40/07/18
الدليل على بطلان الكلام النفسي
الموضوع: الدليل على بطلان الكلام النفسي
قال السيد الخوئي "رحمه الله":
وتوضيح ذلك
أنه لا خلاف في أن الكلام المؤلف من الحروف الهجائية المندرجة في الوجود أمر حادث يستحيل أتصاف الله تعالى به في الأزل وغير الأزل.[1]
كان الكلام في حدوث القرآن وقدمه
فقد ذهب المعتزلة والشيعة الإمامية إلى أن كلام الله حادث وليس بقديم وذهب الأشاعرة إلى أن كلام الله قديم وليس بحادث واستدلوا على ذلك بالتفرقة بين الكلام اللفظي الذي هو حادث وبين الكلام النفسي الذي هو قديم وأنكر المعتزلة والشيعة الإمامية وهما يشكلان العدلية وجود الكلام النفسي.
إذن يقع الكلام في نفي الكلام النفسي.
الدليلان على نفي الكلام النفسي
وقد تحدث السيد الخوئي "رحمه الله" بشكل معمق في نفي الكلام النفسي وتطرق إلى دليلين أذكر خلاصتهما ثم بعد ذلك نأتي إلى التفصيل.
أما الدليل الأول فخلاصته أن الكلام هو إما خبر وإما إنشاء ومفاد الجملة الخبرية وأيضا مفاد الجملة الإنشائية لا يشمل الكلام النفسي فباعتراف نفس الأشاعرة لا يصدق على الكلام النفسي أنه خبر أو أنه إنشاء فإذا انتفى العنوان الخبر أو الإنشاء عن الخبر وهما مقسم الكلام فكيف يكون الكلام النفسي كلاما.
فتكون النتيجة انحصار الكلام في خصوص الكلام اللفظي الذي ينقسم إلى خبر وإنشاء ولا يصدق على ما يسمى الكلام النفسي أنه يسمى كلام وإنما هو وهم محض فالكلام النفسي لا موضوعية له.
ثم يذكر السيد الخوئي "رحمه الله" أننا إذا فحصنا مورد الجملة الخبرية نجد أن مواردها تسعة وإذا فحصنا الجملة الإنشائية نجد أن مواردها سبعة من دون السابع والثامن وإذا لاحظنا معنى الكلام النفسي الذي جاء به الأشاعرة نجد أنه ليس من الموارد التسعة للجملة الخبرية وليس من الموارد السبعة للجملة الإنشائية فيكون الكلام النفسي لا مورد له فلا يصدق عليه عنوان الكلام فينحصر الكلام في خصوص الكلام اللفظي ولا مورد للكلام النفسي هذه خلاصة نتائج الدليل الأول.
وأما الدليل الثاني فهو ما ذهب إليه صاحب الكفاية "أعلى الله مقامه الشريف" من القول بوحدة الطلب والإرادة[2] إذ أن الأشاعرة ذهبوا إلى التفرقة بين الإرادة والطلب.
ومن الواضح أن الطلب إنما يكون للأمر والإرادة كيف نفساني فالكلام اللفظي يصدق عليه أنه طلب والكلام النفساني يصدق عليه أنه إرادة فقال الاشاعرة إن الكلام النفسي يعبر عن الإرادة والكلام اللفظي يعبر عن الطلب فرد عليهم صاحب الكفاية بوحدة الطلب والإرادة معا مفهوما ومصداقا وادعى أن الوجدان الذي لا يحتاج إلى برهان يدل على وحدة الطلب والإرادة معا.
لكن السيد الخوئي "رحمه الله" رد على صاحب الكفاية وقال إن الصحيح هو ما ذهب إليه الأشاعرة لأن الإرادة كيف نفساني من مقولة الكيف القائم في النفس والطلب يعبر عن الفعل الخارجي.
فلا يقال أنك طلبت الدابة إذا أردت نفسيا أن تبحث عن الدابة ولا يصدق طلب الدابة إلا إذا تحركت خارجا للعثور على الدابة ولا يصدق طلب الماء بمجرد الشعور النفساني والرغبة النفسانية بالماء.
نعم يصدق طلب الماء إذا أمرت بإحضار الماء أو تحرك خارجا بإحضار الماء.
إذن الدليل الثاني الذي استدل به لنفي الكلام النفساني وهو أن الإرادة والطلب واحد والطلب ناظر إلى الكلام اللفظي فالإرادة ناظرة إلى الكلام اللفظي فلا يوجد كلام نفسي هذا كلام صاحب الكفاية لكنه مناقش بالتفرقة بين الإرادة والطلب وهذا ما ذكره السيد الخوئي "رحمه الله" في نهاية هذا البحث حينما قال والذي يظهر من موارد استعمال لفظ الطلب ولكن اغلب البحث في الدليل الأول وهو أن الكلام النفسي ليس من موارد الجملة الخبرية والإنشائية فلا يصدق عليه عنوان الكلام، هذا تمام الكلام في مختصر درس اليوم.
وأما التفصيل نقطتان تصلحان للمقدمة:
المقدمة الأولى لا خلاف بين الاشاعرة فضلا عن العدلية في أن الكلام المؤلف من الحروف الهجائية المندرجة في الوجود أي الكلام اللفظي، هو أمر حادث لذلك يستحيل اتصاف الله "عز وجل" بالكلام اللفظي والحروف الهجائية منذ الأزل وغير الأزل لأن الذات الإلهية قديمة والكلام اللفظي حادث فيستحيل أن تثبت صفة ذاتية لله تبارك وتعالى حادثة وهي صفة الكلام اللفظي هذه المقدمة الأولى يوجد فيها اتفاق بين الاشاعرة والعدلية من المعتزلة والشيعة الإمامية.
المقدمة الثانية الخلاف كل الخلاف إنما هو في وجود سنخ آخر من الكلام غير الكلام اللفظي وإنما هو الكلام النفسي.
سؤال فهل يوجد كلام تجتمع أجزائه في الوجود يطلق عليه الكلام النفسي؟
الجواب ذهب العدلية إلى نفي الكلام النفسي وذهبت الأشاعرة إلى أن الكلام النفسي موجود وهو من صفات الله الذاتية التي تتصف بها الذات الإلهية كما أن الكلام النفسي يتصف به غير الله أيضا فكما يوجد عند الله كلام نفسي يوجد أيضا عند الإنسان كلام نفسي أيضا.
ونفى الكلام النفسي غير الأشاعرة وهم العدلية وحصروا الكلام في خصوص الكلام اللفظي وقالوا إن قيام الكلام بالمتكلم كقيام الفعل بالفاعل فلا معنى للفعل من دون الفاعل كذلك لا معنى للكلام بدون المتكلم.
سيدنا الخوئي أي القولين هو الصحيح؟ يقول:
الصحيح هو القول الثاني وهو إنكار وجود الكلام النفسي خلافا للقول الأول الذي ذهبت إليه الاشاعرة من وجود الكلام النفسي ودليلنا على ذلك:
خلاصة هذا الدليل:
لا يعقل في موارد الجملة الخبرية والإنشائية ما يصلح أن يكون سنخا للكلام النفسي. فالكلام النفسي لا موضوعية له بل هو وهم محض. هذا المختصر.
وقبل أن نأتي إلى التفصيل نقدم مقدمة في الوضع:
توجد عدة نظريات في الوضع:
النظرية المشهورة هي مسلك الاعتبار فإذا ولد للإنسان ولد وقال الأب أسميته عليا فإنه قد اعتبر أن هذا المولود اسمه علي فنظرية الاعتبار تقول إن الوضع عبارة عن جعل شيء لشيء أو نفي شيء عن شيء فيقول الأب وضعت اسم علي لابني ولم أضع له اسم حارث فيكون المدلول اللغوي مدلولا تصوريا فإذا ناديت علي تصور الولد ونادى وقال نعم إذن بناء على مسلك المشهور وهو نظرية الاعتبار يكون المدلول اللغوي عبارة عن مدلول تصوري إما وضع شيء لشيء أو نفي شيء عن شيء.
نظرية السيد الخوئي السيد الخوئي "رحمه الله" له مسلك آخر وهو مسلك التعهد:
يقول الوضع في اللغة ليس مجرد جعل شيء لشيء أو نفي شيء عن شيء بل تعهد وقصد الحكاية يعني إذا قلت علي أقصد ولدي ولا أقصد علي أبن الجيران فالوضع اللغوي موضوعه هو قصد حكاية ثبوت شيء لشيء أو قصد حكاية نفي شيء عن شيء فيكون المدلول اللغوي بناء على رأي السيد الخوئي مدلولا تصديقيا ناظر إلى القصد والقصد مدلول تصديقي وليس مدلولا تصوريا.
إذن بناء على مسلك المشهور مسلك الاعتبار يكون مفاد الجملة الخبرية مدلولا تصوريا وضع شيء لشيء ثبوت شيء لشيء أو نفي شيء عن شيء.
وأما بناء على مسلك السيد الخوئي مسلك الاعتبار يكون مدلول الجملة الخبرية تصديقيا وهو عبارة عن قصد حكاية ثبوت شيء لشيء أو قصد حكاية نفي شيء عن شيء هذا تمام الكلام في بيان المقدمة الأولى وهي في بيان مسلك الاعتبار وبيان مسلك التعهد.
المقدمة الثانية في بيان موضوع الجملة الإنشائية
وهنا نظريتان:
الأولى نظرية المشهور
قال المشهور الإنشاء هو عبارة عن إيجاد المعنى باللفظ، اكتب هذا أمر أوجدت هذا المعنى وهو الكتابة بلفظ كَتَبَ فذهب المشهور إلى أن مدلول الجملة الإنشائية عبارة عن إيجاد المعنى باللفظ.
الثانية وخالفهم السيد الخوئي "رحمه الله" قائلا أي معنى يوجد باللفظ يوجد احتمالان:
الاحتمال الأول المعنى الحقيقي التكويني.
الإحتمال الثاني المعنى الاعتباري
ثم يعقب السيد الخوئي "رحمه الله" يقول: وكلاهما لا يثبت باللفظ:
أما المعنى الحقيقي التكويني كالأمطار، كأمطار اليوم والزلازل والفيضانات والبراكين فإنها تخضع لأسبابها التكوينية وعللها وأسبابها ولا تخضع للفظ.
إذن المعنى الحقيقي والتكويني لا يحصل باللفظ وإنما يحصل بأسبابه وعلله التكوينية.
وأما المعنى الاعتباري فمن قال إن المعنى الاعتباري كالأمر والنهي والتعجب والاستفهام من قال أنه لا يحصل إلا باللفظ بل يكفي الكيفية النفسانية لإيجاد ذلك المعنى.
نعم اللفظ مبرز لذلك المعنى الاعتباري.
فمثلا بالنسبة إلى الزوجية إما أن يدل عليها باللفظ وإما الأبكم الاغتم إذا دمج بين إصبعيه وأشار إلى امرأة نفهم أنه يريد أن يتزوج بها فهذا المعنى الاعتباري وهو الزوجية اكتشفناه من إشارة الأخرس والأبكم ولم نكتشفه من اللفظ. واللفظ والإشارة إنما هو مبرزان للمعنى الاعتباري وليسا موجدين للمعنى الاعتباري.
نعم المعنى الاعتباري قائم بالنفس فالكيف النفساني هو الموجد للأمر الاعتباري وليس اللفظ أو الكتابة أو الإشارة نعم اللفظ أو الإشارة أو الكتابة مظهران ومبرزان للمعنى الاعتباري.
النتيجة النهائية قول المشهور إن الإنشاء هو عبارة عن إيجاد المعنى باللفظ ليس صحيحا لأن المعنى الموجد إما معنى حقيقي تكويني فهو يخضع لأسبابه وعلله التكوينية ولا يوجده اللفظ وإما أن يكون هذا المعنى معنى اعتباريا وهذا المعنى الاعتباري لا يوجده اللفظ وإنما توجده الكيفية النفسانية. نعم اللفظ مبرز ومظهر بهذا الأمر الاعتباري.
إذن ما هو موضوع الجملة الإنشائية؟
الجواب موضوع الجملة الإنشائية إبراز الأمر النفساني.
هذا الأمر النفساني:
إما أن يكون اعتبار من الاعتبارات كالوجوب والحرمة والزوجية والرقية والبينونة
وإما أن يكون كيفية من الكيفيات كالتعجب والتمني إلى آخر ذلك
إذن إلى هنا وصلنا إلى هذه النتيجة موضوع الجملة الخبرية والإنشائية على مبنى المشهور يختلف عن موضوع الجملة الخبرية والإنشائية على مبنى السيد الخوئي.
موضوع الجملة الخبرية:
على مبنى المشهور موضوع الجملة الخبرية هو ثبوت شيء لشيء أو نفي شيء عن شيء
على مبنى السيد الخوئي موضوع الجملة الخبرية بناء على مسلك السيد الخوئي عبارة عن قصد الحكاية عن ثبوت شيء لشيء أو قصد الحكاية عن نفي شيء عن شيء.
وأما موضوع الجملة الإنشائية:
بناء على مسلك المشهور فهو عبارة عن إيجاد المعنى باللفظ
وأما بناء على مسلك السيد الخوئي فموضوع الجملة الإنشائية هو عبارة عن إبراز الأمر النفسي. هذا الأمر النفسي إما أن يكون أمرا اعتباريا وإما أن يكون أمرا كيفيا، كيفية من الكيفيات.
إذا تمت هذه المقدمة بعد الدليل تم كيف الدليل تم؟
سؤال أيها الاشاعرة ماذا تقصدون بالكلام النفسي؟ طبعا من أراد أن يبحث في تفاصيل هذا الموضوع يراجع البحث الخارج للسيد الخوئي محاضرات في أصول الفقه تقرير الشيخ محمد إسحاق الفياض جزء 43 من دورة السيد الخوئي من 352 إلى 373.[3]
ما هو معنى الكلام النفسي؟
الأشاعرة يقولون الكلام النفسي هو المعنى القائم بالنفس وليس من سنخ النسبة الخارجية ولا قصد الحكاية هذا هو الكلام النفسي، أمر قائم بالنفس هذا المعنى القائم بالنفس عبروا عنه أحيانا بالطلب. الطلب القائم بالنفس الذي ليس من سنخ النسبة الخارجية وليس من سنخ قصد الحكاية.
فلنتأمل هل يصدق عليه عنوان كلام أو لا؟
الكلام إما خبر وإما إنشاء
موضوع ومدلول الجملة الإخبارية بناء على مسلك المشهور ثبوت شيء لشيء أو نفي شيء عن شيء بناء على مسلك السيد الخوئي قصد حكاية شيء عن شيء ثبوت شيء لشيء أو قصد حكاية نفي شيء عن شيء والكلام النفسي بهذا المعنى أمر قائم بالنفس. طلب قائم بالنفس ما يشمل قصد الحكاية بتصريح الاشاعرة وما يشمل تصور ثبوت شيء لشيء أو نفي شيء عن شيء فيكون الكلام النفسي ليس خبرا ولا إنشاء فلا يصدق عليه عنوان الكلام.
فإذا لم يكن الكلام النفسي خبرا فلنبحث هل يمكن أن يكون إنشاء وتكون النتيجة أنه لا يمكن أن يكون أنشاء لأن مدلول الجملة الإنشائية بناء على رأي المشهور إيجاد المعنى باللفظ والاشاعرة يقولون الكلام النفسي ليس لفظا وإنما هو كيفية نفسانية وبناء على رأي السيد الخوئي "رحمه الله" يكون مدلول الجملة الخبرية عبارة عن إبراز الأمر النفسي والاعتباري ومن الواضح أن الكلام النفسي ليس عبارة عن إبراز أمر نفساني إما أن يكون اعتباريا وإما أن يكون كيفيا وإنما الكلام النفسي هو نفس معنى قائم في النفس أو الطلب القائم في النفس.
إذن النتيجة النهائية الكلام النفسي الذي عرّفه الاشاعرة لا يكون مدلولا للخبر ولا يكون مدلولا للإنشاء يعني لا يصدق عليه أنه خبر ولا يصدق عليه أنه إنشاء والخبر والإنشاء مقسمان للكلام.
إذ أن الكلام إما أن يكون خبرا وإما أن يكون إنشاء ولا ثالث في البين فإذا انتفى عنوان الخبر وعنوان الإنشاء عنه يتضح أن عنوان الكلام النفسي وهن محض.
هذا تمام الكلام في بيان الدليل الأول ومفاده: إن مفاد الجملة الخبرية والإنشائية لا يصدق على الكلام النفسي هذا من ناحية المفهوم الآن من ناحية المصداق.
الجملة الخبرية لها موارد تسعة والجملة الإنشائية لها موارد سبعة والكلام النفسي ليس منها لأن الكلام النفسي عبارة عن كيفية قائمة في النفس وليس عبارة عن لفظ من الألفاظ.
ودليلنا على ذلك:
إن الجمل إما خبرية وإما إنشائية
أما الجمل الخبرية فإنا إذا فحصنا مواردها لم نجد فيها إلا تسعة أمور وهي التي لابد منها في الإخبار عن ثبوت شيء لشيء أو عدم ثبوته.
الجمل الخبرية له الموارد التسعة:
أولا مفردات الجملة بموادها وهيئاتها مثلا تقول زيد نظيف هذه الجملة لها مفردتان زيد ونظيف هاتان المفردتان زيد ونظيف هاتان المفردتان لها مواد مادة الزاي والياء والدال ومادة النون والضاء والياء والفاء وهيئاتها زيد نظيف فعل فعيل نظيف على هيئة وصيغة فعيل.
ثانيا معاني المفردات ومداليلها معنى مفردة زيد ومعنى مفردة نظيف.
ثالثا الهيئة التركيبية للجملة مبتدأ زيد وعاذر خبر إن قلت زيد عاذر من اعتذر كما يقول أبن مالك في ألفيته زيد مبتدأ ونظيف خبر فهذه الجملة تتركب من مبتدأ وخبر فهي جملة اسمية.
رابعا ما تدل عليه الهيئة التركيبية يعني الهيئة المركبة من مبتدأ وخبر في مثالنا زيد نظيف تدل على يقولون مثلا الجملة الاسمية تدل على الثبات بينما الجملة الفعلية تدل على الحدث تفاصيل ذلك في علم النحو.
خامسا تصور المخبر مادة الجملة وهيئتها من تكلم وقال زيد نظيف يتصور مادة الزاي والياء والدال والنون والظاء والياء والفاء ويتصور أيضا الهيئة فعل فعيل.
سادسا تصور مدلول الجملة بمادتها وهيئتها، المستمع يتصور ما تدل عليه مادة الجملة وما تدل عليه هيئة الجملة.
سابعا مطابقة النسبة لما في الخارج أو عدم مطابقتها له يعني في الواقع في الخارج زيد نظيف أو زيد لا غير نظيف.
ثامنا علم المخبر بالمطابقة أو بعدمها أو شكه فيها حينما قال زيد نظيف إما ما يدري هو نظيف أو لا أو فعلا يعلم أنه نظيف أو لا يعلم.
الثامن لأنه فيه نظر إلى مطابقة للواقع الخارجي ما يشمل الجملة الإنشائية لأن الجملة الإنشائية تنشأ واقعا لا أنها تحكي عن الواقع.
تاسعا إرادة المتكلم لإيجاد الجملة في الخارج مسبوقة بمقدماته يعني المتكلم يريد فعلا أن زيد في الخارج نظيف وهذا مسبوق بمقدمات تحصيل النظافة من أنه يستحم كل يوم وغير ذلك.
وقد اعترفت[4] الاشاعرة بأن الكلام النفسي ليس شيئا من الأمور المذكورة يعني ليس أحد هذه التسعة لأن الكلام النفسي هو المعنى القائم بالنفس الطلب القائم بالنفس الكيفية الموجودة في النفس التي ليست من سنخ النسبة الخارجية وليست من سنخ قصد الحكاية وعلى هذا فلا يبقى للكلام النفسي عين ولا أثر.
أما مفاد الجملة فلا يمكن أن يكون هو الكلام النفسي لأن مفاد الجملة على ما هو المعروف وهو نظرية المشهور مسلك الاعتبار فيكون المدلول تصوري هو ثبوت شيء لشيء أو سلبه عن الشيء وعلى ما هو التحقيق مسلك السيد الخوئي التعهد يكون المدلول تصديقي وعلى ما هو التحقيق عندنا مسلك التعهد هو قصد الحكاية عن الثبوت أو قصد الحكاية عن السلب فقد أثبتنا أن الهيئة التركيبية للجملة الخبرية بمقتضى وضعها أمارة يعني علامة على قصد المتكلم هذا مسلك السيد الخوئي علامة وأمارة على قصد المتكلم وليس أمارة على الثبوت للثبوت ـ عن النسبة وشأنها في ذلك الجملة الخبرية شأن ما سوى الألفاظ من الأمارات الجعلية مثل الإشارة الكتابة أمارة مجعولة من قبل المشير أو الكاتب.
وقد حققنا أن الوضع هو التعهد هذا رأي السيد الخوئي بجعل لفظ خاص أو هيئة خاصة مبرزا يعني مظهرا لقصد تفهيم أمر تعلق غرض المتكلم بتفهيمه، وقد أوضحنا ذلك كله في محله في تقريره لدرس أستاذه أجود التقريرات تقريرات الميرزا النائيني وفي نفس بحثه محاضرات[5] في أصول الفقه الجزء ثلاثة وأربعين صفحة 352[6] هذا هو مفاد الجملة الخبرية يعني على مسلك السيد الخوئي وعلى مسلك المشهور ثبوت شيء لشيء أو سلبه عنه هذان المفادان لا يصدقان على كلام النفسي ما هو الكلام النفسي؟ قال والكلام النفسي عند القائل به وهم الاشاعرة موجود نفساني من سنخ الكلام مغاير للنسبة الخارجية ومغاير لقصد الحكاية وقصد الحكاية على مسلك السيد الخوئي هو مفاد الجملة الخبرية فلا يكون الكلام النفسي من سنخ الجملة الخبرية.
هذا تمام الكلام في مفاد الجملة الخبرية هذا المقام الأول.
المقام الثاني مفاده الجملة الإنشائية قال وأما الجملة الإنشائية فهي كالجملة الخبرية.
والفارق بينهما أن الجملة الإنشائية ليس في مواردها خارج تطابقه النسبة الكلامية أو لا تطابقه وعليه بناء على أنه لا خارج تطابقه فالأمور التي لابد منها في الجمل الإنشائية سبعة وهي بذاتها الأمور التسعة التي ذكرناها في الجملة الخبرية ما عدا السابع والثامن منها وقد علمت أن الكلام النفسي عند القائلين به ليس واحدا منها لأنها ناظرة إلى الكلام والمفردات والألفاظ والكلام النفسي معنى قائم في النفس وليس بألفاظ.
ولعل سائلا يقول: ما هو مفاد هيئة الجملة الإنشائية؟
المعروف بين العلماء أنها موضوعة لإيجاد معنى من المعاني نحو إيجاد مناسب لعالم الإنشاء إيجاد مناسب كالاستفهام أو التمني أو الترجي أو الأمر أو النهي ما يناسب الأمر غير ما يناسب النهي ما يناسب التمني غير ما يناسب التعجب وقد تكرر في كلمات كثير منهم أن الإنشاء إيجاد المعنى باللفظ وقد ذكرنا في مباحثنا الأصولية أنه لا أصل للوجود الإنشائي واللفظ والمعنى وإن كانت لهما وحدة عرضية منشأها ما بينهما من الربط الناشئ من الوضع.
يريد أن يقول تحصل موائمة وأنس بين اللفظ والمعنى لذلك الأمور والتداعيات الموجودة في المعنى تنعكس على اللفظ فإذا كان المعنى قبيحا يصبح اللفظ قبيحا في نظر العرف وإذا كان المعنى ساميا يصبح اللفظ أيضا ساميا يقول هذا لا دخل للوضع فيه لا لذلك اللفظ يدل على نفسه أولا بالذات ويدل على معناه ثانيا وبالعرض يقول واللفظ والمعنى وإن كانت لهما وحدة عرضية منشأها يعني لماذا يعرض المعنى على اللفظ منشأها ما بينهما ما بين اللفظ والمعنى من الربط الناشئ من الوضع وضعوا هذه اللفظة لهذا المعنى فوجود اللفظ وجود له بالذات ووجود للمعنى بالعرض والمجاز ومن أجل ذلك يسري حسن المعنى أو قبح المعنى إلى اللفظ لأن بينهما نوع من الموائمة وبهذا المعنى يصح أن يقال: وجد المعنى باللفظ وجودا لفظيا إلا أن هذا لا يختص بالجملة الإنشائية بل يعم الجمل الخبرية والمفردات أيضا لأنه كما توجد موائمة بين اللفظ والمعنى في الجمل الخبرية أيضا موجود في الجمل الإنشائية والمفردات.
هنا يناقش كلام المشهور. السيد الخوئي من قال إن الجمل الإنشائية هي عبارة عن إيجاد المعنى باللفظ هذا المعنى إما اعتباري وإما إنشائي وكلاهما ليس بتام.
أما وجود المعنى بغير وجوده اللفظي فينحصر بنحويين وكلاهما لا مدخل للفظ أبدا:
احدهما وجوده الحقيقي الذي يظهر في نظام الوجود من الجواهر والأعراض ولابد في تحقيق هذا الوجود من تحقق أسبابه وعلله والألفاظ أجنبية عنها بالضرورة. يعني الألفاظ أجنبية عن الأسباب والعلل الحقيقية التكوينية فالألفاظ ليست سببا للمعنى الحقيقي والتكويني.
ثانيهما وجود المعنى الاعتباري وهو نحو من الوجود للشيء إلا أنه في عالم الاعتبار لا في الخارج وتحقق هذا النحو من الوجود إنما هو باعتبار من بيده الاعتبار واعتبار كل معتبر قائم بنفسه يعني يريد أن يقول إن الذي يوجد المعنى الاعتباري الكيفية النفسانية القائمة بنفس المعتبر واللفظ والإشارة والكتابة عبارة عن مبرز للإرادة النفسية مبرز للكيفية النفسية يعني هذا الرجل في نفسه يريد أن يتزوج في نفسه يريد أن يطلق لفظ قبلت النكاح لفظ أنت طالق مبرز وكاشف عن الموجد الحقيقي للزوجية والموجد الحقيقي للبينونة والطلاق وهو الإرادة النفسية.
واعتبار كل معتبر قائم بنفسه ويصدر منه بالمباشرة ولا يتوقف على وجود لفظ في الخارج أبدا أما أمضاء الشارع أو إمضاء العقلاء للعقود مثل النكاح أو الإيقاعات من طرف واحد مثل الطلاق الصادرة من الناس فهو وإن توقف على صدور لفظ من المنشئ أو ما بحكم اللفظ كالإشارة والكتابة ولا أثر لاعتباره إذا تجرد عن المبرز من قول أو فعل إلا أن الإمضاء المذكور متوقف على صدور لفظ قصد به الإنشاء، وموضع البحث هو مفاد ذلك اللفظ الذي جيء به في المرحلة السابقة على الإمضاء. يعني اللفظ إنما هو مظهر ومبرز للإرادة النفسية التي أوجدت الأمر الاعتباري.
وعلى الجملة إن الوجود الحقيقي والاعتباري للشيء لا يتوقفان على اللفظ وأما الإمضاء الشرع أو العقلاء للوجود الاعتباري فهو وإن توقف على صدور لفظ أو ما بحكمه من المنشأ كالإشارة والكتابة إلا أنه يتوقف عليه بما هو لفظ مستعمل في معناه لا بما هو لفظ فقط يعني المهم هو المعنى وأما الوجود اللفظي فهو عام لكل معنى دل عليه باللفظ فلا أساس للقول المعروف الإنشاء إيجاد المعنى باللفظ.
والصحيح يأتي عليه الكلام.