صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾ وهذا هو المثبت في القرآن المتداول اليوم المطبوع في السعودية وغيرها البسملة رقم واحد وآية رقم 7 هذه الآية بتمامها ﴿صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾.

وأما من لم يثبت الآية للبسملة ولم يجعلها الآية الأولى تصير الآية الأولى الحمد لله رب العالمين وتصير صراط الذين أنعمت عليهم آية رقم ستة غير المغضوب عليهم ولا الضالين الآية رقم 7. لكن القرآن المتداول اليوم وأكثر المصاحف تثبت أن الآية السابعة هي هذه الآية بتمامها ﴿صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾ ولم تجعل غير المغضوب عليهم ولا الضالين آية مستقلة عن صراط الذين أنعمت عليهم.

هذا تمام الكلام في النقطة الثالثة حول آيات سورة الفاتحة.

النقطة الرابعة: غايات سورة الفاتحة

سؤال فما هي الغاية من سورة الفاتحة؟

الجواب الغاية منها حصر العبادة بالله تبارك وتعالى والإيمان بالمعاد والحشر وهذه هي الغاية القصوى من إرسال النبي "صلى الله عليه وآله".

كل إنسان بفطرته لديه أسئلة ثلاثة:

السؤال الأول من أين جئت؟

السؤال الثاني إلى أين سأنتهي؟ هل توجد حياة بعد هذه الحياة؟ هل توجد حياة بعد الموت أو لا؟

السؤال الثالث ما هي الوسيلة الصحيحة التي ينبغي أن أتخذها واتبعها من المبدأ إلى المنتهى.

السؤال الأول حول المبدأ من أين جئت؟ من الله الواحد الأحد فمبدأ التوحيد الله هو الذي خلقك.

السؤال الثاني حول المنتهى إلى أين سأنتهي؟ إلى المعاد يوم القيامة لذلك هناك كتب كثيرة مؤلفة عنوانها المبدأ والمعاد الفلاسفة والعرفاء مثل ابن سينا، ملا صدرا، عندهم كتاب بهذا العنوان المبدأ والمعاد وهناك واسطة من المبدأ إلى المعاد من أين أعبر من التوحيد إلى المعاد من خلال النبوة، النبي هو الذي يعلمنا المبدأ الحق والمعاد الحق سورة الفاتحة تبين المبدأ والمعاد وتبين أنه لابد من عبادة الله الواحد الأحد ولابد من الاستعانة به فإن دين الإسلام دعا جميع البشر إلى الإيمان بالله وتوحيده قال تعالى:

﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم﴾ ـ يعني هناك أشياء مشتركة بين المسلمين وبين أهل الكتاب الذين يدعون أن لديهم كتاب سماوي مثل اليهود عندهم التوراة والمسيح عندهم الإنجيل ـ ﴿أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا﴾ ـ يعني شركاء ـ ﴿من دون الله﴾. [8]

إذن سورة الفاتحة تتضمن هذا المبدأ العظيم الذي دعا الله تبارك وتعالى جميع البشر وجميع الناس إليه إذ أنه لا يستحق غير الله العبادة فالبشر وكل موجود مُدرك يجب أن يكون خاضعا لله وأن يكون توجهه لله تبارك وتعالى وحده والبرهان على ذلك.

الأمور الأربعة التي توجب الخضوع لله تبارك وتعالى

إن العاقل إنما يخضع لمن سواه ويعبده ويتوجه إليه بحوائجه لأحد أمور أربعة وهذه الأمور الأربعة تنطبق على الله "عز وجل" وحده لا شريك له:

الأمر الأول إما لكمال في ذلك المعبود المستعان والناقص مجبول بفطرته على الخضوع للكامل.

الأمر الثاني وإما لإحسانه وإنعامه عليه إذ أنه يجب شكر المنعم والمحسن والمتفضل وشكره يكون بالعبادة.

الأمر الثالث وإما لاحتياج الناقص إلى الكامل في جلب منفعة أو دفع مضرة ومفسدة.

الأمر الرابع وإما لقهر الكامل وسلطانه وهيمنته فيخضع له خوفا من مخالفته وعصيانه.

هذه أسباب أربعة وكلها لا تنطبق على موجود حقيقي إلا الله تبارك وتعالى هذه الأسباب الأربعة هي التي توجب الخضوع والعبادة وإذا نظر العاقل إلى أي واحد من هذه الأسباب الأربعة يجده منطبقا على الله "عز وجل" ومنحصرا به فالله هو المستحق للحمد لأنه المستجمع لجميع صفات الكمال والجمال والجلال ولا يتطرق إلى ساحته نقص.

يقولون في الفلسفة وفي علم الكلام الإمكان عبارة عن الفقر المحض لأن الممكن ما تساوى فيه طرفا الوجود والعدم فيحتاج إلى علة تخرجه من حيز الوجود عن حيز العدم.

إذن الممكن في فقر دائما حدوثا وبقاء، ابتداء واستمرارا يعني يحتاج هذا الإنسان إلى إفاضة الحياة عليه ابتداء واستمرارا يعني في كل لحظة هو بحاجة إلى العلة المحدثة المبقية.

﴿يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد﴾[9] الله غنى مطلق والإنسان وكل الكائنات فقر محض لأنها موجودات ممكنة فتحتاج في عالم التكوين وفي عالم التشريع إلى الله "عز وجل" والله هو المنعم على جميع العوالم الظاهرية والباطنية المجتمعة والمتدرجة الله "عز وجل" هو المتصف بالرحمة التي لا تزول وغير قابلة للزوال، الله هو المالك المطلق هو السلطان على الخلق بلا منازع ولا شريك ها هو المعبود بالحق لكماله وإنعامه ورحمته وسلطانه فلا يتوجه العاقل إلا إليه ولا يعبد إلا إياه ولا يستعين إلا به ولا يتوكل إلا عليه لأن الله غني مطلق وما سواه ممكن والإمكان فقر محض والممكن بحاجة إلى الواجب وبحاجة إلى الاستعانة والعبادة وهي لا تكون إلا للغني المطلق.

وبعد أن أثبت الله "عز وجل" في سورة الفاتحة أنه هو المستحق للحمد والثناء بقوله ﴿الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين﴾ لقن عباده أن يقولوا بألسنتهم وقلوبهم ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾ هذه فيها حصر لم يقل نعبد إياك قال ﴿إياك نعبد﴾ فتقديم المفعول به إياك يدل على الحصر، ثم أشار تبارك وتعالى إلى أحوال البشر بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب وإتمام الحجة عليهم.

ورد في القرآن الناس ثلاثة أقسام:

القسم الأول من شملته العناية الإلهية والنعم القدسية فاهتدى إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم فوصل إلى الغاية القصوى والمقصد المطلوب ولم ينحرف عنه يمينا ولا شمالا فطوبى له وحسن المعاد.

القسم الثاني من ضل الطريق انحرف يمينا أو شمالا لكنه لم يكن معاندا فهو ضل الطريق لتقصيره وزعم أن ما اتبعه هو الدين وما سلكه هو الصراط السوي ولكن كما في آخر سورة الكهف ﴿قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا﴾[10] هذا الصنف الثاني ضل الطريق من دون عناد.

القسم الثالث ضل الطريق مع العناد فدعاه حب المال وحب الجاه إلى العناد فعاند الحق ونابذه سواء عرف الحق أو لم يعرفه بعض الآيات تشير إلى أنهم عرفوا الحق ﴿وجهدوا بها واستيقنتها أنفسهم﴾[11] لكن أرادوا العلو والاستكبار هذه الحقيقة أشار إليها رب العالمين في قوله تعالى ﴿أفرأيت من أتخذ إله هواه﴾[12] .

هذا الفريق الثالث أشد من الفريق الثاني يشترك الفريقان الثاني والثالث في الضلال والضياع لكن يمتاز الفريق الثاني بأنه معاند للحق وجاحد له فهو يستحق الغضب الإلهي بعناده زيادة على ما يستحقه بضلاله وبما أن البشر لا يخلو من حب المال وحب الجاه ولا يؤمن عليه من الوقوع في الضلال والمعاصي وغلبة الهواء ما لم تشمله الهداية الربانية التي أشير إليها في قوله "عز وجل" ﴿ولو لا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء﴾[13] لذلك لقن الله عبيده أن يطلبوا منه الهداية وأن يقولوا ﴿أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾ فالعبد يطلب من ربه الهداية قال تعالى ﴿والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم﴾[14] .

من الأمور الشائعة اشتباها:

إذا دعيت لشخص الله يهديك قال أنا ضال عنه حتى تطلب الله يهديني؟

أو إذا تقول مثلا استغفروا ربكم وتوبوا إليه، نتوب إليه يعني نحن مذنبين؟

بالعكس المؤمن على وجل يحتاج أن يطلب الهداية وأن يسأل المؤمنين أن يطلبوا له الهداية ابتداء واستمرارا حدوثا وبقاء ويحتاج إلى التوبة في كل لحظة بل المؤمن في كل لحظة تمر عليه من دون ذكر الله يستغفر الله "عز وجل" لذلك المؤمن يسأل الله أن يجعله في زمرة من أنعم عليهم والسالكين لطريقتهم كما أشير إليه في قوله تعالى ﴿أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل﴾ ـ من هو إسرائيل؟ نبي الله يعقوب وفي بعض التفاسير إسرائيل يعني اسر أيل وأيل الشيطان لأنه أسر الشيطان، إسرائيل يعني أسر أيل يعني اسر الشيطان وفي بعض الروايات إسرائيل يعني نور الله ـ ﴿وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدن وبكيا﴾[15] ، ويسأل الله "عز وجل" أن لا يسلك طريق الطائفتين الزائغتين وهما المغضوب عليهم والضالين.

النقطة الخامسة: خلاصة السورة

ابتدأ رب العزة والجلال بتمجيد نفسه بما يرجع إلى كمال ذاته ﴿الحمد لله رب العالمين مالك يوم الدين﴾ ومجد نفسه بما يرجع إلى أفعاله من تربيته العوالم كلها رب العالمين التربية تحتاج إلى جانب رعاية، رب العالمين يعني هو الذي يشرف على جميع العوالم كلها ورحمته العامة غير المنفكة عنه تبارك وتعالى وسلطانه يوم المحشر وهو يوم الجزاء هذا هو الهدف الأول للسورة.

السورة لها أهداف ثلاثة:

الهدف الأول تمجيد الله "عز وجل" وبيان هيمنته على العالم، ﴿الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين﴾.

الهدف الثاني ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾ وهو حصر العبادة والاستعانة بالله تبارك وتعالى فلا يستحق غيره أن يعبد أو يستعان.

الهدف الثالث ﴿أهدنا الصراط المستقيم﴾ وهو تلقين عبيد الله أن يطلبوا من الله الهداية إلى صراط المستقيم الذي يوصلهم إلى الحياة الدائمة والنعيم الذي لا زوال له والنور الذي لا ظلمة بعده.

الهدف الرابع ﴿صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾ بيّن رب العالمين أن صراط المستقيم هو خاص بمن أنعم الله عليهم برحمته وفضله وهو يغاير صراط من غضب الله عليهم وصراط الذين ضلوا.

الملاحظ أن القرآن الكريم أشار إلى أن طريق الله طريق واحد فقال ﴿أهدنا الصراط المستقيم﴾ ولم يقل أهدنا الصرط المستقيمة، ولكن طريق الضلال وطريق الشيطان فيه عدة طرق لذلك قال "عز من قائل" ﴿ولا تتبعوا السبل فتضل بكم عن سبيله﴾[16] يعني هناك سبل.

إذن عدنا سبيل الله وليس سبل الله طريق الله سبيل الله صراط الله ولكن هناك سبل الشيطان طرق الشيطان.

هذا تمام الكلام في هذه النقاط الخمس.

تحليل آية بسم الله الرحمن الرحيم يأتي عليها الكلام.

 


logo